المحتوى الرئيسى

بسبب «التأمين الصحي».. هل تضيِّع الحكومة أموال المعاشات مجددًا؟

11/15 22:15

بعد أيام من عرض النسخة الأخيرة من مشروع قانون التأمين الصحي الاجتماعي الشامل أمام لجنة الشئون الصحية بمجلس النواب، الذي وافقت الحكومة عليه، برزت تساؤلات عدة حول ارتفاع نسب المساهمات للمنتفعين من النظام التأميني الجديد، وتزايد الاشتراكات للأفراد، وصولًا إلى مسألة الرقابة على أموال واستثمارات هيئة التأمين الجديدة.

تنص المادة 18 من الدستورالمصري على أن "لكل مواطن الحق فى الصحة وفى الرعاية الصحية المتكاملة وفقا لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التى تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافى العادل".

فلسفة التأمين الصحي الاجتماعي الشامل تقوم على تحقيق التكافل الاجتماعي بين المرضى والأصحاء وبين فئات الأعمار المختلفة فى المجتمع، وأساسه هو دفع اشتراكات منتظمة تمثل نسبة ثابتة من الدخل فقط حتى لا يطالب بعد ذلك حين حاجته إلى الخدمة الصحية بدفع مبالغ مالية أخرى.

"الدستور يحدد أن التأمين يقوم على الاشتراكات ويعفي منها غير القادرين"، حسب الدكتور محمد حسن خليل، منسق عام لجنة الدفاع عن الحق في الصحة، الذي يرفض أن تحصل الحكومة بجانب الاشتراكات على ما تسميه بـ"مساهمات" كنسبة من ثمن الخدمة قد تصل إلى عشرات ومئات الجنيهات شهريًا، قائلًا: "بند المساهمات لا يحسن الخدمة، فاحتياج المريض من الأدوية والفحوص يحدده الطبيب لا المريض، كما يمكن زيادة الاشتراك من واحد وثلاثة فى المائة لكل من العامل ورب العمل على التوالي، بأن تزيد إلى 1.5 و4.5% بدلا من المساهمات".

إشكالية أخرى يطرحها "خليل" تتمثل في أن كل أنظمة التأمين الصحي الاجتماعى حول العالم تتكفل بعلاج الأطفال والطلاب حتى سن 18 عامًا، دون أن يتحمل أولياء الأمر شيئًا إلا مساهمات رمزية في بعض الأحيان، لكن في المشروع القانون الحالي، تتخلى الدولة عن ذلك، وتحمله لولي الأمر وتطالبه بسداد 0.75% عن كل طفل، بل وتهدد العمالة غير المنتظمة بوقف قيد الطفل فى المدرسة حين يتأخر عن سداد القسط الذي يمثل مبلغًا كبيرًا من دخله، لأنه أصبح ملزمًا بأن يدفع لنفسه 4% ولزوجته 2.5% وإذا كان عنده 4 أطفال يدفع 3%، أى يدفع 9.5% من دخله الشهري على أقساط كل 3 أشهر (القسط الواحد يعادل 28.5% من دخله الشهري).

فى النسخ السابقة لمشروع القانون، كان المشرع يفرد فصولًَا لهيئة خاصة بالرقابة على الجودة والاعتماد بمستشفيات التأمين الصحي، لكن الجودة لا تتحقق وفقًا لـ"خليل"، إلا بعد توافر عدة مقومات أولية، بداية من التمويل وعدد الأسِرّة والأطباء والتمريض الكافين، ثم تأتي بعد ذلك معايير الجودة في أساليب العمل لهذه المنظومة.

تضم هيئة تقديم الرعاية الصحية في القانون الجديد جميع المستشفيات الحكومية، التي تقدم الخدمة الصحية بالتكلفة غير المحملة بالربح، لأنها مستشفيات الشعب التى بنيت من أموال دافعي الضرائب وتكون مهمتها تعيين لجنة تحدد السعر الموحد الذي تشتري به الخدمة من المستشفيات الخاصة والمستشفيات الحكومية على حد سواء، ما يطرح تخوفات بشأن تحولها إلى جهات ربحية، حسب "خليل"، الذي دعا إلى تقديم الخدمة بالتكلفة فى الهيكل الحكومى التأمينى الموحد، وأن يقتصر الربح على المستشفيات الخاصة.

وأضاف أن هيئة التأمين الجديدة تشكل لجنة تسعير لشراء الخدمة محملة بالربح من القطاع الخاص فقط، أما الهيكل الحكومي فتحدد التكلفة بعد الصرف، وتعمل كضابط للسوق، ويتم اللجوء إليها عند التفاوض مع القطاع الخاص بالسماح له بنسبة معقولة من الربح دون مغالاة.

خليل تساءل: "كيف تجعل الحكومة من القطاع الخاص جزءًا من اللجنة التى تحدد سعر شراء الخدمة؟ أليس هذا تعارضًا واضحًا فى المصالح، وبالتالي يجب أن تقتصر لجنة التسعير، كما هو الآن، على ممثلي الحكومة مستعينين بدراسات تكلفة الخدمة في القطاع التأميني الموحد غير الربحي.

تحفّظ آخر طرحه خليل بشأن الجدية في تنفيذ التأمين الصحي الذي تطبقه الحكومة بين عامي (2018- 2020) على محافظات القناة وسيناء التي لا يشكل سكانها 3.6%، مطالبقًا بتطبيقه خلال فترة لا تزيد على خمس سنوات، على المحافظات الأكثر احتياجًا.

من يحمي أموال التأمين الصحي؟

مذكرة عاجلة تقدمّ بها المحامي الحقوقي محمود فؤاد، مدير المركز المصري للحق في الدواء وعدد من منظمات المجتمع المدني والنقابات المهنية إلى مجلس النواب حول عده نقاط خلافية واردة بقانون التأمين الصحي بهدف الحفاظ علي فلسفة القانون الذي صيغ وفق أهداف تحافظ على حقوق العديد من الفئات المجتمعية التي كانت خارج المظلة التأمينية لسنوات طويلة.

وأعلن فؤاد تخوفه الشديد من المادة 54 من القانون الجديد والتي تنص على أنه «لا تخضع أموال واستثمارات هيئة التأمين لأي رقابة" والتي وصفها بـ"غير الدستورية" وسيبدأ المركز مواجهتها والطعن فيها، وصياغتها بهدف إضفاء حماية على هيئة التأمين الصحي، بحيث لا تتم مراقبة الأموال أو استثماراتها على أمل التلاعب بها أو استخدامها في أمور أخرى للدولة، وهو أمر غير مفهوم فيجب أن يكون للدولة دور رقابي على أموال اليتامى والأرامل والمحتاجين المنتفعين ممن يسددون قيمة الاشتراك إجباريًا.

فؤاد حذر من تكرار ما سماها بـ"مأساة" أموال المعاشات والتأمينات الاجتماعية التي بلغت 684 مليار جنيه حين قام وزير المالية خلال عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك بـ"السطو عليها"، ما أدى إلى ضياعها وأدخل النظام الذي خرجت عليه ثورة 25 يناير في أزمات كبيرة، حسب تعبيره، حيث إن جزءًا كبيرًا منها تسرب إلى بنك الاستثمار القومي، وهناك جزء آخر ضاع فى مضاربات فى البورصة دون أدنى عائد على أصحابها.

وانتقد "فؤاد" المغالاة في نسب الاشتراكات على أصحاب المعاشات، حسب وصفه، مؤكدًا أنهم الحلقة الأضعف، ومطالبون كل شهر بسداد 2% لهم و3% عن الزوجة، و2% عن أول طفلين، و1.5% عن الطفل الثالث والرابع والخامس والسادس تصل إلى 3% حد أقصى، معقبًا: "بحسبة بسيطة سيكون رب الأسرة مضطرًا لسداد 12٪‏من اجمالي دخله الشامل شهريًا بما يعادل 220 جنيهًا لمن يحصل على معاش أقل من 1500 جنيه، رغم أنه منتفع، بالإضافة إلى فواتير شراء الدواء والأشعة والتحاليل الطبية اللازمة لذلك في زيارة واحدة فقط، هذا بالإضافة إلى ارتفاع نسب المساهمات المفروضة على المواطنين والتي تصل إلى 1000 جنيه في كل زيارة مرضية، موزعة على 10% من قيمة الدواء بحد أقصى يصل لـ1000 جنيه و20% من قيمة التحاليل الطبية و10% من قيمة الإشاعات و7% من تكلفة كل خدمة طبية يتلقاها المواطن بالمستشفيات العام".

"القانون المطروح حاليًا لا يقدم ضمانات لإقرار نظام صحي شامل وعادل".. تقول الدكتورة منى مينا، وكيل نقابة الأطباء السابق، التي ترى أنه ينسف فكرة التأمين الصحي الشامل، ولا يضمن حق الناس في العلاج أو أي شروط عمل عادلة ويحولها إلى ملف شائك.

مينا اقترحت خروج أصحاب المعاشات من المساهمات وإعفاءهم نهائيًا وإلغاء تلك المساهمات كليًا عن جميع الأفراد أو جعلها رمزية (20 جنيهًا فقط على الروشتة)، فضلًا عن غير القادرين من أبناء الطبقتين المتوسطة والفقيرة.

كما أن مصطلح غير القادرين في القانون الجديد غير واضح، وهم تلك الفئات المجتمعية التي يقل دخلها الشهري عن الحد الأدنى للأجور ممن تلتزم الدولة بإعالتهم والإنفاق الصحي عليهم وفي النسخ الأخيرة للتأمين الصحي كان غير القادرين يتمثل في المستحقين لمعاش الضمان الاجتماعي والبالغ عددهم 1.7 مليون أسرة بالإضافة إلى 100 ألف أسرة تحصل على معاش التكافل الإجتماعي، ليكون الإجمالي 1.8 مليون أسرة (بما يوازي 9 ملايين مواطن)، تضيف مينا.

وتختم: "الحكومة تسقط 10 ملايين مواطن فقط من تحمل فواتير العلاج والدواء، والدخول في مظلة التأمين الصحي الجديد، وتضع 90 مليون آخرين في قائمة الأشخاص القادرين على سداد الاشتراكات والمساهمات الباهظة التي تثقل كاهل المصريين، رغم أن آخر إحصاء للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يشير إلى أن 30% من أبناء الشعب المصري يقعون تحت خط الفقر".

وأشارت وكيل نقابة الأطباء السابق إلى أن القانون الجديد يفتح الباب واسعًا أمام السقوط في فخ الخصخصة، عبر معايير الجودة من خلال الشراكة مع القطاع الخاص، وإذ ربط تطبيق القانون بوجود نظام للجودة أو التعاقد فقط مع المستشفيات الحائزة على الاعتماد ومكافحة العدوى، وهو نظام لن تتمكن أكثر من 50٪‏ من المستشفيات العامة موزعة مابين 400 مستشفي عام و88 مستشفى جامعي و22 تعليمي سيكون ذلك تهديدًا عامًا بخروجها من الخدمة لعدم تحقيقها معايير الجودة اللازمة وبالتالي سيكون مصيرها مثل حال مستشفيات التكامل الصحي التي تحولت لـ"عشش" و"خرابات" قبل طرحها للاستثمار .

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل