المحتوى الرئيسى

هل قتل "الكوميكس" النكتة في مصر؟ - صوت الأمة

11/16 23:34

"سمعت آخر نكنة".. هو السؤال الأشهر بين المصريين للكشف عن أخر إبداعاتهم في التعبير عن تفاصيل الحياة اليومية من خلال النكات والتعبيرات الساخرة .

المصريون لا يكفون عن إطلاق "النكات" والتعبيرات الساخرة في كل الأحوال،  فهو الشعب الوحيد الذي يهرب من أزماته وهمومه من خلال عبارة موجزة تبعث البهجة وتثير الضحكات لذلك أطلق عليهم " شعب ابن نكته"

وعلى الرغم من الشهرة التي يمتع بها المصريين في إطلاق النكات إلا أن مؤخرا أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي منافس قوى في ذلك المجال في ظل  تدشين عشرات الصفحات التي تضم عشرات النكات المصورة  والجمل التي باتت متداولة بين المصريين.

لذلك يتم ثار التساؤل هل اختفت النكتة المصرية بشكلها التقليدي  أم تطورت في ظل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي ؟

الدكتور أحمد مجدى أستاذ علم الاجتماع السياسي،  قال إن السخرية جزء أصيل من روح المصريين فهو طابع ومكون رئيسي لسماتهم الشخصية التي يتميزون بها عن سائر شعوب العالم، فارتباط المصريين بالنكتة قد يرجع  إلى معاناته الاقتصادية  في الأزمات الاقتصادية وارتفاع الأسعار فضلاً عن علاقاته المتأرجحة مع السلطة الحاكمة.

وأوضح مجدي أن انتشار صفحات " الكوميكس"، على مواقع التواصل الاجتماعي لا تعني اختفاء " النكتة" التي كان يتم ابتداعها وإطلاقها  بطريقة عفوية في جلسات الأصدقاء، بل يمكن القول إنه تطوير.

شكل الهاجس من التعرض للعقوبات أو الملاحقات الأمنية حيزا كبيرا من تفكير المصريين، لذا تم التخلي عن اطلاق النكات بشكلها التقليدي المباشر، وأصبح التحول على تدشين صفحات على مواقع التواصل الإجتماعي التي لا تحمل أي اسماء يمكن تعقب مصدرها البديل الأمن  لممارسة العادة المصرية الاصيلة وهي السخرية والنقد من خلال الكوميديا.

على الرغم من أن النكات ظلت حاضرة عند المصريين في كل الظروف سواء كانت الأزمات السياسية أو الاقتصادية، إلا  البحث عن " لقمة العيش"، وتوفير متطلبات الحياة أصبح هو الهم الأول لقطاع عريض من المصريين خاصة في ظل الحديث عن ارتفاع الاسعار، لذلك لم يعد هناك مجال كبير للبحث عن " نكته" التي تم الاستيعاض عنها من خلال صفحات الفيس بوك " الكوميكس".

أوضح استاذ علم الأجتماع السياسى بجامعة القاهرة أن التطور الكبير الذي لحق بمجال الاتصالات وخاصة مواقع التواصل الأجتماعي وانتشارها بين عدد كبير من الشباب انعكس بشكل كبير على روح الدعابة والسخرية التي يتمتع بها المصريين حيث تطورت النكتة من شكلها التقليدية من مجرد" قول تلقائى"، إلى صورة وجملة او استدعاء مشهد من احد الأعمال الدرامية وتطويعها في شكل كوميدي ساخر كما يتم مشاهدته على مواقع التواصل الأجتماعي.

وقالت الدكتورة سوسن الفايد استاذ علم الإجتماع السياسى بجامعة القاهرة : ارتباط المصريين " بالنكتة" بشكل وثيق حزء من سماتهم الشخصية على مر العصور ويتم توراثها بين الأجيال المختلفة ، حيث برع المصريين في اطلاقها بأنواعها المختلفة السياسية والأجتماعية والاقتصادية كما تم استخدامها في اوقات كثيرة للسخرية من الحكام المستبدين ، فالمصري كان يلجأ على سلاح النكته واشهاره في وجه السلطة المستبده.

وأكدت الفايد، أن تدشين صفحات " كوميكس"، على صفحات التواصل الإجتماعي تطور طبيعي لشكل النكته عند المصريين ويمثل دليلة على ابداع المصريين في تطويع التكنولوجيا واستخدامها في  تطوير شكل النكتة.

ارتباط المصريين بالنكات لا يعتبر من السمات الشخصية فقط بل يمكن النظر له أنه وصل إلى مرحلة التقديس عند المصري القديم وسر نشأة الحياة.

فوفقا للمعتقدات المصرية القديمة فالعالم خُلق من الضحك، فحين أراد الإله أن يخلق الدنيا أطلق ضحكة قوية فظهرت السماوات السبع، وضحكة أخرى فكان النور، والثالثة أوجدت الماء للأرض، إلى أن وصلنا إلى الأخيرة حيث خلق الروح.

وفي قول آخر "كما أن نهر النيل يسقي حقول المرح، وينبت أشجار النكت" بجانب انه كان للنكتة معبود والهه عن المصريين يحظي بكثير من الأحترام اطلق عليه الاله " بس"، إله الضحك والمرح عند المصريين القدماء وهو يتكون  على شكل  قزم منتفخ الوجنتين له ذقن متدلي، وترتسم على وجهه علامات الغضب لتثير الرعب فى نفوس الأشرار.

"مش نكتة بس".. وكاريكاتير فرعوني

لم  تكن الحضارة المصرية القديمة صاحبة الفضل في ظهور أول النكات فقط بل كانت صاحبة السبق في ظهور أول كاريكاتير، كما تؤكد النقوش على المعابد المصرية.

وأوضح الدكتور زاهي حواس عالم المصريات الشهير، أن المعابد والجداريات المصرية تحظي بكثير من النقوش التي تعتبر أول كركاتير  مصورة في التاريخ ومن أطرف هذه الأعمال  منظر يعود إلى عصر الاضمحلال الثالث، ويصور مجموعة من الفئران القوية الفتية وقد كونت جيشا يهاجم حصنا منيعا للقطط، يرميها بالسهام ويحطم الحصن بالدروع والبلط، بل إنهم أحضروا سلماً للصعود عليه ودخول الحصن، وذلك تحت قيادة زعيمهم المغوار، وهو فأر كبير يركب عربة حربية يجرها "كلبان "، بينما القطط داخل الحصن مذعورة لا تعرف كيف تصد هجوم هذا الجيش

كما كشفت نتائج دراسة أجرتها جامعة ولويرامبتون البريطانية، أن "النكتة" ارتبطت بالحضارة المصرية القديمة والحضارة السامرية في العراق،  حيث إن الفراعنة فى مصر والسومريين فى جنوب العراق أول من استخدموا النكتة وروح الدعابة والفكاهة، للتخفيف من حدة ما يواجهونه من مصاعب ومتاعب، خاصة ما يتكبدونه من معاناة من قبل أكبر سلطتين وهما الزوجة والحاكم

ونقلت صحيفة "ليبراسون" الفرنسية عن هذه الدراسة، أن أقدم نكتة ألقاها إنسان على وجه الأرض تعود إلى 3900 عام، عندما استخدم السومريون الذين كانوا يستوطنون جنوب العراق الحالى النكتة، للتعبير عما يعانونه من متاعب من زوجاتهم "النكديات"".

وتقول النكتة السامرية، إذا ما اعتبرت نكته بالمعايير المتعارف عليها اليوم، إن الشىء الذى لم يحدث من قبل فى تاريخ البشرية، هو أن تبادر امرأة بالجلوس على ركبة زوجها وتلف يدها حول عنقه دون أن يكون هذا الدلال منزه عن الأغراض.

أما أقدم نكته فرعونية، فتعود إلى العام 1600 قبل الميلاد، وهى نكته محفورة على المعابد المصرية القديمة وبالتحديد فى عصر الملك سنفرو، وتقول النكتة الفرعونية، إذا أردت أن تسلى الفرعون العظيم سنفرو وتخفف عنه همومه فعليك بدفع مركب فى مياه النيل على متنها أجمل فتيات مصر، على أن تستبدل تلك الحسناوات ملابسهن بشباك للصيد، ثم تطلب من الفرعون الذهاب لصيد الأسماك فى النيل بدون شبكة صيد لينتقى الشباك التى تروق له.

وأشار أستاذ علم التاريخ بجامعة وولويرامبتون الدكتور بول ماكدونالد الذى نجح من خلال هذه الدراسة فى جمع أقدم 10 "نكت" فى التاريخ، إلى أن النكتة كانت تتغير بتغير الأزمنة والقرون، فتارة تأخذ شكل فزورة أو لغز وتارة أخرى تأخذ شكل الفكاهة والدعابة. لافتاً إلى أن الغرض من التنكيت منذ فجر التاريخ، هو تناول موضوعات محظور الاقتراب منها بروح من الدعابة، للتملص من الوقوع تحت طائلة القانون من أكبر مهددى أى رحل منذ فجر التاريخ وهما الزوجة والحاكم.

نرشح لك

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل