المحتوى الرئيسى

المهندس إبراهيم المعلم فى حوار لـ«الشروق»: تزوير الكتب يهدد صناعة النشر فى مصر بالفناء

11/20 11:08

• المزور لا يقدم إلا على تزوير الكتب التى ثبت نجاحها دون أن يتحمل مخاطرة أو أعباء مالية

• لا يمكن أن تكون مثقفا وتبرر سرقة حقوق وجهد الغير.. فلو سرق أحد منك قلما أصبح لصا أما لو سرق فكرك سيظل شريفا!

• لم يستقر فى ضمير مجتمعنا أو لدى المسئولين ووسائل الإعلام أن الاعتداء على حقوق الملكية الفكرية جريمة مخلة بالشرف

• يجب أن نفرق بين حق اقتناء الكتب وحق الاطلاع عليها.. الثانى هو الأهم وتكفله الدولة عبر المكتبات العامة

• لابد من تزويد الجهات المعنية بملاحقة التزوير والسطو على حقوق الملكية الفكرية بإمكانيات بشرية وتقنية مناسبة

أكد المهندس إبراهيم المعلم، رئيس مجلس إدارة «دار الشروق»، أن صناعة النشر فى مصر مهددة بالفناء، بالنظر للرواج الواسع لحركة تزوير الكتب، والسطو على حقوق الملكية الفكرية، التى من دون الحفاظ عليها ستتوقف حركة التقدم داخل المجتمع؛ فمادمنا نسمح للمزورين بالسطو على أعمال المبدعين، فما الذى يشجع كل كاتب أو مفكر أو مخترع أن يبذل الجهد لمزيد من الإنتاج؟، مشيرا إلى أن التعدى على حقوق الملكية الفكرية ــ التى تعد رافعة الصناعات الابداعية ومنها النشر ــ يعتبر جريمة مكتملة الأركان، وتصيب الاقتصاد القومى لأى دولة تتفشى فيها هذه الجريمة فى مقتل.

وشدد المعلم – فى حواره مع «الشروق« ــ على أن ارتفاع أسعار الكتب الناتج عن ارتفاع مستلزمات الإنتاج من ورق وأحبار وطباعة، وحقوق لمؤلفين ورسامين وغيرهم، لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون مبررا لجريمة تزوير الكتب التى يدافع عنها بعض من يدعون الثقافة، منوها إلى أننا فى سياق ارتفاع أسعار مستلزمات إنتاج الكتب يجب أن نفرق بين حق اقتناء الكتب ووسائط المعرفة بأشكالها المختلفة، وبين حق الاطلاع عليها، الثانية هى الأهم من وجهة نظرى، وهى مسئولية الدولة، التى يجب أن تتيح هذا الحق للمواطنين عبر المكتبات العامة.

المعلم ــ الذى شغل منصب رئيس اتحاد الناشرين المصريين، ورئيس اتحاد الناشرين العرب، وأول عربى ينتخب نائبا لاتحاد الناشرين الدوليين سنة 2008 – يطالب بتزويد الجهات المعنية بملاحقة التزوير والسطو على الملكية الفكرية بإمكانيات بشرية وتقنية مناسبة، مؤكدا أن صناعة النشر فى مصر من الصناعات الاستراتيجية التى تدعم اسم ومكانة وسياسة وأمن وثقافة مصر وفكرها. كما أن هذه الصناعة تعتبر أداة ذات أثر بالغ وغير مباشر على الترويج لباقى الصادرات، مع تشجيع السياحة؛ الأمر الذى دفع معظم دول العالم إلى تقديم الدعم لصناعة النشر.

• قبل الدخول فى الحديث عن احترام حقوق الملكية الفكرية.. نريد منكم أن تلقى الضوء على مفهوم المكية الفكرية بشكل عام؟

ــ تشير الملكية الفكرية بحسب تعريف «المنظمة العالمية للملكية الفكرية» wipo إلى «إبداعات العقل من اختراعات ومصنفات أدبية وفنية وتصاميم وشعارات وأسماء وصور مستخدمة فى التجارة. والملكية الفكرية محمية قانونا بحقوق منها مثلا البراءات وحق المؤلف والعلامات التجارية التى تمكّن الأشخاص من كسب الاعتراف أو فائدة مالية من ابتكارهم أو اختراعهم. ويرمى نظام الملكية الفكرية، من خلال إرساء توازن سليم بين مصالح المبتكرين ومصالح الجمهور العام، إلى إتاحة بيئة تساعد على ازدهار الإبداع والابتكار».

ومن هنا نلاحظ أن مفهوم الملكية الفكرية واسع جدا، فهو تقريبا يشمل كل ما يمكن أن يضيفه الإنسان من اختراع وابتكار فى المجالات جميع. فلديك مثلا بلدا مثل اليابان، فقير فى الموارد الطبيعية، لكنه يقدم بالابتكار؛ فصحة الإنسان تتحسن لأن هناك اكتشافات جديدة وأدوية جديدة وطرق علاجية جديدة وهذه كلها من إضافات وابتكارات واختراعات من صنع الإنسان، ويطلق على هذه الصناعات التى تكون معنية بالابتكار والإبداع والاختراع ما يعرف بـ«الصناعات الإبداعية».

• شغلتم منصب رئيس اتحاد الناشرين المصريين ورئيس اتحاد المصريين العرب.. كيف ترى أزمة حفظ حقوق الملكية فى العالم العربى؟

ــ انطلاقا من حديثنا المختصر عن مفهوم الملكية الفكرية وحجم الصناعات الإبداعية، أقول إن التعدى على هذه الصناعات ومن ضمنها النشر جريمة مكتملة الأركان، ليس ذلك فحسب، بل وتصيب الاقتصاد القومى فى مقتل، وتعطل تقدم المجتمع كله، وتقتل فيه روح البحث والاكتشاف والابداع.

لكن المشكلة فى مجتمعاتنا أن إدراكها لمفهوم الملكية الفكرية إذا لم يكن منعدما، فعليه تشويش كبير، فلو سرق أحد منك قلمك أصبح لصا، أما لو سرق كتابك وفكرك وعلمك ليتربح بها لن يعاقب أو يحاسب أو يزدريه المجتمع، ويظل فى نظر الناس شريفا.

للأسف لم يستقر فى ضمير مجتمعنا العربى أو لدى المسئولين أو حتى وسائل الإعلام وجموع المثقفين أن الاعتداء على حقوق الملكية الفكرية جريمة مخلة بالشرف تستحق التجريم والعقاب، فهى جريمة لا تقل عن أى جريمة سرقة مادية عادية، الأكثر من ذلك أن تشريعات مكافحة السرقة الفكرية غير موجودة فى أغلب البلدان العربية.

وبالتالى علينا أن نقدم توعية حقيقية للناس بأن احترام حقوق الملكية الفكرية هو الذى يساهم فى تحقيق التقدم؛ ولذلك تتطور قوانين احترام هذه الحقوق فى العالم كله؛ لأنه ببساطة شديدة لو أن العالم أو الكاتب أو الأديب أو المخترع إذا لم يحصل على حقوقه المادية عن كل ما ينتج ويفنى حياته فيه لن يخترع شيئا، ولن يجد ما يصرف به على فنه أو علمه أو إبداعه؛ ومن هنا تقوم الدول على حماية حقوق مبدعيها ومفكريها وعلمائها لتشجيعهم على المزيد من الابتكار والابداع والاكتشاف؛ لأن كل ذلك سيصب فى خانة تقدم المجتمع.

• كيف ترى حركة تزوير الكتب والسطو على حقوقها من قبل المزورين فى مصر؟

ــ سأقولها بكل صراحة.. إن الناشرين الجادين فى مصر باتوا يصارعون من أجل البقاء بسبب التزوير؛ لأن صناعة النشر فى مصر والعالم العربى تعتبر ناشئة، هناك اختلافات من بلد لآخر، لكنها لا تصل بحال إلى ما وصلت إليه هذه الصناعة فى أوروبا أو الولايات المتحدة أو بعض البلدان فى آسيا، ولذلك عندما يحدث لدينا سطو واعتداء على حقوق الملكية الفكرية بالنسبة للناشرين والمؤلفين فى صناعة تكافح لأجل البقاء فإن ذلك يهددها بالفناء.

وللعلم كان من أهم الأسباب التى جعلتنا ندشن اتحاد الناشرين العرب، محاربة التزوير فى العالم العربى، ليس ذلك فقط، بل وجدنا – ومازلنا ــ أن هناك مؤسسات حكومية ومعارض رسمية تحتفى بمزورين للكتب، وإذا تقدمت باحتجاج على الاحتفاء بالمزورين يقولون لك إنهم يأتون إلينا بكتب رخيصة. يقولونها ببساطة من دون أن يدركوا أن المزورين يسرقون حقوق المؤلفين والناشرين.

فماذا يصنع هذا المزور؟ يتابع نشاط دار نشر بعينها، فإذا كانت قد نشرت 100 كتاب وموسوعة، وعلى فرض أن هناك 10 كتب من ضمن هذه القائمة قد حققت نجاحا كبيرا، بعدما تكبدت مصروفات ضخمة فى الدعاية وحقوق المؤلفين والرسامين والمخرجين والمراجعين فضلا عن الضرائب. كل ما يفعله المزور أنه يسطو على هذه الكتب، مخصوما منها كل هذه المصروفات، ويبيعها بسعر أرخص، ويحقق مكاسب دون أن يتكلف شيئا من كل الحقوق التى سردتها توا.

• هل لك أن تطلع القارئ على تفاصيل أكثر على تكلفة الكتاب ومدى استفادة المزورين منها؟

ــ المزور يتميز عن الناشر الشرعى فى عدم تحمل الأعباء التالية:

• حقوق التأليف وهى 15% من سعر الكتاب.

• تكاليف المراجعة والتحرير والصف والتصحيح والإخراج والإعلان، وتتراوح بين 5 و10% من سعر الكتاب.

• جميع الرسوم والمصاريف الإدارية، وهى لا تقل عن 5 % من سعر الكتاب.

• تكلفة الطباعة بسبب الرسوم والجمارك لا تقل عن 5%.

وبالتالى فإن تكلفة المزور تقل عن تكلفة الناشر الشرعى ما بين 30 إلى 40% للكتاب العام، و60 إلى 75% للكتاب الجامعى، بالإضافة إلى أن المزور لا يقدم إلا على تزوير الكتب التى ثبت نجاحها، وزاد الطلب عليها دون أن يتحمل مخاطرة أو أعباء مالية.

علاوة على ذلك فإن الإجراءات الروتينية المعطلة لتصدير الكتاب من مصر تمكن المزور من تلبية الطلبات فى وقت أسرع كثيرا من الناشر الشرعى، وهذا ما يجعل بعض الموزعين يفضلون اللجوء إلى المزورين فى حالة الطلبات العاجلة، ولا ننسى عدم تيسير سبل الشحن جوا وبرا وبحرا بدرجة كافية؛ ولهذا لا نبالغ حين نؤكد أن تزوير الكتاب فى مصر أصبح له تشكيلات عصابية تضاهى أعتى تنظيمات المافيا الدولية.

• كيف تنظر إلى الأصوات التى تدافع عن تزوير الكتب بداعى ارتفاع الأسعار فى دور النشر صاحبة الحقوق؟

ــ أقول لهؤلاء إنهم لا يمكن أن يكونوا مثقفين، لأنهم يدافعون عن السرقة والسطو على حقوق الغير. يجب أن نعلم أن الكتاب الجيد له تكلفته.. وهنا دعنى أسأل هؤلاء الناس: هل تفضلون استسهالا كأن لا تكون هناك دور نشر تراجع وتبحث وتتابع وتكتشف ثم تدقق وتحرر وتصحح وتختار أحسن وأقدر الكتاب والباحثين والعلماء والفنانين والمراجعين العلميين واللغويين والمحررين والرسامين وأحسن المطابع والمواد ورجال التوزيع والتسويق، وكذلك العرض فى المعارض والمكتبات.. هل تفضلون أن نرجع للقرون الغابرة فيقف المؤلف أو الشاعر أو الراوى أو المفكر فى ميدان عام يخاطب المارة.. فيستمع من يريد مجانا.. ويعطف عليه من يتفضل بكسرة خبز أو قطعة نقدية؟.. بذلك لا تكون هناك أى تكلفة ولا مراجعة ولا اختيار ولا تدقيق ولا تصويب ولا تحرير ولا رسم ولا إخراج.. وتصبح العملية كلها مباشرة من كل فرد يرى فى نفسه قدرة على الوصول إلى المتلقى فى الشارع دون أى وسيط!!

وبالمرة نلغى شركات الإنتاج السينمائى والمنتجين والمخرجين وكتّاب السيناريو وشركات التوزيع والعرض.. ويقف من يريد أن يمثل ليمثل ما يريد فى الطريق أى طريق!!.

• لكن كيف يمكن أن نعالج مسألة ارتفاع أسعار بعض الكتب والقضاء على إقبال البعض على النسخ المزورة فى آن واحد؟

ــ إذا كان لدينا مشاكل فى المجتمع مرتبطة بارتفاع أسعار ما ينتجه المبدعون، فعلى المجتمع حل هذه المشاكل، فى حالة نشر الكتب مثلا يجب أن نفرق بين حق القراءة وحق الاقتناء. الحق الأول تكفله الدولة عن طريق المكتبات العامة مثلها مثل المتبع فى العالم كله، الولايات المتحدة قبل 10 سنوات كانت تصرف 15 مليار دولار سنويا على إتاحة الكتب فى المكتبات العامة، وليس على أجور الموظفين فى المكتبات كما يحدث عندنا، واليابان تنفق 6 مليارات دولار فى نفس الغرض. كل دولة تخصص جزءا من الميزانية لإتاحة الكتب فى المكتبات العامة بخلاف المكتبات التى تنشئها مؤسسات المجتمع المدنى والأفراد.

وهنا أقول إنه يتعين على المكتبات العامة ــ من مكتبات «قصور الثقافة» بفروعها ودار الكتب المصرية ومكتبة الإسكندرية، ومكتبات الجامعات، و29 ألف مكتبة مدرسية على مستوى الجمهورية تشمل المدارس بجميع المراحل والنوعيات ــ توفير الكتب الجيدة لكل من يريد القراءة أو البحث أو الاستعارة.. مجانا، وهو ما يحدث بالفعل.

ويتعين على القائمين على هذه المكتبات إتاحة أعمال كبار العلماء والمفكرين والأدباء والمبدعين.. وكم يسعدنى أن يحيطنى ويحيطنا علما من يعلم ماذا اقتنت هذه المكتبات من نجيب محفوظ أو أحمد زويل أو توفيق الحكيم أو بهاء طاهر أو يوسف زيدان أو محمد حسنين هيكل أو فاروق جويدة أو يوسف إدريس أو أحمد شوقى أو حافظ إبراهيم أو نبيل العربى أو عمرو موسى أو أحمد مراد أو العقاد أو أحمد أمين أو زكى نجيب محمود أو عبدالوهاب المسيرى أو رضوى عاشور، وبقية المبدعين فى مصر والعالم العربى والعالم على اتساعه.

وبالنسبة لمن يقولون إن المكتبات قليلة فى الأقاليم أقول إن معظم الكتب الصادرة عن دار الشروق على سبيل المثال تصدر رقميا تباعا وبسعر أقل بكثير من سعر الطبعات الورقية، وهى متاحة، بالتالى هى متاحة لأى فرد فى أى مكان داخل مصر وخارجها.

• برأيك هل هناك جهود حثيثة تبذل فى سبيل حفظ حقوق الملكية الفكرية من التعدى عليها فى العالم العربى؟

ــ دعنى أتحدث عن العالم الثالث فى عمومه دون تحديد منطقة جغرافية بعينها، هناك بعض الحكومات فى هذا العالم غير جادة فى حفظ حقوق الملكية الفكرية؛ وذلك لأسباب عديدة منها – من وجهة نظرى ــ عدم إدراك هذه الحكومات لأهمية الملكية الفكرية، وكيف أن حفظها يشجع الابتكار والابداع الذى يصب فى خانة تقدم المجتمع بكامله، فالابتكار هو قاطرة التقدم لا جدال فى ذلك.

من الأسباب الأخرى أن بعض الحكومات ترى فى حفظ حقوق المؤلفين والمبدعين والمبتكرين سيعود عليهم بمكاسب مادية، تحقق فى نهاية المطاف قدرا من استقلالية الكاتب أو الأديب أو المفكر والمخترع، الأمر الذى من شأنه الحد من سيطرة الحكومات عليهم، فى الوقت الذى لا تريد هذه الحكومات لهم «الخروج من الحظيرة»؛ لذلك لا توجد جدية فى نشر ثقافة احترام حقوق الملكية الفكرية. إن هذه الحكومات يفوتها أن بناء الأوطان يأتى ببناء الإنسان لا بشراء الذمم.. لكنه العالم الثالث كما تعلم.

• قرأت لك تصريحا قبل عدة سنوات قلت فيه: إن صناعة النشر صناعة استراتيجية والضرر بها يضر بالمصلحة الوطنية.. كيف ذلك؟

ــ للجميع أن يعلم أن الكتاب المصرى من أهم وأقدم الصادرات المصرية وأوسعها انتشارا، فقد بدأ تصديره منذ منتصف القرن التاسع عشر، فوصل شرقا إلى إندونيسيا وغربا إلى المغرب العربى وإفريقيا.

وتعتبر صناعة نشر الكتب مع الصحف والمجلات والسينما والوسائط التى تحتوى على الأعمال الفنية من أهم الصناعات الاستراتيجية التى تدعم اسم ومكانة وسياسة وأمن وثقافة مصر وفكرها. كما أن هذه الصناعة تعتبر أداة ذات أثر بالغ وغير مباشر على الترويج لباقى الصادرات، مع تشجيع السياحة؛ الأمر الذى دفع معظم دول العالم إلى تقديم الدعم لصناعة النشر.

• ما هى أهم الإجراءات التى من شأتها مكافحة مافيا تزوير الكتب فى مصر والعالم العربى من وجهة نظرك؟

ــ سأروى عليك بعض الإجراءات التى أنادى بها منذ سنوات عديدة فى نقاط محددة، ويأتى على رأسها:

Comments

عاجل