المحتوى الرئيسى

الصبر بين العسر واليسر

11/17 08:22

القاهرة - الجمعة، 17 نوفمبر 2017 08:19 ص

الجمعة، 17 نوفمبر 2017 - 08:10 ص

ينتشر علي وسائل التواصلالاجتماعي مقطع فيديو رائعيجلس فيه الأب وابنه عليأريكة في حديقة المنزلوأمامهما شجرة يطير بينأغصانها عصفور وسرعان مايغير موقعه من غصن لآخر،فيسأل الأب ابنه ما هذا الذييجري ويقفز بين الأغصان،فيجيبه الابن:" عصفور" ويسكت..ثم يعيد الأب نفسالسؤال علي ابنه الذي يكررنفس الإجابة. فالعصفور لميتغير وهو  الذي لا يزال يقفزفي ثنايا الشجرة وحولها. وفيأخر مرة سأل فيها الأب نفسالسؤال، أجاب الابن وقد تملكهالغضب وحدة شديدة ظهرتعلي ملامح وجهه:"عصفور" مضيفا :"ألم أقل لك هذامرارا"..لم يحزن الأب الذي غادرمكانه لبرهة ليعود الي المشهدمرة أخري حاملا معه دفتريوميات، ليقرأ علي ابنهمذكراته وهو طفلا عندما سألهوالده نفس السؤال عنالعصفور نحو 20 مرة ولميغضب الأب وقتها بل شعربالفرح والسعادة وكأنهمايلعبان معا بل كان يحتضنهفي كل مرة يسأله فيها ويبتسمله. ينتهي مقطع الفيديو المعبرللغاية عن مدي صفة "الصبر" وفضلها علي الإنسانوالبشرية، فالأب صبر عليأسئلة ابنه، ليس هذا فقط بلفرح بها واعتبرها دعابة وردعيلها 20 مرة، فقد تحليبالصبر، بعكس الابن الذيغضب واحتد علي أبيه لمجردتكرار السؤال مرة أو مرتين. ينتهي المشهد بأسف ظاهر منالابن ليحضن أباه بعدما تعلمالدرس وأدرك تلك الفضيلة التييتحلي بها الأنبياء وهي"الصبر".

ربما بدأنا بتلك الحكاية لأننانراها صوت وصورة، فيمشاهد متحركة ومعبرة فينفس الوقت، ولكن هذا لا يمنعأن ديننا الحنيف حثنا عليالصبر لأنه من أكثر الفضائلعلي الإنسان، فالصبر مفتاحالجنة، واعتقد أن معظمناشاهد جملة "الصبر مفتاحالفرج" في الدراما المصرية،فهي جملة تعلق جدران المنازلويعتز بها المصريون جدا. وأمامنا حكمة أو مقولة بالغةعن الصبر قال الأمام علي بنأبي طالب رضي الله عنه:"سأصبر حتى يعجز الصبرعن صبري..سأصبر حتىينظر الرحمن فيأمري..سأصبر حتى يعلمالصبرأني صبرت على شئٍأمرّ من الصبر". هذه الحكمةالخالدة تنطبق علي  سيدناأيوب الذي أعطانا أروع الأمثلةفي الصبر علي البلاء والمرضوذهاب المال والولد. فالمولييختبر عباده بالصبر علي ماابتلاهم ليعلم من يصبر منهمممن لا يصبر، وليعلم المؤمنالحق من المنافق، وقد قالتعالى: (ولنبلونكم حتى نعلمالمجاهدين منكم والصابرينونبلو أخباركم) ]محمد:31[. وفي الحديث قوله صلى اللهعليه وسلم: (واعلم أن فيالصبر على ما تكره خيراكثيرا، وأن النصر مع الصبر،وأن الفرج مع الكرب، وأن معالعسر يسرا)، رواه الإمامأحمد.

وتحكي كتب التراث أن رجلاسأل  عنترة بن شداد ذات يومعن سر شجاعته وانتصارهعلي الرجال، فقال عنترة:" ضعإصبعك في فمي وخذ إصبعيفي فمك،  وعض كل واحد منهمالآخر، فصاح الرجل من شدة الألم ولم يصبر، فأخرج لهعنترة إصبعه". الحكاية لمتنته لأن الحكمة ستأتي فيكلمات قليلة قالها عنترة للرجلليجيبه علي سؤاله الأول:" بالصبر والاحتمال  غلبتالأبطال". فالمهم هنا أن الصبرلا يعني تحمل الصعاب فقط،ولكن أن يكون المرء علي ثقةبنتيجة ايجابية لصبره وأنالمولي عز وجل سيقف بجانبه،فالصبر أمل وحياة، ولكن نفادههو اليأس بعينه وقصر النظرالذي يؤدي الي نتائج لا تحمدعقباها، فالصابرون يدركونجيدا أن البدر يأتي بعد الهلال،و الفجر أت بعد ظلمة الليل،وهذا هو الصبر أن نتحمل ماابتلانا الله به مع ادراكنا أنالرحمة آتية في الطريق،فالمرض يأتي معه الشفاء. وربما كان الصبر أكثر من هذا،فهو يعني قبولنا لابتلاءاتناوما نمر به من صعاب بهدوء،وأن ننتظر فك الكرب بأكثر منوسيلة، وربما كانت تلكالوسيلة بعيدة تماما عما فكرنافيه.

الطريف في الصبر، أن هذهالصفة ليست واحدة لدي الرجلوالمرأة، فالسيدات يتفوقن فيها،إذ أظهرت دراسة لجامعةستانفورد الأمريكية شملت 72 ألف مريض، أن النساء يتحملنحدة الألم أكثر من الرجال، وأنجسم الإنسان، يمكنه تحملالألم بشكل تدريجي حتىيتأقلم معه مع مرور الزمن،ولكن لدي السيدات قدرة كبيرةعلى التحمل في هذا المجالبسبب خبرتهن الطويلة، خاصةما يتعرضن له من ألم على مدارالسنة من الدورة الشهريةوالحمل والولادة. كما أكدتدراسة أخري لجامعة تشيكية،أن النساء يتحملن الألم بصورةطبيعية بشكل أفضل منالرجال عن طريق الاستعدادالنفسي، بينما يحاول الرجالالتخلص منه بشكل علاجيودوائي، خاصة أن العاملالنفسي له دور أساسي فيتحمل الألم، حيث يتحول  إلىتكوين مواد داخل الجسمتساعد على تخفيفه ولا تقضيعليه تماما. وإذا كانت المقارنةلمصلحة المرأة في تحمل الألموالأكثر قدرة علي الصبر، فكبارالسن يتميزون بالصبر أكثر منفئة الشباب ومتوسطي العمر،كما يتسامحون مع الألم نفسياويتحملونه أكثر لإعتقادهم أنالأمر طبيعي مع التقدم بالعمر،ولكن في هذا تتفوق المرأةأيضا عن الرجل المسن نظرا لخبراتها الطويلة في القدرةعلي تحمل مسؤوليات تفوقالرجال.

نعلم أن الحياة ليست سهلة ولاتسير علي وتيرة واحدة، فهيبين العسر واليسر، ويتعرضالإنسان فيها لصعاب كثيرة،ولكن ثمة حل وحيد للتغلبعلي تلك الصعاب والمحنوالابتلاءات، وهو التحليبالصبر، ويحتسب الأجر عندالله عز وجل، فعدم الصبريضيع الأجر ويزيد الأزمات. فالصبر ليس صفة فقط وإنمافضيلة أمرنا بها الله عز وجل،وحثنا عليها رسول الله صليالله عليه وسلم. كما ان الصبرهو خلق وصفة الأنبياءوالمرسلين، فكلهم كابدوا المشقةوعانوا من الإيذاء والألم، ولكنمع صبرهم كافأهم المولي عزوجل  بالفرج. ويقول اللهسبحانه وتعالى : ( إنما يوفىالصابرون أجرهم بغير حساب) ]الزمر[. ولدينا قصة رائعةفي الصبر وهي ما كابده سيدنا يعقوب عليه السلام منألم فراق ولديه، فقد ضرب أروعالأمثلة في الصبر وتحمل الألمحتي فقد بصره من كثرة البكاءعلي فقدانه ابنه يوسف ثمبنيامين، ولكنه لم يفقد الأملمن رحمة  الله. وهو الذي قاللأبنائه بعد سنوات طويلة منالحزن وتحمل المعاناة :          (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْيُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْرَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِاللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف:87].. ولدينا في قرآننا العظيمآية تبعث علي الفرح برحمة الله: (وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَايَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُالْكَافِرُونَ).

والصبر يعني النصر والمدد، إذوعد الله سبحانه وتعاليالصابرين بالنصر والمدد، قالتعالى: ﴿بَلَى إِنْ تَصْبِرُواوَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَايُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَالْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ [آل عمران:125]، فإذا مر الإنسان بأشواكليس أمامه سوي السير فيطريق الصبر، لأنه يحمل أملا لاينتهي، ونكمل به رحلة الحياةمهما كان بها من أحجارواحباطات وابتلاءات،  ومهماكان الواقع مرا فالغد يأتيبخيره وأمله والسعادة،فالصبر أول طريق النجاحويحفظنا من السقوط فيالهاوية لأنه يخلق القدرة عليالتحدي بداخلنا والإصرار عليمواجهة واقعنا مهما تكاثرتهمومه، فالأعمال العظيمة تتمبالصبر وليس القوة. والقوة لاتصنع إنسان، فإذا افترضناشخصا غنيا وميسور الحالولكن مر بأزمة عابرة أو مرضعضال، فما الذي ينجيه ويصلبه الي طريق الشفاء؟..أنهالصبر وليس القوة والغني فيهذه الحالة، فالصبر من شيمالعظام، وكان قديما من شيموصفات الرسل والأنبياء.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل