المحتوى الرئيسى

بيروت «3».. مصر فى عقل «حزب الله»

11/17 20:50

فى حرب دعائية متكررة، تحاول بعض وسائل الإعلام، التى تقف خلفها كيانات معروفة، إحداث انشقاق فى الصف العربى، وضرب التحالف الاستراتيجى بين مصر ودول الخليج، عبر الإيحاء بوجود مواقف مصرية غير معلنة، تجاه بعض الملفات الدولية.

ورغم أن العلاقات بين مصر ودول الخليج راسخة، ولا سبيل للتأثير عليها باستنتاجات واهية، وأنباء مفبركة، وتكهنات لا أساس لها من الصحة، فإن هذه التقارير الإعلامية، تدعى بشكل شبه دورى، وجود تقارب سرى بين مصر وإيران، أو بين القاهرة والحوثيين، أو تحاول تحريف تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسى لتصب فى خانة «حزب الله»، للإيحاء بوجود خلاف مصرى سعودى حول هذه الملفات.

ويعرف الجميع أنه ليس هناك توافق بين الرؤية المصرية لمجريات الأمور، التى تعتمد على التفاهم السياسى، والحوار البناء، وجمع الفرقاء، والسيادة الوطنية، ودعم مؤسسات الدول الوطنية، وبين منهج «حزب الله»، كنتوء إجبارى مفروض بقوة السلاح على الفرقاء اللبنانيين. لكن يبدو أن الصيد فى الماء العكر هو هواية البعض، رغم تأكيد الرئيس فى تصريحه لشبكة «سى إن بى سى» الأمريكية، أن الموقف المصرى فى (أزمة استقالة رئيس الوزراء اللبنانى سعد الحريرى) يعتمد على مبدأ «دعم استقرار لبنان الدولة لا التنظيمات».

التنظيم فى «أرض النيل»: خلايا إرهابية.. شبكات تجسس.. واقتحام للسجون

تتحرك مصر فى التعامل مع «حزب الله» اللبنانى وفقا لعدد من الأسس والمبادئ التى أرستها القاهرة فى إدارة سياستها الخارجية، وذلك مع تورط الحزب أكثر من مرة فى تكوين شبكات وخلايا تجسسية تستهدف الإضرار بالمصالح المصرية.

ففى واقعة مثبتة، فى صيف ٢٠٠٦، كشفت تحقيقات النيابة العامة المصرية عن خلية تجسس بقيادة ضابط مخابرات إيرانى دخل إلى البلاد بجواز سفر عراقى مزور، لممارسة أعمال تخريبية فى مصر.

وفى نوفمبر ٢٠٠٨، تمكنت أجهزة الأمن المصرية من رصد وتفكيك ما يعرف إعلاميا باسم «خلية حزب الله»، وألقت القبض على ٢٦ شخصًا من أصل ٤٩ عنصرًا تم تحديد هويتهم، بينما تمكن بعضهم من الهروب للخارج عبر الحدود الشرقية، مثل محمد قبلان.

ووجهت لهذه العناصر الاتهامات بالتخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية ضد السفن التى تمر بقناة السويس، واستهداف السياح الأجانب، والمنشآت الحيوية، والانضمام لجماعة غير مشروعة، وحيازة مفرقعات، وتزوير أوراق رسمية.

ووجهت لهم النيابة العامة أيضًا الاتهام بحفر وتجهيز أنفاق على الحدود الشرقية للبلاد، والاتصال برعايا دولة أجنبية، واستخدام الأنفاق فى تهريب الأشخاص والأسلحة والمتفجرات من السودان إلى مصر، ومن القاهرة إلى خارجها.

وأثبتت التحقيقات تزوير عناصر الخلية جوازات السفر، لتمكين كوادر «حزب الله» من دخول الأراضى المصرية وارتكابهم جرائم عدة من بينها استهداف مواقع مصرية حيوية، بما فى ذلك مراقبة قناة السويس من بعض المواقع المطلة عليها بمدينة بورسعيد.

وقتها، وصف حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، الأحكام التى صدرت ضد هؤلاء فى أبريل ٢٠١٠، على خلفية انتمائهم للحزب، والتخطيط لتنفيذ هجمات إرهابية، بأنها «ظالمة وسياسية»، وتسببت تصريحاته وقتها فى استمرار التراشق بين وسائل الإعلام المصرية والإعلام التابع للحزب على مدار عدة شهور.

وتعود تفاصيل القضية إلى عام ٢٠٠٥، عندما وصل أحد عناصر «حزب الله» ويُدعى محمد يوسف منصور إلى مصر بجواز سفر لبنانى يحمل اسما وهميا، ومحاولته إنشاء شبكة داعمة للحزب فى مصر.

وفى مايو ٢٠٠٩، أكدت تقارير صحفية إلقاء القبض على ضابط مخابرات إيرانى، يدعى محمد علم الدين، مع ٣ آخرين، اعترفوا بتكليفهم من قبل الجنرال الإيرانى قاسم سليمانى بتكوين شبكة تجسس فى مصر.

وفى ديسمبر ٢٠١٣، وجهت النيابة العامة فى القاهرة الاتهام للرئيس المعزول محمد مرسى، بالتآمر مع جهات أجنبية، لتنفيذ عمليات إرهابية فى مصر، وأشارت التحقيقات الأولية إلى تورط مجموعات من «حزب الله»، وجاء بمذكرة النيابة أن هذا التنظيم اللبنانى المتشدد ساعد السجناء على الهروب من السجون المصرية، إبان ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١.

وحاليا، تنظر المحاكم المصرية عددًا من الدعاوى، التى تطالب بإدراج «حزب الله» وجناحه العسكرى وقياداته وأعضائه على لائحة المنظمات الإرهابية، وفقًا للقانون رقم ٨ لسنة ٢٠١٥، نظرا لارتكاب الجناح العسكرى للحزب أعمالًا معادية للدولة المصرية، كما هو ثابت بأوراق القضية رقم «٧٦٢٩٢٠٠٩ جنايات عابدين»، وتحقيقات نيابة أمن الدولة العليا.

وكثيرا ما تحدث الإعلام المصرى عن التحقيقات الخاصة بقضية اقتحام السجون المصرية أثناء ثورة يناير، التى كشفت عن تورط «حزب الله» فيها، مع الإشارة إلى اتفاق أبرم بين المتهمين فى القضية من قيادات الإخوان الإرهابية، والرئيس المعزول، وتكفيريين، وقيادات التنظيم الدولى الإخوانى، و«حزب الله» اللبنانى، وجهات أخرى.

واستهدفت العناصر المذكورة إحداث حالة من الفوضى، لإسقاط الدولة المصرية، ومؤسساتها، تنفيذًا لمخططهم، مع تدريب عناصر مسلحة من قبل «الحرس الثورى» الإيرانى، لارتكاب أعمال عدائية وعسكرية داخل البلاد، منها ضرب واقتحام السجون المصرية.

مواقف القاهرة تنفى «التقارب المزعوم».. ودلائل تثبت محاولات الحزب للتواصل

فى مقابلته مع شبكة «سى إن بى سى» الأمريكية، كشف الرئيس عبدالفتاح السيسى عن الموقف المصرى من الأزمة اللبنانية، وقال ردًا على سؤال بشأن ما إذا كانت مصر ستدرس اتخاذ إجراءات خاصة بها ضد «حزب الله»، استجابة للمطالبات السعودية الأخيرة- إن الموضوع لا يتعلق باتخاذ إجراءات من عدمه. وأضاف السيسى: «الاستقرار فى المنطقة هش، فى ضوء ما يحدث من اضطرابات فى العراق وسوريا وليبيا واليمن والصومال، وبالتالى نحن فى حاجة إلى المزيد من الاستقرار، وليس عدم الاستقرار»، مشددا على أن «المنطقة لا يمكن أن تتحمل المزيد من الاضطرابات».

هذه التصريحات نفت فى الوقت ذاته، ما روجته الأبواق الإعلامية الإسرائيلية والقطرية، منذ أقل من عامين، حول رصد مزعوم لما وصفته بتقارب ما بين مصر وإيران، و«حزب الله» بالتبعية، فى ظل سياسة إعلامية مغرضة تستهدف دائمًا التأثير سلبًا على العلاقات بين القاهرة والرياض، ولا تكاد تفوت أى فرصة لتحقيق هذا الهدف.

الأبواق الدعائية فى ذلك الوقت دللت على التقارب المزعوم بنبأ حضور وفد يمثل «حزب الله» إلى القاهرة، برئاسة القيادى حسن عز الدين، لتقديم واجب العزاء فى وفاة الكاتب الراحل الأستاذ محمد حسنين هيكل، بمسجد عمر مكرم، فى فبراير ٢٠١٦، وزعمت أن قيادى «حزب الله» اجتمع أثناء الزيارة مع مسئولين مصريين، وهو ما نفته وزارة الخارجية فى حينه. الطريف فى الأمر أن وسائل إعلام لبنانية نقلت فى أكثر من مناسبة عن مصادر مطلعة أن القاهرة رفضت استقبال قيادى «حزب الله» المذكور فى وقت سابق، فى أعقاب ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، التى وضعت نهاية حكم الإخوان. وبالتالى فليس لتلك الزيارة أى دلالة تذكر، ولم يحدث على إثرها أى تغير فى السياسة المصرية تجاه «حزب الله» على الإطلاق، نظرا لأن أعضاء الوفد حضروا للتعزية بصفتهم الشخصية، لا الرسمية، وإن كان من المحتمل أنهم استغلوا زيارتهم تلك للإيحاء، على خلاف الواقع، بوجود علاقة خاصة بين تنظيمهم المسلح والحكومة المصرية، والإيحاء بأن «حزب الله» قد أصبح بمثابة «دولة» مستقلة ترسل الوفود.

الموقف المصرى الثابت الذى أكدته تصريحات السيسى هو الاعتراف بحق المملكة العربية السعودية الكامل فى اتخاذ ما تراه مناسبًا من إجراءات لحماية شعبها وسلامة أراضيها ضد أى اعتداء خارجى، سواء من قبل إيران أو حلفائها.

ويبقى أن نشير إلى أن «حزب الله» اللبنانى الجنسية، الإيرانى الهوية، لم ولن يتغير بين عشية وضحاها، وإذا تغير، فإنما يتغير باتجاه حماية تحالفه مع إيران ضد السعودية، التى تعتبر أهم حلفاء مصر تاريخيًا، وبالتالى، فإنه من المضحك الاعتقاد بأن الرؤية المصريه تجاهه قد تطورت سلبًا أو إيجابًا بسبب حضور أشخاص لجنازة أو عزاء.

ومع الموقف الرسمى المصرى المعلن تجاه «حزب الله»، وتصنيفه منظمة إرهابية نظرا لتورطه فى عدد من العمليات المختلفة، من قبل «مجلس التعاون الخليجى»، والإدارة الأمريكية- فالسؤال الأقرب إلى المنطق والصواب هو: من الذى يسعى للتقارب مع الآخر؟

الإجابة المنطقية هى أن «حزب الله» اللبنانى يحاول التقرب لمصر، أو على الأقل الإيهام بذلك، رغبةً فى التمويه والمناورة، ودفع الاتهام الدائم له بتبعيته لطهران، والتسويق لنفسه كساعٍ للتقارب مع بعض الدول العربية، على رأسها مصر، وهو ما عبر عنه محمد عفيف، مسئول العلاقات الإعلامية بالحزب، أكثر من مرة.

ولعل ما يحمل الحزب على محاولة التقارب من مصر هو إدراكه ثبات وإخلاص الموقف المصرى تجاه الأزمات فى المنطقة، منها الأزمة السورية، فمصر لا تكل ولا تمل من دعمها أى مبادرة تستهدف إنهاء الاقتتال فى سوريا، عن طريق الحل السياسى، وتسوية الوضع، مع تأكيدها على أنها ضد التدخل العسكرى، سواء عربيًا أو دوليًا، لصالح الفصائل المسلحة.

كما رفضت مصر بشكل قاطع دعوات عربية وإقليمية ودولية للتدخل البرى لحسم المعركة ضد النظام السورى، وحرصت على تأكيد أن الشعب السورى هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة فى اختيار حاكمه، ورفضت استعانة كافة الأطراف السورية بقوات أجنبية، من بينها عناصر «حزب الله»، والمرتزقة الذين أتوا للأراضى السورية من كل حدب وصوب.

الاستقالة تضرب «جماعة نصر الله»

على الساحة اللبنانية، يبدو أن «حزب الله» وقع فى مأزق كبير بعد استقالة الحريرى، فرغم بذل الحزب جهودا مضنية طيلة السنوات الماضية، لتبرير وجوده على الساحة العالمية باعتباره منظمة «مقاومة» تقاتل من أجل تحرير الأرض المحتلة، فإنه اليوم يواجه هجوما أكثر شراسة، جراء مشاركته فى الحرب الأهلية السورية إلى جانب نظام الأسد.

وبدون وجود الفزاعة الإسرائيلية لتبرير احتفاظ الحزب بأسلحته، باعتبارها «مقاومة مشروعة»، فإنه سيفقد أى مبرر لوجوده، وتنكشف حقيقته كميليشيا مستقلة، تعمل خارج سيطرة الحكومة اللبنانية.

ويدرك «حزب الله» وإيران جيدًا أبعاد المأزق الذى فرضته استقالة الحريرى، وإن كانت إيران تزعم أن الاستقالة ما هى إلا مؤامرة سعودية أمريكية، لكن المضحك المبكى أن تشاهد على الشاشات الموالية لإيران من يؤكد أن سعد الحريرى «مختطف»، وفقًا لرواية «حزب الله» وطهران، ثم يعود بعدها بدقائق معدودة ليؤكد: «أنا لا أقول إنه مخطوف بنسبة ١٠٠٪!».

الروايات والمواقف المنتشرة على مواقع التواصل لا تستطيع إخفاء عمق مخاوف طهران من فقدان سيطرتها على لبنان، عقب استقالة سعد الحريرى، وتحلله من كافة الاتفاقات والتسويات المبرمة سابقًا مع «حزب الله»، نتيجة للمآزق العديدة التى وضع الحزب، الحريرى والدولة اللبنانية فيها، بسبب ممارساته.

وكانت أبرز هذه الأزمات عندما نجح «حزب الله» فى منع الحكومة اللبنانية من اتخاذ موقف إدانة، ضد الاعتداء على مبنى القنصلية السعودية فى إيران، الذى حدث فى يناير ٢٠١٦، إثر تشجيع النظام الإيرانى أنصاره على إضرام النيران فى أجزاء من القنصلية، وإنزال العلم السعودى من فوق مبناها.

ويندهش كل من يزور منزل الرئيس سعد الحريرى فى بيروت، ليس فقط بسبب مظاهر الثراء الواضح، والترتيبات الأمنية غير العادية، بل بسبب مظاهر الاحترام الشديد لذكرى والده الراحل رفيق الحريرى.

ففى الصالون حيث يتم استقبال الضيوف، يجلس سعد فى الكرسى الثانى، على أحد جانبى الردهة، بينما يظل الكرسى الأول فارغًا، وتعلوه صورة والده الراحل، مؤطرة بشريط أسود أنيق.

ويبدو أن تعامل الحريرى بصفة يومية مع «حزب الله» فى سياق إدارته للحكومة، رغم يقين الرجل بتورط عناصر الحزب فى قتل والده- كان يشكل له نوعًا من التعذيب، الذى ظل الرجل يعانى منه يوميًا.

صحيح أن حكومة الوحدة الوطنية التى استقال سعد الحريرى من رئاستها ساهمت فى توفير درجة ما من الاستقرار السياسى، لكنه ذلك النوع من الاستقرار الذى أتى مقابل تقديم تنازلات عديدة لصالح «حزب الله»، وبالتالى إيران، فالتسوية التى قبل الحريرى على أساسها منصب رئيس الوزراء، ألزمته بعدم المطالبة بنزع سلاح الحزب الطائفى، رغم وصفه بأنه سلاح غير شرعى.

ومؤخرًا كشفت مصادر لبنانية عن تفاصيل إحباط محاولة لاغتيال سعد الحريرى فى بيروت، قبل أيام قليلة من إعلان استقالته، وأوضحت المصادر أن المتورطين فى محاولة الاغتيال عطلوا أبراج المراقبة، أثناء تحرك موكب سعد الحريرى، وفقًا لما أذاعته فضائية «إكسترا نيوز».

لذا كان الحريرى محقًا، عندما أشار إلى أن تدخلات «حزب الله» تسبب للبنان مشكلات مع محيطه العربى، وأعرب عن خشيته من التعرض للاغتيال، ويبدو أن الحريرى رغم كل شىء، لم ينس حقيقة أن من قتلوا والده، هم من يحاولون قتله الآن.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل