المحتوى الرئيسى

«الألِفُ» الزائدة.. عند فرسانِ الرحمة | المصري اليوم

11/16 03:36

عنوانُ المقال قد يثيرُ سؤالًا فى ذهن القارى. لماذا لم أستخدم تراكيب لغوية شهيرة مثل: (ملائكة الرحمة- رُسُل الرحمة)؟، والإجابة: ليس فقط لأننى لا أحب استخدام الكليشيهات الشهيرة المُستهلَكة، بل لأن كلمتى: ملائكة ورُسل لا تخدمان فكرةَ المقال، فـ«الملائكية» تحمل معنى «الفرض» لا الاختيار. الملائكةُ مجبولون على الخير، كما أخبرنا الموروث، فليست لهم حريةُ «اختيار»: الخير أو الشر، الرحمة أو القسوة، مثلما نحن البشر. هم جنود السماء يسمعون فيطيعون. كذلك «الرسولية» تحملُ معنى «التكليف»، لا الاختيار. تعلمنا من الموروث أنه لا رسولَ قد اختار أن يكون رسولاً، إنما اصطفته السماءُ من بين بنى الإنسان، لكى يقدّم الرسالة التى «كُلِّف» بحملها، فالتزم بها.

«الفرض» و«التكليف» يحملان معنى: «الجبر» و«الإلزام»، وليس هذا طرح مقالى. اخترتُ «فرسان»، لأنها الأنسب، فالفروسية «قرارٌ» و«اختيار» من موقع القوة. يختارُ المرءُ أن يكون فارسًا، فلا يصنع الجمال من باب «الفرض»، أو «التكليف»، بل بمنطق الاختيار: «وهديناه النجدين»، والاختيارُ قوةٌ. تُضاف إليها قوى أخرى مثل الحكمة والبسالة والشهامة، وغيرها من صفات «الفارس».

بعد هذه الاستهلالة، أبدأ المقال.

إنه حرفُ «الألف» الزائد فى خطاب الفرسان. ولهذا قصة. فى جروب يجمعنا، نحن بعض مثقفى مصر من فنانين وأدباء وأطباء وموسيقيين وسياسيين، نجتمع دوريًّا فى مكان ما. بعضنا يعتذر عن اللقاء لدواعى السفر، أو للمرض، أو غيرهما من أعذار. لكن الطبيب «هشام الخياط» كتب عذرًا عجيبًا ظللتُ أتأمل حروفَه طويلا. كتب يقول: «أعتذر عن حضور اللقاء لظروف مرضاى. وإن شاء الله أكون معكم فى اللقاءات القادمة».

ما هذا؟!، لم يقل الطبيبُ: «لظروف مرضى»، بل لظروف «مرضاى»!، عذرٌ يخصُّ «الآخر»!، وحين نغيب لظرف «امتحانات أولادنا، أو مرضهم»، لا يكون أطفالُنا: «آخرَ»، بل هم جزءٌ منّا، وبالتالى فهو ظرفُنا نحن. لكن «مرضَى» الطبيب «آخر» بالنسبة له. قد يتغيب عنهم إن كانت حالتهم مستقرة، ولكن فى الحالات الحرجة، ينسى الطبيبُ أصدقاءه ويغيب عنهم من أجل «الآخر المريض».

أعجبنى العُذرُ، فكتبتُ فى الجروب ردًّا على عذره: نحن يا دكتور هشام نقول: «أعتذرُ عن الحضور لظروف (مرضى). وأنتم فرسان الرحمة تقولون: لظروف (مرضاى). فى تلك (الألف) النحيلة: الزائدة فى عذركم والناقصة فى عذرنا، يكمن الفارقُ بين الَأثَرَة والإيثار. طوبى لكم». الأثرة: حب الذات. والإيثار: حب الآخر.

الطبيبُ الذى يعالجُ مرضاه من منطلق الالتزام أو الواجب يختلفُ عن الطبيب الذى يعالج مرضاه من منطلق الحبّ والرحمة وكراهة أن يتألم إنسانٌ. الأول طبيبٌ، والثانى هو «الفارس».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل