المحتوى الرئيسى

مصر ورهان الوساطة في الصراع السعودي - الإيراني

11/14 20:57

لم يترك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي شكوكاً حول موقفه: الشرق الأوسط ليس بحاجة إلى مزيد من الاضطرابات. "المنطقة تعاني ما فيه الكفاية من الاضطرابات وليست بحاجة للمزيد منها"، كما أعلن السيسي منتصف الأسبوع المنصرم خلال مؤتمر صحفي في منتجع شرم الشيخ على البحر الأحمر.

هذا الإعلان كان موجهاً إلى إيران التي استغلت تفجر الحرب الأهلية في سوريا لتقوية موقعها أيضاً في الدول العربية وتوطيده، فقوات الحرس الثوري المُرسلة من طهران ساهمت في أن يتفوق الرئيس السوري بشار الأسد على قوات المعارضة والسيطرة مجدداً على أجزاء واسعة من البلاد.

إيران لم توطد تأثيرها فقط في سوريا، بل حتى في العراق الذي يسيطر عليه الشيعة سياسياً وتوجد فيه قواتها ودبلوماسيوها بقوة، وكذلك في لبنان حيث تلقى طهران تمثيلاً لها من قبل حزب الله. والوجود الإيراني في لبنان هو الذي يقلق بوجه خاص الرئيس المصري. فلا يفصل مصر عن لبنان سوى جارتها إسرائيل التي تواجه من جانبها تحديات حزب الله.

مواقع حزب الله على الحدود اللبنانية- السورية

وفي حال تفجرت المواجهة بين إسرائيل وحزب الله، فإن الاضطرابات المنبعثة من سوريا التي اجتاحت الجزء الأكبر من المنطقة، ستصل مباشرة إلى الحدود المصرية. وهذا التطور بالذات أثاره السيسي في خطابه. "نحن لا نحتاج إلى تعقيدات إضافية تتعلق بإيران وحزب الله"، أضاف الرئيس المصري في تصريحه. وفي الوقت نفسه ظهر متفائلاً في لجم الخطر. وقال السيسي:" أنا ضد الحرب، فالأزمات يمكن حلها من خلال الحوار".

ولم يدع الرئيس السيسي شكاً في تصريحه حول الطرف الذي سينضم إليه بلده في هذا النزاع. "الأمن في الخليج يشكل خطاً أحمر. نعتقد في مصر أن أي تهديد لدول الخليج يمس أيضاً أمننا القومي". وأن يذكر السيسي حاجة العربية السعودية للأمن ودول خليجية إضافية، فهذا يعبر عن السياسة الخارجية المعقدة التي تنهجها مصر تحت قيادته. فالسيسي، كما يقول خبير الشرق الأوسط شتيفان رول من مؤسسة برلين للعلوم والسياسة، يجتهد منذ مدة لتنويع علاقاته الخارجية. وينتبه الرئيس في ذلك لعدم إقامة اتصالات مع شريك على حساب آخر. ويضيف رول  بالقول: "في الحقيقة يتطلع الحكام المصريون إلى دفع العلاقات مع دول الخليج وروسيا والشركاء الغربيين التقليديين إلى توازن يجلب للنظام أكبر مكسب".

وتقترب مصر منذ سنوات من إفلاس جهاز الدولة، وبالتالي فإن العلاقات مع دول الخليج من شأنها جلب تبرعات مالية. هذا الحساب جاء طوال مدة بالثمار، إلا أنه منذ انهيار سعر النفط تخلف الداعمون من الخليج. ويمكن لمصر أن تعول على الدعم، لكن ليس بصفة بديهية كما حصل مباشرة بعد تولي السيسي زمام الحكم في 2013.

علاقات معقدة: الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب، وملك السعودية

والمكاسب المصرية هي أيضاً من نوع سياسي: فالسياسة الخارجية المرنة التي تتبعها مصر جلبت للبلاد سمعة وسيط براغماتي ـ كما حصل في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي عندما قاد وسطاء مصريون المفاوضات بين حركتي فتح وحماس الفلسطينيتين، ودفعت الطرفين في النهاية إلى التفاهم. وهذا الفن في التفاوض تعتزم البلاد توظيفه على ما يبدو في التوترات بين إيران والعربية السعودية. وهذا الهدف بالتحديد يتبعه هذه الأيام وزير الخارجية المصري سامح شكري الذي يقوم بجولة عبر ست عواصم عربية. إذ يتطلع، حسب تصريحه، إلى تقليص التوترات في المنطقة.

ويتضح هذا بالتحديد فيما يبدو من تهديدات جدية بالنزاع الراهن بين السعودية وإيران، إذ تقدم مصر متطلبات جيدة، كما جاء في ملحق الأهرام الأسبوعي، فمصر باعتبارها قوة رائدة إقليمية سنية مناسبة بشكل خاص لإجراء خوار مع إيران الشيعية.

كما أن بعض المواقف الممثلة في القاهرة تسهل بكثير الحوار. ومن بين تلك المواقف أن مصر لا تشاطر دول الخليج قلقها من الاتفاق النووي للغرب مع إيران، كما أن مصر لم تتبنى التقييم الذي عبرت عنه الولايات المتحدة الأمريكية بأن إيران تدعم الإرهاب إضافة إلى أن مصر تقوم بدور متحفظ جداً في التحالف الذي تقوده العربية السعودية ضد الحوثيين المتعاطفين مع إيران. "وهذا يتمخض عنه أن القاهرة وطهران تتحملان مسؤولية تاريخية كبيرة لتطوير تعاون إستراتيجي وإدارة الأزمات المدمرة في المنطقة".

فمنذ تفجر الانتفاضة ضد الرئيس المخلوع مبارك ومنذ تولي السيسي زمام الحكم تنهج مصر مساراً متحفظاً جداً في السياسة الخارجية، وهو قد يأتي بمكاسب ليس فقط للبلاد، بل ربما لكافة المنطقة.

كانت الجزائر المحطة الأولى في جولات السيسي الخارجية على التوقعات، فقد وعد خلال حملته لانتخابات الرئاسة أن تكون السعودية أولى محطات زياراته الخارجية كرئيس، لتصبح أول زيارة لرئيس مصري إلى الجزائر منذ 5 سنوات. وأكدت خصوصية العلاقات بين البلدين، خاصة في ظل التصريحات خلال فترة الدعاية في انتخابات الرئاسة، والتي قُيل فيها أن الجيش المصري قادر علي اجتياح الجزائر في ثلاثة أيام وهو ما نفاه السيسي.

جاءت مشاركة الرئيس المصري في أعمال مؤتمر القمة الإفريقية بغينيا الاستوائية، التي عقدت في 26 يونيو/ حزيران الماضي للتأكيد على عودة مصر للقارة الإفريقية التي سبق وأن أُهملت خلال فترة حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك وجُمدت عقب إزاحة الإسلاميين عن الحكم. وشملت الجولة الإفريقية السودان وأثيوبيا لمناقشة ملف سد النهضة الذي تقيمه على النيل.

أما زيارة السيسي إلى السعودية لما قدمته الأخيرة من دعم وفي إقناع المجتمع الدولي بأن إزاحة الرئيس الإسلامي محمد مرسي في 30 يونيو كانت تعبيراً عن إرادة شعبية، وبالتالي فكان لابد أن يعبر السيسي عن "الامتنان المصري للجانب السعودي".

وشملت جولته الخليجية آنذاك الإمارات والكويت، اللتان قدمتما بدورهما إلى جانب السعودية دعماً مادياً لمصر بعد عزل مرسي، حيث ترك الإسلاميون خلال فترة حكمهم القصيرة اقتصاد البلد على حافة هاوية. وانعكس التقارب مع دول الخليج لاحقاً في مشاركة مصر في التحالف العربي بشن الحرب على اليمن.

في ظل الموقف الأمريكي من إزاحة الإسلاميين عن الحكم، كانت زيارة السيسي إلى موسكو ذات أهمية كبيرة. ومع دخول الطائرة الرئاسية إلى الأجواء الروسية رافقها سرب من المقاتلات الروسية. وانتهت الزيارة بالتأكيد على دعم التعاون العسكري والصناعي بين البلدين.

كانت زيارة السيسي إلي نيويورك محط اهتمام وسائل الإعلام المحلية والعالمية، لا سيما أنه الظهور الأول للرئيس المصري في الأمم المتحدة ناقلاً "رسالة مصر للعالم بعد ثورة 30 يونيو وما تبعها من حالة سوء فهم الحالة المصرية". لقاء السيسي بالرئيس الأمريكي أوباما حرك العلاقات التي تأزمت آنذاك بين الدولتين.

وكانت أولى زيارات السيسي إلى دول الاتحاد الأوروبي في إيطاليا، وكان القضية الأكبر خلال الزيارة هي ليبيا، التي أضحت مسرحاً لحرب أهلية بين الجماعات المتشددة. وأيدت إيطاليا جهود مصر في مكافحة الإرهاب وتوصل الجانبان إلى توافق بشأن التهديد الذي تشكله ليبيا ما بعد القذافي.

هذه الجولة الأوروبية قادت السيسي أيضاً إلى لقاء الرئيس الفرنسي فرانسوا اولاند. خلال الزيارة أُبرمت ثلاث اتفاقيات تتضمن أولها إعلان نوايا حول الشراكة الفرنسية المصرية تتعلق بمترو أنفاق القاهرة، بينما تهدف الثانية دعم البنية التحتية في مصر، والثالثة أطرت دعم التوظيف عبر تمويل الشركات الصغيرة في المناطق الأكثر فقراً.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل