المحتوى الرئيسى

أصلها "سوبر جيرل"!

11/21 01:07

أسطورة "الفتاة الخارقة".. الفتاة التي تستطيع فعل كل الأشياء.. توازن بين عقلها وعاطفتها.. لديها قدرات تؤهلها لفعل ما تشاء.. تطير وتتحرك بكل رشاقة.. تخرج نارا من عينيها وجليدا من فمها.. تنقذ الجميع.. لديها مؤهلات جسدية فولاذية تستطيع تحمل أشد الأمور.. تجمع بين الجمال والقوة والحكمة والسيطرة.. الشخصية التي ابتكرها كل من " آل بلاستينو" و" أوتو بيندر" و "كيرت سوان" منذ عام 1958.

تُرى هل ننظر لأنفسنا كـ"سوبر جيرل" أم أن للمجتمع رأي آخر؟

كل مجتمع على اختلاف ثقافته وقيمه ودرجة تقدمه ينظر للنساء نظرة "سوبر جيرل" ناهيك عن مجتمعنا المصري الذي يضع توقعات صارمة لأدوار المرأة تفوق قدراتها؛ إما لتعجيزها أو لكسر طموحاتها حينما يُقال لها "لم تستطيعي فعلها لأنكِ لست قوية بما يكفي" لتبدأ عندئذ دائرة الإحباط التي تمر بها الفتاة مرورا بإحساسها بالدونية وصولا لانسحابها من الحياة العملية.

انظر للفتاة العزباء التي يُطالبها المجتمع بأن تكون ناجحة ومتميزة تستطيع إيجاد وظيفة والنجاح بها مع محافظتها على سماتها الأنثوية رغم اضطرار الفتاة، في معظم الأحيان، للعب دور الرجل أو "الفتاة المسترجلة" في عملها حتى لا تكون مطمعا أمام الآخرين.

تبدأ ضغوطات المجتمع والأسرة عليها أحيانا في وجوب إيجاد العريس المناسب وبدء الحياة المستقرة الهانئة الهادئة مع شريك الحياة ورفيق الدرب.

الحقيقة إن الحياة المستقرة الهانئة قد تأتي وقد لا تأتي، ولكن على أية حال فإن المرأة المتزوجة في هذه الحالة يُطلب منها مجموعة أخرى من الأدوار تنبثق من التوقعات المجتمعية والذكورية لما ينبغي عليها أن تفعله.

فتبدأ سلسلة التوقعات بأهمية أن توازن المرأة المتزوجة بين مسئوليات البيت والعمل، بين طموحاتها من ناحية وطموحات أطفالها ومتطلبات زوجها من ناحية أخرى ، أن تكون الأم الناجحة في عملها، والقادرة عمليا على إنجاز كافة ما يُطلب منها، أن تعيش لأجل أسرتها، وأن تتحمل سخافات مدرائها، أن تحضر الأبناء من المدرسة وتذهب بهم إلى النادي وتقرأ وتطهو لهم ثم تتأكد من قيامهم بأداء الواجبات والفروض المنزلية ثم تذاكر لهم وينتهي يومها معهم بأن تتمنى لهم نوما هادئا، ليأتي يوم آخر تبدأ في معركة إيقاظهم مبكرا وإعداد الشطائر في ظل تحملها لهراءات جروبات الأمهات على الواتساب أو فيس بوك.

وفي النهاية تسمع من زوجها بعض الشكاوى الصباحية من أنها قد أهملته وأنها لم تهتم به ناهيك عن أنها لم تقم بغسل ملابسه وكيها وتنسيقها كى تكون جاهزة طيلة أسبوع عمله!

أي إنتاجية ننتظرها من مرأة عاملة مهمومة براتبها الذي لا يكفيها وأولادها ومشاكلهم الدراسية وزوجها الذي لا يحاول مساعدتها في بعض الأعباء والأعمال المنزلية علاوة على وجوب تحملها لمضايقات الشارع والتحرشات المستمرة في وسائل النقل.

وإن اشتكت سوف تجد مئات الألسنة التي تخبرها بأن بيتك وأبناءكِ أولى بك. فدعي أحلامكِ وطموحاتكِ جانبا و(ارتاحي في بيتك وجوزك يصرف عليكي وخلاص)، أما المرأة المعيلة فلا عزاء لها وسط كل هذا فهى تتحمل ضعف العمل والمشقة والمسئوليات !

وإن فكرت المرأة في طلب الطلاق (لا قدر الله) لأن الحياة لا تُطاق مع شريك الدرب (فدي وقعتها سودة بقى) فبعيدا عن شبكة قوانين الأحوال الشخصية المجحفة ضد المرأة وانخفاض نفقة المرأة وعدم قدرتها في الحصول على حقوقها المالية كاملة من طليقها، وبعيدا عن سلسلة المحاكم وبغض النظر إن تم الأمر على خير وطُلقت من (غير بهدلة) فالمطلقة تبدأ رحلتها في الكفاح مع أبنائها للعب دور الأب في كثير من الأحيان وفي رغبتها في إثبات نفسها بعيدا عن طليقها، وفي غايتها أن تثبت لطليقها قبل أن تثبت لنفسها مع الأسف (شوف أنا بقيت إيه من بعدك.. على غرار قولوله لسه عايشة وكل شئ حلو في عينيا).

ودعونا لا ننسى نضال المطلقة في مواجهتها للرغبات الجنسية لزملائها أو الذكور عموما انطلاقا من فكرة (أصلها سهلة بقى وتتجاب بسرعة.. وأصلها مطلقة وكسر.. وأصلها عندها فراغ عاطفي دلوقتي فيلا استغله.. وأصلها واحشها تسمع كلمة حلوة.. وأصلها هترضى بعلاقة من النوع ده لأنها مش لاقية حد.. وهلم جر).. الطريف أن محاولات الاستغلال تأتي من الزملاء المتزوجين أما غير المتزوجين فهم يريدونها كصديقة لإشباع احتياجاتهم في (الفسح والخروجات غير المقننة).

الحقيقة المفجعة في كل هذا أن المرأة سواء أكانت عزباء أو متزوجة أو مطلقة هى السبب في كل شئ !

هى التي ارتضت لنفسها التخلي عن سماتها الأنثوية لأنها تخشى التحرش بها أو تخاف أن يظن المجتمع أنها (بنوتة قطقوطة وعضمها طري وناعمة) لا تستطيع النجاح إلا إذا ارتضت لنفسها الدخول في العباءة الذكورية.

هى السبب لأنها قبلت الصورة النمطية المجتمعية لفكرة المرأة الناجحة التي لا تخطئ مطلقا. وماذا سوف يحدث إن فشلت مرة أو مرتين أو عشرين مرة واستطاعت النجاح بعد ذلك؟! لماذا حين يفشل الرجل عدة مرات نقدم له الدعم والمؤازرة ولكن إن فشلت المرأة مرة نقيم عليها الحد ونجزم بأنها لن تستطيع النجاح مطلقا؟!

هى السبب لأنها اهتمت بتوقعات المجتمع وتطلعاته منها ولم تهتم بأن تثبت ذاتها لذاتها كي ترضى عن نفسها وليس ليرضى الآخرون عنها.

هى السبب لأنها لم ترفض ما لم تستطع القيام به.. لماذا لا تخبر زوجها أنها لا تستطيع فعل هذا؟ لماذا لا تطلب منه أن يساعدها في الأعباء المنزلية وفي تحمل مسئولية الأبناء معها ؟ لماذا تدع كل هذه الشكاوى تتراكم بداخلها حتى تصل لمرحلة الانفجار وطلب الطلاق؟!

لماذا تخشى الاعتراف بكونها ضعيفة وقوية في آن واحد؟ فقد خُلقنا جميعا رجالا ونساء لنا لحظات نشعر فيها بالانكسار والحزن وأخرى نشعر فيها بالنجاحات والانتصارات؟ لنا ندوب نفسية بداخل روحنا لماذا نحاول التنصل منها؟! لماذا ننغلق على أنفسنا ونخشى الاعتراف بأننا ضعيفات ولكننا نحاول؟ أليست المحاولة والاستمرارية هى أقوى اعتراف بأننا قويات وضعيفات في آن واحد! لماذا ندعي أننا "سوبر جيرل" ونحن لم نُولد هكذا؟ ولن نكن هكذا مطلقا!

الطريف واللافت للنظر أن مسلسل "سوبر جيرل" في نسخته الحالية المذاعة على قناة CW الأمريكية قد بدأ يطرح جوانب أخرى لشخصية "سوبرجيرل" الفتاة الفولاذية صاحبة القدرات الخارقة، فهى تنكسر نفسيا وتخطئ وتصيب وتنجح وتفشل وأحيانا تُغلِب العاطفة والشعورية على المنطق والعقلانية والعكس.

خلاصة القول: افشلي.. انجحي.. انكسري.. كوني قوية.. كوني هشة.. اظهري الضعف والقوة وقتما شئتِ ..كوني ما تشائين وفقا لكل موقف ولكل ظرف ولا تخشين حقيقتك..ساعدي نفسك أو اطلبي المساعدة.. لا تجعلي أحدا يملي عليكِ ما تفعلين.. لا تهتمي بالمجتمع وتوقعاته بل اهتمي بنفسك أولا.. اهتمي بالدور الذي ترغبين في تأديته وليس " الينبغيات المجتمعية الفارغة أو الصورة التي يرغبون أن يُشكلونكِ عليها".

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل