المحتوى الرئيسى

روشتة الأزهرى فى الدروس الخمسة المستفادة من المناظرة

11/22 20:38

فى كتابه «الحق المبين فى الرد على من تلاعب بالدين»، يشير الدكتور أسامة الأزهرى، إلى أن هذه المناظرة أصلت لنا أصولاً، وتركت لنا منهجاً، فى تفكيك فكر التطرف، والقيام بمقتضى العلم، والغيرة على القرآن من أن ينسب الناس له فهماً مغلوطاً، لا باعث له سوى الحماس الخالى من أدوات صناعة المعرفة.

1- وجود مرصد لمتابعة التيارات الفكرية والقضايا المثارة

انتهى الدكتور أسامة الأزهرى، فى تحليله للمناظرة إلى وجود دروس عدة مستفادة من هذه المناظرة، منها أن ابن عباس سعى إليهم ولم ينتظر أن يسألوا، ما يفيدنا فى زمننا أن يكون فى مؤسساتنا مرصد يتابع كل ما يطرأ من تيارات فكرية أو قضايا مثارة، مع دوام التحديث والمتابعة، ثم اعتصار هذه الأفكار والمقولات الرئيسية التى تأسست عليها تلك الأطروحة الفكرية، وبيان وجوه مناقشتها وتفنيدها وإيصال هذا النقد العلمى إلى ذلك التيار ورجاله.

2- بيان جماليات الهدى النبوى

إن ابن عباس، رضى الله عنه، لجأ لمدخل عجيب فى مناقشتهم، فلبس حلتين من أجود حلل اليمن، فما موقع هذا التصرف وما موضعه وما محله من خريطة مناقشته لهم فى الفكر، وما الباعث لابن عباس على هذا التصرف؟.. الجواب أنه أراد أن يلفت نظرهم، ويحرك عندهم الفكر، ويستفز فيهم النظر، إلى غياب جماليات الهدى النبوى، وافتقاد شمائله، التى تعين على فهم أحكامه وفقهه وإدراك مقاصده، وعندما يغيب حس الجمال، وتذوق الاتساق والانسجام فى ظاهر الأمر فى الملبس والمأكل، فإنه سيغيب بالتدريج عن منهج التفكير، وطريقة الفهم والنظر، فينتج الذهن فكرًا مشوهاً، خاليًا من الاتساق، مفتقداً لروح التشريع ومقاصده العليا، يترك عند الناس صورة ذهنية مشوهة، ونظير هذا قول أصحاب الكهف {فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ}، فما داعى التوقف عند الأزكى والأنظف والأرقى، وهم فى حال بعث من رقاد استمر ثلاثمائة سنة وتسع سنوات، إلا أنهم جبلوا على الأزكى والأرقى فى المطعم والملبس، مما فاض به وجدانهم وعقلهم من شهود الاتساق والرحمة والكمال فى المنهج وأدواته وعلومه ومسائله ومقاصده.

ولقد أصاب هذا المدخل من ابن عباس نيته، فاستفزهم وحركهم واستوقفهم، حتى سألوا بالفعل، فتحقق بُعد نظره وحرك عندهم ملكة البحث والتوقف والنظر، ولفت نظرهم بلطف إلى أنهم خرجوا وكفروا واتخذوا موقفاً عنيفاً، وزعموا أنفسهم أنصار الشرع، وأنهم أحق وأعرف به من على بن أبى طالب والصحابة، فى حين أنهم متحجرون عند مسائل معدودة لقلة العلم، وغياب الهدى النبوى بمنظومته المتكاملة، وأن الإدراك والإلمام بمكونات الهدى النبوى فى حسن الظاهر، وجمال الهيئة، له أثر مؤكد على طريقة الفكر.

وهذا واقع بعينه عند التيارات المتطرفة فى زماننا هذا، فما زالوا يخرجون على الناس بهيئات خشنة، فيها رثاثة صادمة للنظر، وهم يتصورون أن هذا هو الهدى النبوى، فينعكس هذا بلا شك على طريقة فهمهم للشرع.

3- التذكير بمواضع القوة فى منهجه ومواضع النقص فى منهجهم.

إن ابن عباس شرع معهم فى التذكير بمواضع القوة فى منهجه، ومواضع النقص والخلل والعوز فى منهجهم. فقال: «جئتكم من عند أمير المؤمنين، ومن عند

ويصف الأزهرى هذه اللفتة من ابن عباس بالدقة وعمق المدرك، فى المداخل التى يمكن من خلالها تفكيك فكر التكفير والتطرف، وحسن تبصيرهم بأسباب وقوع الخطأ عندهم.

إن ابن عباس يلفت النظر إلى أهمية تحديث المعرفة، حيث إنه سعى إليهم، وبادر بمناقشتهم، ولم ينتظر أن يطلبوا رأياً، أو أن يسأله الناس عنهم، مما يدل على دوام الرصد والمتابعة من الهيئة العلمية فى الأمة لكل ما يطرأ من أطروحات وتيارات فكرية، وعدم التقاعس أو التأخر عن وضع أطروحتهم فى ميزان العلم.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل