المحتوى الرئيسى

من العدد الورقي| نجلاء: والداي يقولان "سلاح البنت شهادتها" ورسالتي تسعى لتغيير نظرة المجتمع للمكفوفين | قنا البلد

11/18 17:30

الرئيسيه » بين الناس » من العدد الورقي| نجلاء: والداي يقولان “سلاح البنت شهادتها” ورسالتي تسعى لتغيير نظرة المجتمع للمكفوفين

تتطلب عرض الشرائح هذه للجافا سكريبت.

فقدت نور الدنيا في طفولتها وأنارت حياتها بالعلم

نجلاء: والداي يقولان “سلاح البنت شهادتها” ورسالتي تسعى لتغيير نظرة المجتمع للمكفوفين  

والدها: سعيد بوصولها لهذا المستوى الرفيع وأتمنى تعيينها في الجامعة بعد هذا العناء

المشرف على الرسالة: الباحثة طبقت نظرية التلقي الألمانية وعبرت بصدق عن أقرانها

أراضٍ زراعية شاسعة، تتدفق فيها ترع كالشرايين النابضة، تتناثر حولها منازل ريفية متباعدة  ذات ارتفاعات منخفضة، أجواء هادئة إلا من أصوات الماشية والطيور داخل تلك المنازل التي تحسبها خالية من شدة الهدوء بها، وإذا بصوت رضيعة يملأ نجع الفاوى ـ التابع لقرى خط الجبل بمركز قفط بقنا ـ بهجة ومرح، ويزهر بيت أحمد فرج حامد، عامل الحملة الميكانيكية بقدوم طفلته الأولى “نجلاء”.

ففي فناء منزلهم الصغير تجلس الأم تلاعبها وتحاكيها فرحًا بها، ولكن سرعان ما تحولت الفرحة إلى حزن بتعرض الرضيعة لحادث قبل أن تُكمل عامها الأول وتفقد نور إحدى عينيها قبل أن تتعرف على الحياة، لتُكمل حياتها إلى سن الرابعة بعين واحدة، ويشاء القدر أن تفقد عينها الثانية نتيجة خطأ طبي، وبهذا الخطأ ودعت نجلاء، نور الدنيا منذ أكثر من 22 عامًا.

ودعت نجلاء النور وألوان الحياة، وفتحت قلبها وعقلها لنور العلم وألوان التحدي والعزيمة، التي صنعت منها باحثة حاصلة على درجة الماجستير بكلية الآداب قسم لغة عربية، رحلة نجلاء من نجع الفاوى إلى كلية الآداب، لم تتمثل صعوبتها  في بُعد “خط الجبل” بمركز قفط عن عاصمة المحافظة بأكثر من 40 كيلو مترًا في طريق يخشاه الجميع وتندر به المواصلات حتى التكتاك الصغيرة، ولكن في معاناة طويلة عاشتها خلال مراحل التعليم المختلفة.

تحدا أهل نجلاء العادات والتقاليد الصعيدية القاسية، ورفض أهل قريتها لدخولها مدرسة النور للمكفوفين بمدينة قنا وإقامتها فيها على مدار الأسبوع وعودتها لمدة يوم إلى منزلها بصحبة والدها، لم تقف المواجهات التي خاضتها نجلاء عند هذا الحد بل عانت مع أسرتها وتحدت قسوة الظروف المعيشية الصعبة التي تعيشها أسرتها في منطقة نائية.

بفخر واعتزاز تقول نجلاء أحمد فرج “والدي يعمل ميكانيكي ورغم ذلك وقف بجانبي بكل جهده ولم يبخل عليَّ في يوم من الأيام سواء خلال دراستي العادية أو في الجامعة وآخرها الماجستير بنفقاته الباهظة التي لا تتحملها أسرتي البسيطة، أما والدتي التي لا تحمل من المؤهلات العلمية سوى الشهادة الابتدائية، فقد كانت من أهم العوامل التي ساعدتني في إكمال رسالة الماجستير، فكانت تقرأ الكتب والمراجع وتسهر معي حتى انتهيت من رسالة الماجستير التي حصلت عليها بتقدير ممتاز مع التوصية، وكانا دائمًا يرددان على مسامعي سلاح البنت شهادتها”.

أما قصة الإعاقة البصرية التي حدثت لها، فهي عانيت من آلام في العين وتوجهت مع والدها للأطباء حتى فقدت بصرها في السابعة من عمرى بسبب خطأ طبي، لكنها لم تستسلم وتغلبت على الصعوبات التي واجهتها وحصلت على الشهادات المختلفة، وكان لأهلها دور كبير في تقوية عزيمتها وتشجيعها لاستكمال تعليمها حتى تخرجت من الجامعة عام 2012 من كلية الآداب قسم لغة عربية، وحصلت على تمهيدي ماجستير عام 2013، ثم سجلت لنيل درجة الماجستير عام 2015 إلى أن حصلت عليها في الشهر الماضي.

وتستطرد نجلاء “بعد تخرجي كان لابد أن أقدم شيء لفاقدي البصر وأُغير من نظرة المجتمع إليهم، فقررت أن يكون عنوان رسالتي للماجستير “أثر كف البصر في المبدع والمتلقي.. دراسة تحليلية نقدية”، كف البصر يعني “العمى” وقصدت بالمبدع الذي يكتب النص الأدبي، فالكفيف يستطيع مواجهة أي عوائق أو مشكلات يتعرض لها، وقادر على إنجاز أي عمل يكلف به والدليل على ذلك النماذج التي ذكرتها في دراستي منهم “طه حسين – أبو العلاء المعرى – المغشى- عبدالله بن العباس بن عبدالمطلب – بشار بن برد- أبو الأسود النهشلي – إدريس بن النابولسي.. إلخ”، وأن أثبت أن الإعاقة ليست فقد حاسة من حواس الجسم لكنها إعاقة الفكر والإبداع، فهناك الكثير من المبدعين في مختلف المجالات كالأدب وغيره، كما أن فقد البصر كان له أثر إيجابي عليَّ شخصيًا في تحدي الصعوبات.

مثل الكثير من الأصحاء وقفت معوقات لا حصر لها في طريق نجلاء، من أبرزها الغربة وخاصة في المرحلة الابتدائية، وعدم تكيفها  في البداية مع البيئة والوضع الجديد، وتعلم طريقة برايل بعد أن كانت تُجيد القراءة والكتابة مثل المبصرين، إضافة لصعوبة الانتقال من السكن إلى الكلية وقاعات المحاضرات وهو ما يضطرها للاستعانة بصديقة، ووالدها الذي كان يضطر للتغيب عن عمله لتوصيلها إلى الجامعة وضغطه ماديًا لشراء ما تحتاجه من كتب ومراجع، أما التحدي الأكبر فقد كان في تحضير رسالة الماجستير، فقد واجهت صعوبات كثيرة في توفير المرجع العلمي والسفر للقاهرة لتصوير المراجع الهامة.

وتتمنى نجلاء، أن تحصل على وظيفة تعينها على مشوارها العلمي، لأنها تأمل في الحصول على درجة الدكتوراه من خارج الصعيد حتى تطلع على تقدم الأمم الأخرى، وأن تتغير النظرة النمطية من المجتمع للمكفوفين، كما تأمل من الباحثين أن يتناولون أدب الإعاقات الأخرى للتعرف على قدراتهم الأدبية.

أما رسالتها التي اختارت لها عنوان غير تقليدي حاولت من خلاله تغيير النظرة النمطية من المجتمع للأكفاء، فتكونت الرسالة من 4 فصول: رؤى الأكفاء وإحساس الفقد ـ نظرية التلقي- الأغراض الشعرية التي كانت لدى الأكفاء ـ بعض أعمال مكفوفي البصر بالتحليل والنقد ومنها المعذبون في الأرض وبعض الأشعار لأبي العلاء المعرى وبشار بن برد وقدرتهم على وصف الأشياء التي لم يروها، وانتهت بتقديم ملخص للرسالة باللغة العربية والإنجليزية.

وتناولت في رسالتها أثر كف البصر على فاقديه في الجوانب النفسية والفنية بشكل خاص وعلى أدبهم بشكل عام وأن لفاقدي البصر مواهب متعددة وقدرات فائقة لم تمنعهم الإعاقة البصرية عن الإبداع، بل كانت سببًا في إبداعهم، كما أن لفقد البصر تأثير سلبي واضح في رثاء بعض الشعراء لكف البصر ورغم ذلك ترك إنتاج أدبى رائع، وتأثير إيجابي تمثل في افتخار بعض الشعراء بفقد البصر، وأعلنوا تعويضهم عن ذلك  بفصاحة اللسان ونور القلب والذكاء.

وتمثلت أهم توصيات الرسالة في توعية المجتمع بكيفية التعامل مع الكفيف وعدم النظر إليه نظرة ازدراء أو شفقة أو إحسان، وتوعية المجتمع بالأسباب المؤدية إلى مختلف الإعاقات وكيفية التعامل معها وطرق الوقاية منها والكشف المبكر عنها إن حدثت ـ الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة تعليميًا وصحيًا وتربويًا- وبناء تصور مقترح لدور وسائل الإعلام في كيفية التعامل مع مشكلات المعاقين وطرق رعايتهم والحد من مشكلة الإعاقة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل