المحتوى الرئيسى

القانون في خدمة من.. ضرورة التشريع المجتمعي | المصري اليوم

11/16 07:31

في البداية لابد أن أنسب الفضل لأهله، وذلك بخصوص العنوان المختار للمقال، لكونه عنوانا لكتاب قام بترجمته الأستاذ الدكتور/ محمد نور فرحات، ويدور ذلك المؤلف في فلك فكرة عبقرية جوهرها أن صناعة القوانين في أي مجتمع لابد وأن يكون مبناها الأساسي وهدفها الرئيسي هو تنظيم احتياجات المجتمع، ولكنه في المجتمعات الشرقية والعربية على وجه الخصوص تتم صناعة القوانين انحيازاً إلى ما تبغاه السلطة الحاكمة، مستخدمة في ذلك سيطرتها على صُناع القوانين «المجالس التشريعية» عن طريق الاستحواذ على الأغلبية العددية لتلك المجالس النيابية، ومن ثم تستطيع أن تمرر ما تشاء من قوانين قد لا تتماشى واحتياجات المجتمع، أو قد لا تكون ذات ضرورة للمواطنين في وقتها الآني، وإنما تأتي هذه التشريعات تعبيرا وانحيازا إلى رغبة السلطة في المنح أو المنع، وهذا ما يُعد قريبا من المعاني التي عبرت عنها المحكمة الدستورية العليا المصرية في عصرها الذهبي، وذلك في العديد من الأحكام المنتهية بالقضاء بعدم دستورية نص ما هنا أو هناك، تحت مسمى فقهي دستوري وهو «الانحراف بالسلطة التشريعية» وهو ما يعني في مجمله أن تلك الصناعات القانونية أو الصياغات التشريعية لم تكن تبتغي الصالح العام.

وقد سبق أن تحدثت في العديد من المقالات عن صناعة القانون في مصر، وناقشت العديد من التشريعات التي أقرها مجلس النواب المصري الحالي منذ بداية دورته التشريعية الأولى وإقراره لكل ما صدر من قرارات بقوانين من جانب السلطة التنفيذية، متمثلة في شخص رئيس الدولة في غيبة مجلس النواب دونما تفعيل حقيقي للاشتراطات الدستورية اللازمة لتمرير تلك القرارات بقوانين، وأهمها مناقشة تلك القرارات بقوانين مناقشة حقيقية قبل إقرارها، وهو الشرط الذي لم يتحقق، ولم يفلت من مجموعة القرارات بقوانين على كثرتها سوى القرار بقانون الخاص بالخدمة المدنية، حيث كان هو الوحيد الذي تم رفضه، ولكن كان ذلك بشكل مؤقت حيث تمت إعادته والموافقة عليه من ذات أعضاء مجلس النواب في الدورة التشريعية الثانية.

وخلال الوقت الحالي، ومجلس النواب منعقد في دورته التشريعية الثالثة يُعرض عليه ثلاثة مشروعات بقوانين، أولها مشروع قانون «حرية تداول المعلومات»، والثاني وهو الخاص بتجريم إهانة الرموز التاريخية، وثالثهم هو القانون الخاص بالكيانات النقابية العمالية، وإن كنت على يقين من أن مجلس النواب سوف يمرر هذه القوانين خلال الأيام القادمة، إلا أنني معني بلفت النظر إلى بعض الملاحظات عليها، ففي مشروع القانون الأول والخاص بقانون حرية تداول المعلومات، ولا يخفى على أحد أهمية تداول المعلومات بشفافية على كل السياقات والأصعدة، سواء كان الأمر متعلقا بحرية البحث العلمي، أو بالتداول المعني بالاستثمارات، وفي السابق كانت المدونة التشريعية المصرية لا تسير إلا في سياق الحجب وعدم الإتاحة، ولم تكن تسمح إلا بالقدر اليسير من المعلومات، وذلك على الرغم من انضمام الدولة المصرية للعديد من الاتفاقيات الدولية المعنية بحرية تداول المعلومات، وأهم ما يعيب ذلك المشروع هو المدة الزمنية الطويلة الخاصة بالتظلم من الامتناع عن عدم تقديم الخدمة المعلوماتية، وهي مدة خمسة عشر يوما، تليها مدة خمسة عشر يوما أخرى لازمة للجوء إلى القضاء في حالة رفض التظلم أو عدم البت فيه بقرار، إذ يعد مرور كل هذا الوقت إضافة إلى الوقت اللازم للفصل في الدعوى القضائية ما يتعارض مع أهمية الحصول على المعلومة بشكل وقتي أو خلال مدى زمني محدود، خصوصا إذا ما تعلق الأمر بمعلومات أو تدقيقات اقتصادية يشكل مرور الوقت ما بين الظلم والتقاضي، حتى ولو تم الحكم لصالح المتظلم قتلا لحقه في الحصول على المعلومة لكونها من المتغيرات التي لا تستقر على وضع دائما وأبدا.

أما عن القانون الثاني والخاص بإهانة الرموز التاريخية، فقد غاب عنه في مقامه الرئيسي تعريفا مدققا لماهية «الرموز التاريخية» المقصودة من هذا القانون بشكل يتفق واللغة القانونية المتطلبة حين التشريع، خصوصا إذا ما تعلق الأمر بتجريم وعقاب، هذا إضافة إلى وجود العديد من النصوص القانونية الموجودة بالفعل مثل تلك التي تعاقب على جريمة السب والقذف عن طريق النشر، وغيرها المتعلق بتجريم إهانة رئيس الدولة ورؤساء البعثات الدبلوماسية وممثلي الدول الأجنبية، وليس ذلك فقط وإنما يعيبه أيضا الزيادة المفرطة في حدود الغرامة الوارد النص عليها، علاوة على عقوبة الحبس، وكالعادة يغيب عن المشرع المصري ما طال أمر العقوبات من تطورات عالمية بالغة الأهمية، تغير بالمصاحبة لها مفهوم العقوبات السالبة للحرية وذلك بالاستعاضة بأفكار اجتماعية أكثر تطورا وملائمة مع الحياة الحديثة مثل الإلزام بعمل معين، أو الإقامة في مكان معين.

أما عن القانون الثالث والخاص بالنقابات العمالية، والذي جاء مخالفا لمفهوم الحق في التنظيم بحسبه أحد الحقوق العامة الأساسية، فلم يراع هذا المشروع حرية الأفراد في الانضمام غلى النقابة، وتحديد أعداد كل نقابة، كما جاء مخالفا للاتفاقية الدولية لحماية حقوق العمال المهاجرين في منعه غير المصريين من الانضمام إلى النقابات، وكذلك مخالفته للدستور المصري الذي ألزم الدولة باحترام الاتفاقيات الدولية التي تنضم إليها، وغير ذلك من العيوب التي تقتضي مناقشات مجتمعية واسعة قبل العرض على مجلس النواب.

ومن هنا، هل سيبقى مجلس النواب المصري أداة طيعة في يد السلطة التنفيذية تأتمر بأوامره وتنتهي بنواهيه، ولا حول له ولا قوة إلا في السياق المعد له سلفا، إذ على الرغم من كون الفكرة النظرية الأساسية في تكوين المجالس النيابية، وهو ما يحققه الواقع لا تقوم إلا على أساس وحيد هو كون هذه المجالس تعد ممثلة لجموع الشعب، وممثلة له عن طريق نيابته للمواطنين بواسطة الانتخابات البرلمانية، التي تمثل رابطة العقد بين النواب وأفراد الشعب، بموجبها يجب على البرلمانيين أن لا يحيدوا عن تحقيق مصالح الشعب فقط وتفعيل دورهم الحقيقي والمتمثل في التشريع أولاً ثم الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، وهو الأمر الذي يحقق المعنى الدستوري في وجود مجلس النواب.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل