المحتوى الرئيسى

خلف كل قيصر يموت... قيصر جديد | المصري اليوم

11/21 12:36

قامت شبكة «سى إن إن» الأمريكية مؤخرا بعرض تقرير حول تجارة الرقيق في ليبيا، تضمن فيديو قصيرا تم تصويره بكاميرا موبايل ويظهر فيه شخص يقيم مزادا لبيع اثنين من المهاجرين الأفارقة، تم تداول الفيديو على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولاقى تعاطفا كبيرا على مستوى العالم وتنديدا من المنظمات الدولية ومن الاتحاد الأفريقي الذي دعا السلطات الليبية إلى فتح تحقيق، وتحديد المسؤولين وإحالة الأشخاص المخالفين إلى القضاء، وإعادة النظر في شروط احتجاز المهاجرين.

العبودية مازالت موجودة في بعض الدول العربية، بعض القبائل في موريتانيا واليمن، مازالت متمسكة بها رغم القوانين التي تمنعها، يرث الطفل العبودية من والده وينتقل إلى ملكية السيد مثل المتاع، السعودية جرّمت الرق في الستينات من القرن الماضي بقانون وفتوى صريحة بأن الإسلام حاربه وحاول القضاء عليه، لكن حتى الآن من يحاول أن يجد في نصوص الإسلام ما يجيزه. ما حدث في ليبيا، الدولة العربية المسلمة، شيء مخزٍ يعيد إلى الأذهان منظومة الرق القديمة، حيث كان تجار الرقيق، يجلبون العبيد من أماكن النزاعات والحروب أو عن طريق سرقة الأطفال والضعفاء. سماسرة البشر المنتشرون في ليبيا، يستغلون حاجة أشخاص ضاقت بهم ظروف الحياة في بلادهم، ويقدمون لهم الحلم مقابل مبلغ مالي كبير من المال، يعجز معظمهم عن تدبيره إلا بعد الاستدانة وبيع كل ما يمتلكه أو العمل لسنوات لتوفيره، حتى يتمكن من عبور المتوسط للوصول إلى شواطئ أوروبا، في رحلة تحفها المخاطر. أبناء القارة السوداء هم الأكثر عرضة للموت أثناء رحلات الهجرة غير الشرعية.

نتيجة تشديد المراقبة من قبل خفر السواحل الليبية، بالاتفاق مع دول الاتحاد الأوروبي تم إجهاض الكثير من محاولات الهجرة غير الشرعية. لا يسأل أحد عن مصير الأفارقة الذين لم يتمكنوا من السفر، لكن غالبا ما يتم القبض عليهم وإيداعهم السجن من قبل السلطات الليبية أو الجماعات المسلحة أو تجار البشر، في كل الأحوال يتم احتجازهم في أماكن أشبه بالزنازين، حيث يتعرضون للجوع والعنف والتعذيب، ويصل الحال إلى بيعهم كرقيق للعمل في المزارع بالسخرة، وإن كانوا نساء يعملن في الدعارة.

الإدانة العالمية والأفريقية لمثل هذه التجارة المجرمة، لن تغير الواقع، والواقع يتكرر كل يوم ويلخصه مهاجر نيجيري، ترك بلده حيث الفساد والفقر، وعبر الصحراء، واضطر لشرب بوله لنفاد الماء، وفي النهاية وصل ليبيا ليواجه هو ورفاقه مخاطر الوقوع في أسر داعش أو السجن، وكلاهما مر، وأخيرا فروا إلى البحر، رحلة خطرة وقاسية ولكن الحياة نفسها في بلاده مخاطرة. شهادة المهاجر النيجيرى كانت ضمن الفيلم الوثائقي «نار في البحر» للمخرج الإيطالى جيانفرانكو روزي.

في الـ20 عاما الماضية نزح 400 ألف مهاجر لجزيرة صقلية في محاولة لعبور مضيق صقلية والوصول إلى أوروبا، وتشير التقديرات إلى أن 15 ألف شخص لقوا حتفهم خلال هذه السنوات. لم يأتِ أحد ليسأل عن هؤلاء الذين دُفنوا في الماء، كما لم يتعرف أحد على الشابين اللذين بيعا في المزاد العلني في ليبيا بمبلغ لا يزيد عن 300 دولار لكل منهما، ليعملا بالسخرة لصالح شخص يمتلك ثمنهما، 300 دولار ثمن بخس، لا يمكنك به شراء حذاء من ماركة شهيرة. لكنه سعر شخص تعس أوقعه الفقر في براثن الذئاب، ليس سعيد الحظ مثل الروبوت «صوفيا» التي منحتها المملكة السعودية الجنسية، التي تضن بها على الكثيرين، من أمثال هؤلاء المهاجرين الذين لا يتذكرهم أحد .

رواية «جذور» للمؤلف الأمريكي الأسود أليكس هيلي، تحولت لمسلسل شهير، أحداثها تدور حول تتبع جذور عائلة المؤلف القادمة من أفريقيا حتى وصل إلى جده كونتا كينتي الذي كان حرا في بلده جامبيا، قبل أن يقع في أيدي تجار الرقيق الذين نقلوه مع غيره من الأفارقة إلى أمريكا للعمل في مزارع القطن بالجنوب، ألكس هيلي كان جده حرا، يزرع أرضه ويصيد غذاءه ويعيش وفق عاداته وتقاليده مكرّما بين أهله وعشيرته، لكن أحفاد كونتا كينتي في القارة السمراء ليسوا كذلك، أصبح حلمهم أن يجدوا من ينقلهم إلى الجانب الآخر من الأطلسي أو الشاطئ الشمالي من المتوسط، الحال تبدل...

الأيام الماضية أصابني حزن عميق، بسبب الفيديو الذي يوثق التجربة القاسية التي تعرض لها الشابان في ليبيا (المهاجران)، شعرت بالعجز وعدم جدوى الكتابة، من بيده قلم يظن، بسذاجة، أنه قادر على النصح والإلهام والتغيير. أصابني المشهد أيضا بالحيرة، كيف واجه كل من هذين الشابين العبودية دون انفعال.. بمذلة ولامبالاة؟! وفكرت أنه ربما ما تركاه وراءهما لا يستحق الحزن عليه، فهو ليس بحياة، لكنه بقايا حياة.. أو بمعنى آخر لقد مات هؤلاء في أوطانهم قبل أن يهجروها، فهانت عليهم الحياة التي تساوت في مأساتها مع الموت أو الرق أو أي مصير مأساوي آخر.

نعيش عصر المعجزات العلمية في كل المجالات وثورة الاتصالات وقيم العولمة، الغرب يبشرنا بديمقراطية للجميع وبحريات للفرد بلا حدود، في أوطاننا العربية نولد لنجد من يردد على مسامعنا منذ الطفولة: دولة الظلم ساعة ودولة الحق لقيام الساعة، احذر المال الحرام فهو لا يدوم.. تيقن من أن الحق ينتصر دوما على الشر.. حين نشب عن الطوق ونسير وحدنا في دروب الحياة، نجد العالم من حولنا قاسيًا بلا قلب، المال الحرام يتوالد بسرعة خرافية ويشتري الضمائر والرجال، قابيل مازال حيا.. أما هابيل فمات منذ آلاف السنين تاركا لأخيه القاتل كل ما جمعه في الحلال.

فخلف كل قيصر يموتُ: قيصر جديد

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل