المحتوى الرئيسى

كيف قاد القرآن فيروز لترتيل الترانيم باحترافية؟

11/22 17:12

«جارة القمر» تصلي أمام جمهورها: «اركع تحت أحلى سما»

«التصفيق» يُجبر فيروز على الترانيم المُسجلّة.. و«جارة القمر» تستجيب لطلب الكهنة

فيروز تشارك الجمهور آلامها: «أنا الأم الحزينة».. وتناجي مريم: «يا أم الله الحنونة»

وتُصلي من أجل السلام في كنائس بيروت: «ضلك صلّ الله كبير»

تشدو فيمتلئ قلبك بالفرح.. تُحلق معها في عالمٍ آخر مقدس، فكيف لا يُصبح مقدسًا وصوتها الملائكي يستطيع أن يجعل الملحد خاشع حين يُقرر فقط أن يستمع إلى ترانيمها، فيملؤه إيمانًا بعد كفر، وبهجة بعد حزن، فهي التي تشدو إلى السيد المسيح في أسبوع الآلام بترنيمة تُطيّب خاطر مستمعيها وتُقربهم إلى المسيح أكثر، لتصنع بصوتها أسطورة موسيقية خاصة مليئة بالتراتيل المسيحية التي جعلتها الصوت المُفضّل للكثيرين.

"القرآن يقود فيروز إلى احتراف الترانيم"

ستندهش إذا علمت أن من قاد فيروز إلى احتراف الترانيم هو إتقانها لقراءة القرآن الكريم بتجويده السليم، فالملحن اللبناني محمد فليفل، اعترف في أحد حواراته، بأنه علّم فيروز قراءة القرآن الكريم، واستطاع ضبط مخارج الكلمات لديها من خلال تعليمها فن الإلقاء وقراءة القرآن بشكلٍ سليم، حتى أنه قال عنها "فيروز أداؤها إسلامي مئة بالمئة".

وُلدت فيروز لأم تنتمي للطائفة المارونية تُدى ليزا البستاني، وبدأت مشوارها مع الترنيمات مبكرًا –تحديدًا في الخمسينات- حيث رنمّت "تلج تلج" و"أؤمن" و"المجد لله في الأعالي"، بمناسبة عيد الميلاد المجيد، وكان أول ظهور لها في عيد القيامة بكنيسة مار إلياس وساحتها في أنطلياس، ومن هذه اللحظة واظبت جارة القمر على ترتيل الترنيمات المختلفة، التي تارة تحتفل من خلالها بميلاد السيد المسيح، وأخرى تُطيّب جراح الآخرين عندما تقترب الجمعة الحزينة، وثالثة لمدح السيدة العذراء مريم، لتنشر حالة إيمانية مختلفة لدى الطوائف المسيحية كافة.

"فيروز تصلي على المسرح أمام الجمهور"

تراتيل وصلوات وركوع ومناجاة.. هذا هو حال فيروز طيلة 82 عامًا، فحين رنمّت "خدني" التي تنتهي بجملة "اركع تحت أحلى سما وصلي" كانت تصمت وتتوقف الموسيقى لدقائق، ودون خجل وفي حالة اندماج تامة كقديس يتعبد في محرابه، تقف فيروز أمام جمهورها وتصلي وتركع، ولعل متابعها يستطيع تذكر ما حدث في حفلاتها بأميركا وانجلترا، وفرنسا واستراليا، والبرازيل، والإمارات، والبحرين، ومصر، وبعلبك -بالأخص عام ١٩٦١- حيث ركعت فيروز على أدراج بعلبك أمام أكثر من خمسة آلاف مشاهد، ورفعت يداها للصلاة منشدة "اركع تحت أحلى سما وصلى".

في عام ١٩٨٦، قامت فيروز بالإنشاد فى كنيسة سانت مارجريت بلندن، مع أوركسترا إنجليزية، حيث رتلّت ترانيم ميلادية سريانية، بالإضافة إلى مجموعة مختارة من الترانيم والأغانى الميلادية باللغات العربية واللاتينية والإنجليزية.

في 2015، أطلت فيروز في أحد الزعف لتحكي قصة الميت الذي أقامه السيد المسيح وفرحة أهله بتلك القيامة، ورتلت قائلة: "افرحى يا بيت عنيا"، وفى نفس العام أصدرت ترتيلتها "مديحة يا ميم رى ميم" وهى ترنيمة قبطية بدير سيّدة الناطور.

منذ بداية الحرب على لبنان وحتى أواخر التسعينات، اعتادت فيروز أن تشارك العالم وجع الأم المكلومة على ابنها، فرنمّت "الأم الحزينة" لتشارك العالم أجمع وجعها على ابنها المتوفي، ومن أعلى تلة جبلية –تحديدًا حريصا- نوّحت فيروز قائلة "أنا الأم الحزينة وما من يعزيها فليكن موت ابنك حياة لطالبيها".

"اختيار الكنائس التي أفسدتها الحرب للغناء"

لم تكن ترنيمات فيروز حكرًا على المسيحيين، أو طائفة معينة في الديانة المسيحية، فالمسلمين وذوي الديانات الأخرى في العالم أجمع اعتادوا سماع الترنيمات المختلفة لفيروز، بل أحبوها لصوتها الصادق العذب، اختارت فيروز في كل عام طوال الحرب اللبنانية أن ترنّم التراتيل المختلفة من إحدى الكنائيس التي دمرتها الحرب اللبنانية لتتضرع بها وتقيم صلواتها داعية الله أن يُعلي كلمة الحق مرة أخرى في الكنائس.

"آخر إطلالة فيروزية في الكنائس"

2008 كان آخر عام تُطّل علينا فيروز فيه من الكنائس اللبنانية، وهو ما أثار علامات استفهام حول عدم ظهورها كما عودتنا من إحدى الكنائس، إلا أن بعض الصحف اللبنانية تحدثت عن أن الكهنة في الكنيسة أزعجهم التصفيق الحاد الذي يفعله الحاضرون عقب انتهاء فيروز من ترانيمها، خاصة وأن هذا التصفيق به شيئًا من التقليل والاستهانة لقداسة الجمعة العظيمة والحزن الذي يشعر به المسيحيون في أرجاء العالم كافة، فهو اليوم الذي صُلب فيه المسيح، ونظرًا لانزعاج الكهنة من هذا الأمر استجابت فيروز لآرائهم واحترمت رغبتهم وبدأت تظهر كل عام بترتيل مسجل مسبقًا.

ونظرًا لارتباط الترنيمات الفيروزية بأوقات ومناسبات مختلفة، نرصد في السطور التالية قصة 5 ألبومات ترانيم طيّبت فيها فيروز جراح المسيحيين.

"ليلة عيد" هي أشهر ترانيم فيروز ضمن ألبوم ترانيمها الشهير"يسوع المخلص"، كما أن ترنيمة "ليلة عيد" تُعد مفضلة لدى الكثير من المسيحيين، خاصة في احتفالات عيد الميلاد المجيد، ولم تكن هذه هي الترنيمة الوحيدة التي رتلتها فيروز للطفل "يسوع"؛ احتفالا بيوم ميلاده، لكنها أصدرت ألبومًا كاملًا بعنوان "يسوع المخلص".

صدر هذا الألبوم في عام 1992، من كلمات وألحان الأخوين الرحباني، وأصبحت هذه التراتيل جزءًا من احتفالات الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية لتصبح تراتيل فيروز جزء هام بداخل غالبية الكنائس المصرية واللبنانية والسورية في احتفالات عيد الميلاد المجيد سنويًا، لتصنع فيروز من ألبوم "يسوع المخلص" أسطورة موسيقية داخل الكنائس، ترتلها الفرق الموسيقية باحتفالات الميلاد.

من المسيح إلى مريم؛ القداسة لا تختلف كثيرًا، فحولهما تدور غالبية الترانيم، إلا أن لصوت فيروز رنين خاص، يجعلك وأنت تسمع صوتها ترى العذراء مريم أمامك، كما لو أن ذلك واقعًا.. تقربّت فيروز إلى قلب السيدة العذراء -القديسة الأقرب لقلوب المسيحيين- بألبوم "يا أم الله"، الذي احتوى على 7 ترانيم.

غنت فيروز في ألبومها الخاص عن السيدة العذراء مريم، تراتيل "يا أم الله الحنونة" و"مريم البكر"، ولم يكن هذا هو الألبوم الوحيد الذي رتلت فيه عن العذراء، لكنها أصدرت تراتيل خاصة بها في ألبومات أخرى.

عام 1969.. جعلته فيروز عامًا للصلاة إلى الله، والترتيل له من خلال ألبومها "نبع الينابيع"، الذي احتوى على عدد من الترانيم رتلتها جارة القمر إلى الله، تمثلت في شكل طلبات صلاة من فيروز إلى الله.

ضمّ ألبوم "نبع الينابيع" 7 ترانيم مسيحية رتلتها فيروز من بينهم ترنيمة "يا سيد العطايا" و"إيماني ساطع" و"يا ساكن العلى"، جميعهم من كلمات وألحان الأخوين رحباني.

احتفلت بميلاد المسيح فقررت أن تداوي جراحه، فكان صوت فيروز رسالة عزاء لأجل الله؛ لتداوي جراحه في ألبومها الخاص "الجمعة الحزينة"، الذي صدر عام 1962م، وتضمن ألبوم "الجمعة الحزينة" 8 ترانيم مسيحية غنتها فيروز عن صلب السيد المسيح، ومن هذه الترانيم "وا حبيبي"، و"أنا الأم الحزينة" و"اليوم علق على خشبة"، ويعتبر ألبوم "الجمعة الحزينة" لفيروز من أشهر تراتيلها المسيحية التي اعتبرها المسيحيون لمسة دواء من فيروز لتدواي جراح صلب السيد المسيح, ولهذا لا يخلو أي بيت مسيحي من صوت تراتيل فيروز يوم الجمعة الحزينة قبل عيد القيامة المجيد بكل عام.

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل