المحتوى الرئيسى

النداء الأخير | المصري اليوم

11/14 10:31

حانت لحظة توحيد مصر، وإن لم نلتقط طبيعة اللحظة غفلة أو تغافلاً؛ فالبديل مرعب.

نون الجماعة هنا لاتعنى من يحكمون ومن يعانون تبعات الحكم؛ لكنها تعنى مؤسسات الدولة العميقة التى باتت تقبض بيديها على كل فرص الفعل، قبل أن تعنى النخب السياسية التى تقف فى الجهة الأخرى من المشهد مكممة الفم، والأغلبية التى لا تجد من يمثلها.

والتوحيد الذى أعنيه هنا ليس دولة الصوت الواحد ضد العدو «الإرهاب» الذى صار بديلاً للعدو الصهيونى المستمتع بظلال النسيان. التوحيد المقصود هو التخلى عن مصر الخيالية وبناءاتها الافتراضية، والإبقاء على مصر الواقعية التى يلزمها التعدد السياسى وكفاءة المؤسسات، لا وحدة العقل والصوت.

هذا التوحيد يقتضى أن تراجع السلطة بكل الفاعلين فيها الأداء الحالى، وأن تطرح الأسئلة على نفسها: هل تصلح مؤتمرات الشباب بديلاً لبرلمان حقيقى؟ هل تصلح التجربة المعملية المحدودة «المدارس اليابانية» بديلاً لإصلاح شامل للتعليم؟.. هل يغنى إنشاء الكبارى وشق الطرق ومراكمة العقارات الفاخرة عن الزراعة والصناعة والسياحة؟ هذه الأسئلة المؤجلة يجب أن تطرح حالاً، بسبب صعوبة المرحلة التى بدأت للتو بالإقليم.

وقد آن الأوان لطرح سؤال العلاقة بالشقيق العربى؛ الشقيق النفطى تحديدًا، وقد ظل هذا السؤال مسكوتًا عنه تكبرًا مرة وتصاغرًا مرة. سكتت عنه السلطة، وغيَّبت الأصوات الفكرية التى طرحته. وغنى عن القول أن التناقض ليس مع المواطن الخليجى، بل مع شكل من الحكم يريد البقاء، بمنع التقدم فى الجوار.

وقد بنت مصر ديمقراطيتها واقتصادها الأفضل- لا نقول الكامل- فى ظل احتلال أجنبى، عندما لم يكن الجار النفطى موجودًا. ومع تحولات يوليو كان صنبور النفط قد انفتح. أنكرت مصر الناصرية مولد الجار تكبرًا، لكنها عرفته فى مواجهة اليمن التى باتت أساسًا للنكسة، ثم جاء السادات الذى بدأ تحولاته، ومن بينها قلب العداء للجار إلى صداقة وقلب التكبر إلى تصاغر. وبعد طفرة أسعار النفط صار الصنبور نهرًا قادرًا على تسديد ضريبة الفشل بمساعدات تُبقى مصر على قيد الحياة فى مكانها؛ لا تعود للراديكالية الناصرية أو تتقدم نحو الديمقراطية. لم تخل مسيرة الإحسان من شد أذن، ولى ذراع، يعقبهما القضم من أدوار البلد الكبير. لم تعد مصر تسعى لتصدير «الجمهورية» بل استوردت التوريث، وحدث للجمهوريات العربية الأخرى الشىء ذاته بمساندة المال ذاته؛ فكان الربيع الذى تتفق السلطات العربية المتحابة والمتحاربة على أنه كان مؤامرة!

لم ينتبه الفرحون إلى أن خروج مصر من القيادة كان عملاً ضد الجميع، ولم يفهم الفرحون بتفخيخ الربيع أن الوقوف بوجه التاريخ هو أغبى أعمال العناد. وقد أسفر اللعب عن تعقيدات بالإقليم أقل ما ستسفر عنه هو اختفاء المنظومة الخليجية فى نفقها الخاص. لا نتمنى أن يصاب أى بلد عربى بشوكة، لكن ينبغى أن نفكرـ بنون الجماعة المصريةـ أن المال النفطى ربما لن يكون موجودًا لمساندة مصر الخيالية بعد الآن، وبالتالى لا بديل أمام مصر إلا العيش من مواردها، وصنع نجاحها الذاتى، وهى قادرة إن اتسعت للجميع.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل