المحتوى الرئيسى

أصوليات هذا الزمان الأصولية البوذية (42) | المصري اليوم

11/20 04:56

الأصولية البوذية مثلها مثل أى أصولية تدور حول البُعد الواحد المتمثل فى ماض دينى مثالى يتجاوز الأنسقة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية على تباين أنواعها بدعوى أنها لا تتسق مع ذلك الماضى المثالى. ومن هنا فإن هذا الماضى يرقى إلى مستوى المطلق. ومع ذلك فإن هذا المطلق لا يخلو من نكهة قومية. وفى هذا السياق يقال عن البوذية إنها «دين مدنى» مُعبِّر عن هوية ثقافية واجتماعية وفردية وداخل فى علاقة عضوية مع العنف بحثاً عن نظام بلا بديل، ومن ثم تصبح الهوية مقدسة ومطلقة. وإذا حدثت مقاومة لها فالفوضى هى النتيجة الحتمية.

مَنْ هو الممثل للأصولية البوذية؟

فى البوذية ثلاث مدارس: المدرسة الأولى اسمها بوذية ثيرافادا (أى: المؤسسون الأوائل) إثر موت بوذا عام 544 ق.م. والمدرسة الثانية اسمها ماهايانا (أى العربة الكبرى). والمدرسة الثالثة اسمها فاجرايانا (أى العربة الماسية). وجذور ثيرافادا كامنة فى هينايانا (أى العربة الصغرى)، وتزعم أنها المعبرة عن الأصولية البوذية، وقد انتشرت فى سريلانكا وتايلاند وميانمار (بورما سابقاً) بفضل الملك أشوكا فى القرن الثالث قبل الميلاد. كما تزعم أنها تتمثل تاريخ بوذا من حيث إنه المعلم العظيم فى مسار التنوير الذى يعنى الانتصار على الألم، والتدريب على تحمُّل العبودية الناتجة من حيوات لا نهاية لها على أمل الوصول إلى النقاء الأخلاقى وسكينة النفس والبصيرة النافذة فى الواقع المتغير. وكل ذلك من أجل الذوبان فى النرفانا (أى العدم) فى نهاية المطاف.

والجدير بالتنويه هنا أن هذه الرؤية الكونية لدى ثيرافادا واردة فى التراث الهندى فى القرن السادس قبل الميلاد، الذى يقال عنه إنه يمثل العصر المحورى فى تاريخ العالم، والذى يقع أيضاً فى القرن السادس قبل الميلاد. وقد سُمِّى كذلك لأنه العصر الذى يتميز بالتفرقة بين العالم الدنيوى المحكوم بالخبرات الحسية وعالم ما فوق الدنيوى المحكوم بالمعرفة الصوفية أو النعمة الإلهية.

وفى العصر الحديث واجهت الأصولية البوذية المتمثلة فى ثيرافادا تحدياً وارداً من ظاهرة الحداثة التى تعنى التنوير وما أفرزه من ثورة علمية وتكنولوجية فى القرن العشرين الأمر الذى استلزم تفسيراً جديداً للتدليل على صحة الثيرافادا، كما استلزم المشاركة فى الحركات القومية. وفى هذا السياق قيل عن الأصولية الهندية إنها تمثل عصر ما بعد الحداثة.

ماذا يعنى مصطلح ما بعد الحداثة؟

نُجيب بتحديد معنى الحداثة ثم نُثنِّى بتحديد معنى ما بعد الحداثة.

الحداثة تعنى الاعتقاد فى العلم والعلمانية والتقدم بلا حدود، أما ما بعد الحداثة فيعنى رفض إعمال العقل مع رفض التأويل. ولا أدلَّ على ذلك من بزوغ مدرسة فرانكفورت أو المسماة «المدرسة الاجتماعية الجديدة»، ومن أبرز ممثليها تيودور أدورنو وماكس هوركهمير فى كتابهما المعنون «ديالكتيك التنوير»، وفكرته المحورية أن التنوير أفرز الفاشية والنازية، ومن ثم فإنه يدمر ذاته. وإذا كان ذلك كذلك فمعنى ذلك أن عصر ما بعد الحداثة هو عصر الأصوليات الدينية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل