المحتوى الرئيسى

موسيقى "الإيمزاد" الجزائرية.. قصص من الماضي جعلت الحاضر عالميا - صوت الأمة

11/12 12:34

قصص من الماضي في عالم ساحرالجمال وغامض في آن واحد تجعلك تعيش حالة حب إكشاف واحدة من أشهر وأجمل الصحاري في العالم، صحراء " الهوغار أو الآهاغار والتاسيلي".

تقع منطة الاهقار في الجنوب الشرقي للجزائر، هضبة صخرية بركانية شاهقة، يصل علوها إلى ألف متر عن سطح البحر، وهي عبارة عن سلاسل جبلية بركانية تفننت الطبيعة في نحتها على مدار ملايين السنين. لذلك صنفتها منظمة اليونسكو عام 1982 كإرث إنساني كما تعد متحف طبيعي مفتوح على الهواء الطلق، لاحتوائها على نحو ثلاثين ألف نحت ورسم حجري لإنسان ما قبل التاريخ لكن جمال هذه المنطقة لا يتوقف عند الجمال الطبيعي فحسب بل يمتد إلى سكان هاته المنطقة المتواجدون عدة قرون خلت مضيفين روح الحياة للمنطقة فهم أيضا عالم من الجمال الساحر الذي أسر قلوب الكثير فاستطاع تصدير ثقافته إلى جميع أنحاء العالم. ومن أهمها الموسيقى التي يشتهر بها شعب الطوارق والمعروفة باسم "إيمزاد" نسبة لاسم الآلة التي تعزف بها والتي تعتبر هوية المجتمعات التارقية.

هي آلة موسيقية تقليدية الصنع تشبه إلى حد كبير آلة الكمان، محدبة الشكل تصنع من نصف حبة اليقطين المجففة المغطات بجلد الابل. يخرج من طرفيه عود يشد بين طرفيه حبل رقيق من شعر الخيل، ويثقب الجلد ثقبين أو ثلاثة في الوسط، ويأخذون عودا على شكل هلال، ويربطون طرفيه بحل رقيق أيضا من شعر ذيل الخيل، ثم يدعكون الشعر بعضه ببعض. فيصبح آلة موسيقية تصدر صوتا مميزا اونوع من موسيقى كما يسميها سكان المنطقة بموسيقى السلام.

ويحكى في زمن غابر نشبت حرب ضروس بين قبائل الصحراء بسبب نبع للماء، وقد استمر القتال لوقت طويل، حيث نزلت لعنة ذلك النزاع على الناس، فحولت عيشهم إلى مرارة وألم، وفرقت شمل الأقارب والأحباب، فهجر البلاد قوم كثير.

لهذا السبب قررت نساء العشائر المختلفة الاجتماع ذات يوم لبحث مخرج لهذه الكارثة الحضارية، فقررن ابتكار شيء ما تكون له القدرة على إيقاظ الضمائر والمشاعر والعودة بالعقول والقلوب إلى التبصر في المعاني الحقيقية لنبل وشهامة رجل الصحراء. حينئذ اقترحت إحدى النسوة صناعة آلة موسيقية لذات الغرض وأوكلت المهمة لأكبرهن

فتطهرت وتزينت وخرجت تبحث عما تصنع به هذه الآلة، مسلمة روحها إلى روح الصحراء، تاركة بذلك الأمر لغرائزها الأمومية كي تتصرف بكل تلقائية وعند إكمالها للآلة ذات الوتر الواحد، مرت النسمات ولامست الوليد الجديد فكان ذلك اللحن الذي رزق السلام للمنطقة الذي جعل الرجال يضعون أسلحتهم، ويسيرون من دون وعي قاطعين تلك المسافة يتتبعون صوت الآلة عن طريق النسمة التي كانت تحملها إليهم، وهم في حالة من الطمأنينة التي افتقدوها لسنين عديدة، وراحوا ينصتون إلى اللحن وما إن كادت العازفة تنتهي من عزفها حتى صار الجميع بعدها يتعانقون ويتبادلون الاعتذار والصفح، وهكذا أنهت آلة الإيمزاد وموسيقاها أيام الحرب

لا شريك للمرأة في العزف على آلة الإيمزاد 

و تعزفها النساء فقط ومحرمة على الرجال حيث تقول إحدى الأساطير المتداولة "بأن الرجل إذا عزف بهذه الآلة فإنه سيأتي الخراب على العشائر والقبائل، ويعم الحزن على الناس"، ومن هنا "حُرِّمت" "الإمْزاد" على الرجل الطارقي لكن استعمال الآلة يكون مشتركًا بين المرأة والرجل، فتعزف ذوات الحسب والنسب والشأن الرفيع وهو ينشد الأهازيج الزجلية إلى جانب التغني بقصائد شعرية تتطرق لصلب الحياة التارقية المرافقة للحن، ويستعمل فيها إلى جانب الإمزاد الدف والتصفيق.

و مع مرور الزمن أيضا لم تبقى في منطقة الأهقار الا القليلات تعزفن على الإيمزاد ما دفع بالغيورين على الهوية الجزائرية التارقية لإنشاء جمعية وطنية من أجل إنقاذ الإيمزاد.

جمعية "من أجل إنقاذ الإيمزاد"

وبالعودة إلى الحفاظ على الإمزاد، فقد تأسست جمعية «إنقاذ الإمزاد» في أكتوبر 2003 استجابة لرغبة أهل المنطقة بغية الحفاظ على موروث ثقافي كاد ينقرض، وعملت الجمعية على بعث الروح فيه حيث تعمل ومنذ ذلك الحين رئيسة الجمعية "فريدة سلال" الدكتورة في مجال الاتصالات على الدعوة للعمل الجماعي من أجل الحفاظ على الهوية بشكل دائم بهدف تثمين الثقافة التارقية وتكوين الجيل الصاعد وتدريبه على صناعة آلة الإيمزاد والعزف عليها للسير على طريق العازفة "خولن" وأخريات.

بإضافة إلى تنظيم الملتقات تجمع بين المهتمين بمجال المحافظة على الإرث الثقافي ونشره سواءا كانو من الجزائر أو من مناطق أخرى إلى جانب استحداث دار الإمزاد التي أضحت اليوم تعد كمركز إشعاع ثقافي لكل المنطقة يتعلم الشباب داخلها كل أنواع العزف على الآلات الموسيقية القديمة والكل فنون المنطقة وأنواعها الموسيقية لإحتواء الدار على أحدث أستوديو تسجيل يعد الأول إفريقيا.

ولعل من أهم ثمار معركة الجمعية من أجل الحفاظ على هذا التراث الثقافي الاجتماعي وبقائه هو تسجيل " الإمزاد" كتراث إنساني من قبل الأمم المتحدة، وكان ذلك عندما أدرجته اليونيسكو في سنة 2013 ضمن قائمة التراث الثقافي اللامادي للإنسانية.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل