المحتوى الرئيسى

لحظة المكاشفة | المصري اليوم

11/22 03:01

كنت متأخرا عن صلاة الجمعة، فسمعت الإمام يتلو: «وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِىَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ. وَمَا كَانَ لِى عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِى. فَلَا تَلُومُونِى وَلُومُوا أَنفُسَكُم. مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ. إِنِّى كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ. إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ».

اخترقت الآيات قلبى. راحت المعانى تتراكب داخلى وأنا أصغى. يا إلهى كم هو قرآن معجز. هذه هى لحظة المكاشفة، ومتى؟ يوم القيامة! عندما انقطع العمل وتأكد المصير وصار العلم بالشىء مساويا للجهل به، لا يمكن تصحيحه. يصفها القرآن بأنها (لما قُضى الأمر). الفعل مبنى للمجهول لغةً، وفى الحقيقة كلنا نعلم من الفاعل. إنه الخالق الأعظم، الذى أخبرنا مرارا وأنذرنا تكرارا أنه أن الفعل لا يكلفه سوى توجه الإرادة. ليس أكثر من «كن» فيكون ما شاء، وما هذه الوجوه البشرية إلا أقنعة تختفى خلفها أقداره. قال لنا خالقنا كل هذا وأكثر، أنذرنا وحذرنا ولكننا لم نأخذ إنذاره مأخذ الجد، وسرنا فى غينا.

الآن لحظة المكاشفة بعد أن انتهت المسرحية التى تدعى الحياة! كانت فيها أصباغ كثيرة، وأقنعة ملونة وغوايات تعد بالسعادة المؤكدة. وكانت الشهوات تدفعنا إلى ما نهانا الخالق عنه. وكنا نعلم! أجل كنا نعلم عاقبة الاستهانة بهذه الأوامر الربانية. لكننا اخترنا- بكامل إرادتنا- أن نتجاهلها ونتبع داعى الشهوة. أصغينا بكل جوارحنا للشيطان، عدونا الذى حذرنا الخالق منه كما حذر أبانا آدم. أبونا عصى فغوى، لكنه تاب ونحن ما تبنا.

الآن داعى الشر الذى أعطيناه ثمرة قلوبنا هو نفسه الذى يصارحنا- بعد أن قُضى الأمر- بوقاحة غير مستغربة منه: «وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِىَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ».

هكذا بمنتهى البساطة! وعدتكم فأخلفتكم. لا يوجد اعتذار ولا خجل، ألم اقل لكم إنها لحظة المكاشفة؟

رفقاء السوء يفعلون ذلك دائما. هل شاهدت فيلم ( Goodfellas الرفاق الطيبون) للعملاق دى نيرو؟ فى البدء توجد لحظات مشتركة كثيرة. أنس! مودة! ابتسامات! مجاملات متبادلة. شعور بالثقة سرعان ما يتبدد عند أبسط مأزق. يصبح الحميم واشيا على صديقه القديم لينجو بحياته. وقتها تتساءل، وأنت تشاهد الفيلم، أين الصداقات القديمة؟ وقتها تتذكر قوله تعالى: «الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين». هذا غير مستغرب بتاتا.

ترى ما الذى يشعر به الأشقياء عند سماعهم الشيطان يقول لهم بكل بساطة «ووعدتكم فأخلفتكم» بمنتهى البساطة؟

على أن الشيطان سرعان ما يباغتهم بحقيقة أصعب «وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي».

يا إلهى! صدق الشيطان وهو الكذوب. لم يكن داعى الشر يملك عصا يسوقنا بها إلى معصية خالقنا. أو يهددنا بقطع رزق أو بعقاب مؤلم. كل ما هنالك أنه أثار غرائزنا البدائية. زيّن لنا أن نتبع شهواتنا كقطيع لا يرتقى إلى نفخة الإله التى بثها فى أرواحنا. لذلك فإن النتيجة المنطقية هى: فَلَا تَلُومُونِى وَلُومُوا أَنفُسَكُم». وليت الندم كان عملة مقبولة فى هذا الموقف.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل