المحتوى الرئيسى

أخيراً.. علماء للفتوى | المصري اليوم

11/18 04:06

الاتفاق الذى تم بين مشيخة الأزهر الشريف، ممثلاً فى الإمام الأكبر، والمجلس الأعلى للإعلام، ممثلاً فى رئيس المجلس، ربما جاء متأخراً جداً، إلا أنه حسم الكثير من الهرج والمرج الدائر الآن فى الشارع، ووضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بهذه الفوضى التى شهدها الإعلام فى السنوات الأخيرة، وبصفة خاصة برامج «التوك شو» الليل وآخره، التى اعتادت الاستعانة إما بمن تركوا الإسلام ويفتون باسم الإسلام، وإما بمهووسى الشهرة والفرقعة الإعلامية ممن كنا نعتبرهم علماء، وفى الحالتين كان من الطبيعى أن تكتظ ساحات المحاكم بالقضايا المتعلقة بهذا الشأن، وأن يكون مصير بعضهم السجون، ناهيك عن لعنات الدنيا والآخرة.

الغريب فى الأمر أنه قد أصبحت هناك برامج بعينها تحرص على استضافة هؤلاء وأولئك بصفة دورية، رغم الاشمئزاز والامتعاض الحاصل فى الشارع، إلا أنها بدت كمخطط عام بدأ بالهجوم على الإسلام كإسلام، ثم رأينا من يطالب بتعطيل نصوص قرآنية، ثم رأينا من يطعن فى السُّنة النبوية، انطلاقاً من صحيح البخارى، ثم تطور الأمر إلى الصحابة والتابعين، ثم رأينا من يشكك فى وجود المسجد الأقصى، ومن يتطاول على رموز تاريخية كصلاح الدين الأيوبى، إلى أن وصل الأمر إلى التطاول على إمام جليل بحجم فضيلة الشيخ محمد متولى الشعراوى، رحمه الله.

لم تأبه القنوات الفضائية لغضب الشارع مادامت العملية متعلقة بخطة منظمة، كما لم يأبه هؤلاء المتطاولون لردود الفعل، ماداموا قد حملوا على عاتقهم رسالة معينة حتى لو كانت مشبوهة، أو حتى لو كان قد تم كشف أمرهم، إلا أن الغريب هو أن يدخل على الخط عدد من خريجى الأزهر من أنصاف العلماء راحوا يشيعون فوضى الفتوى من خلال مسائل لا علاقة لها بالواقع، بدأت ذات يوم بإرضاع الكبير وحِل التدخين للصائم، مروراً بجماع الزوجة المتوفاة وعدم وقوع الطلاق الشفهى، وانتهاءً بالعبث فى نصوص المواريث وحِل نكاح البهائم!!، فى دلالة على أن عِقد الفتوى، كما الإعلام، كما المجتمع ككل، قد انفرط لأجل غير مسمى.

أعتقد أن تحديد ٥١ عالماً، قابلين للزيادة، من علماء الأزهر ولجنة الفتوى، بخلاف قائمة أخرى صدرت عن وزارة الأوقاف تضم العدد نفسه تقريباً، هو عدد كافٍ جداً للقيام بهذه المهمة على المستوى الإعلامى، على اعتبار أن دار الإفتاء تُمارس عملها بصفة يومية، كما يصدر عن مجمع البحوث الإسلامية، كما أئمة الأوقاف بالمساجد، وهو الأمر الذى يجب أن يُخرس إلى الأبد ألسنةَ هؤلاء الذين حملوا على عاتقهم، إما التشكيك فى الإسلام من خلال البحث فى الأسانيد الضعيفة، وإما البحث عن الشهرة من خلال طرح قضايا لا علاقة لها بالمجتمع من قريب أو بعيد، وإما النفاق والسير فى ركاب الأنظمة السياسية المتعاقبة حتى لو كان ذلك يصطدم بصحيح الدين.

قد لا يستطيع أحد مقدمى البرامج التليفزيونية استضافة غير الرياضيين للحديث فى الرياضة، وقد لا يستطيع أحدهم استضافة أحد من خارج منظومة الفن للحديث عن السينما أو الأغنية، وقد لا يستطيع أحدهم استضافة أحد من خارج أهل القانون للتحدث فى قضايا قانونية أو دستورية، إلا أن الأمر للأسف حين يتعلق بالدين أصبح مشاعاً لكل من هب ودب، بدعوى الاجتهاد والبحث، أو لأنه قرأ كتاباً هنا أو تم تجنيده هناك، مما جعل ظاهرة البعد عن الدين أو حتى الإلحاد قضية مجتمعية لم تكن مطروحة ذات يوم كما هى الآن، بما يؤكد أن هؤلاء قد نجحوا إلى حد كبير فى توصيل رسالتهم، ومع التضييق عليهم لجأوا حالياً إلى ما يُعرف بالصالونات الثقافية، لنشر رسائلهم وأهدافهم بعيداً عن الأنظار.

إذا كان هناك من يتحدث عن استهداف مصر، وإذا كان هناك من يرى مؤامرات على مصر، فإننا يجب أن نعى أنها ليست أبداً عسكرية أو تصادمية كما يعتقد البعض، هى مؤامرات فكرية فى المقام الأول والأخير، بهدف ضرب المجتمع فى أعز ما يملك، فى تراثه وثقافته ودينه وتاريخه، أحياناً تحت عنوان «تطوير الخطاب الدينى»، وأحياناً أخرى تحت عنوان «نشر الوسطية والاعتدال»، وأحياناً ثالثة تتخذ من المناهج الدراسية منطلقاً لتحقيق هذه الأهداف الخبيثة، وما أكثر وسائل الإعلام التى احتضنت هؤلاء للأسف!، الذين إذا حاسبنا أحدهم من خلال قانون الكسب غير المشروع، فسوف نكتشف أننا أمام فاجعة، وهو ما يؤكد تلك الريبة التى حذرنا منها سلفاً فى أكثر من مناسبة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل