المحتوى الرئيسى

بالصور-"كاراتيه" فوق الأنقاض.. أحمد يُدرب أطفال حلب على حُب الحياة

11/18 16:55

حين جاوزت الساعة الثانية ظهرًا في مدينة الأتارب بريف حلب الغربي، وقف أحمد بدوي خلفه ستة أطفال يُعلمهم "الكاراتيه"، يتطلع إلى السماء الصافية، مُطمئنًا نفسه أن اليوم سيمر بسلام. دقائق وقطع القصف العنيف كل شيء؛ هرع المُدرب السوري بالتلاميذ إلى مكان آمن، قبل أن يعيدهم إلى منازلهم، ممتنًا أن شخصًا لم يُصب بأذى، راجيًا أن تظل القذائف غافلة عنه، كي يُورث الصغار الرياضة التي حصد بطولاتها لعدة سنوات.

بينما يعج العالم الافتراضي بمشاهد الدماء في سوريا التي خلفتها قصف الطائرات الحربية، انتشرت عدة صور لبدوي مع الأطفال، في التاسع من شهر نوفمبر الجاري، يدربهم على أنقاض إحدى المدارس، فيما يحيطهم الدمار من كل جانب.

"الأتارب" تلك المدينة الواقعة في الشمال، حالها كريف حلب الغربي بأكمله، حيث تسيطر الجماعات المسلحة عليها، فضلا عن سمائها الملبدة بالطائرات التابعة للنظام السوري، والتي أودت قذائفها بحياة 60 مدنيًا منذ عدة أيام.

بدأت علاقة بدوي بالكاراتيه حين كان عُمره 9 سنوات، ورغم ظروف منعته من الاستمرار في تعليمه الجامعي لكن تفوقه بتلك الرياضة وحصوله على الحزام الأسود ثم بطولة الجمهورية عدة مرات، دفعه لاستكمال التدريب في عدة أندية منها "اتحاد حلب".

في ديسمبر 2016، تم إجلاء حوالي 35 ألف مواطنًا من ريف حلب الشرقي، بعد تراجع المعارضة المسلحة التي سيطرت على المدينة أمام قوات الجيش السوري والروسي. مازالت أيام المدرب هُناك حية في ذاكرته. فيه أنجب أبنائه الثلاثة؛ محمد وليث ولين ذات الخمس سنوات، وهناك اُستبدلت مصطلحاتهم الطفولية بالحديث عن "ميعاد القصف الجاي أو نوع الطائرة اللي راح تضربنا"، وعلى أرضه تعلم بدوي الكاراتيه ولقّن ابنه الأكبر قوانين اللعبة.

يرى المدرب نفسه في محمد صاحب الـ12 عاما "هو ماشي بالبيت يعمل حركات الكاراتيه". صار الابن يتكلم عن قوانين اللعبة كأنه خبير "الظروف اللي ولاد حلب بيمروا بيها من سنين ليست آدمية.. يمكن يكون لهم في الكاراتيه مهرب"، يقول بدوي لمصراوي، فيما يحكي طفله عن لحظات التدريب المبهجة "بضل علّم أصحابي واخواتي الصغار بعض الحركات، بنقضي وقت لطيف"، قبل أن تُعاوده ذكريات حلب الشرقية "يا الله.. اشتقت كتير لأصحابي والنادي بتاعي هناك".

في الأيام الأخيرة قبل ترك حلب الشرقية ظل بدوي على عهده مع الأطفال، رغم قصف النادي الذي آوى التدريبات "كنا كل مرة بنأهله ونكمل تدريب أو بنتدرب على الأنقاض"، لكن المرة الأخيرة قصمت الظهور، إذ أصابت الصواريخ الحي الذي يضم المبنى "واضطرينا نبطل".

عام 2014، تأسست الهيئة الرياضية بسوريا لتضم 12 اتحادا رياضيا، وأربع لجان تنفيذية في محافظات درعا وريف دمشق وحلب. عن تلك الهيئة انبثق مشروع "الطفل الرياضي"، الذي يسعى لتدشين نشاطات رياضية في أماكن القصف والحصار، فيما ينبثق ما يفعله بدوي عن ذلك المشروع.

كان بدوي موظفًا في هيئة السكك الحديدية قبل النزوح لحلب الغربية "اضطريت استغنى عن العمل زي كتير غيري". لكنه لم يتنازل عن الكاراتيه، ظن أن الانتقال ربما يسمح له بتعليم الصغار بشكل أفضل، إلا أن القصف المستمر والأزمات المادية حاصرته "بس بنحاول عم نشتغل مع الأولاد بمجهود فردي.. هم يستحقوا"، لذا قرر ألا يعتمد برنامجه التدريبي على الشق الرياضي فقط "لازم نؤهل الأطفال نفسيا، اللي عم يشوفوه هون مش قليل".

عاش محمد نصف طفولته في أحضان القصف، مازالت أصوات الصواريخ تُفزعه رغم اعتياده عليها، أحيانًا يتمنى لو يعم الصمت مدينته "ساعات يكون بدّي أطلع أتفسح.. ألعب كاراتيه ولا كرة قدم مع رفقاتي"، يرسم ابن المدرب أحلامًا كبرى لا ترتبط بالرياضة فقط "لما أكبر لازم أطلع مهندس معماري.. يمكن أعمّر حلب".

لثلاث مرات أسبوعيًا يقطع بدوي حوالي 80 كيلو متر من منزله لمكان التدريب "الهدف استمرار مشروعنا حتى لو اتهدمت حياتنا، الأطفال عندهم حماس كبير"، لكن القصف كثيرًا ما يقطع نشاطهم في المنتصف، أو حتى قبل بدايته.

لا يُحدد بدوي سن معينة لتعليم الأطفال "ممكن نبدأ من 5 سنوات حتى 15 عاما"، لا فرق لديه بين الصبية والفتيات، إذ يُدرب ابنته لين ضمن الفريق، ويعاني أحيانًا لإقناع الآباء كي يسمحوا لأبنائهم بالتدريب في ظل ظروف أمنية سيئة "خاصة إنه ما في نادي معين بنقدر نتدرب فيه"، أما المشكلة الدائمة فتتلخص في عدم وجود دعم مادي لما يفعل.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل