المحتوى الرئيسى

"الحالة المحيّرة لسعد الحريري"

11/10 16:33

في وقت ينتظر اللبنانيون أية إشارة تنهي السجال الثقيل حول "احتجاز" الرئيس سعد الحريري في السعودية، لم تؤدِّ كل الإشارات التي خرجت في الساعات الأخيرة سوى إلى زيادة غموض "حالته المحيّرة".

آخر الآمال حول "كشف مصيره" كانت معقودة على الفرنسيين، خاصةً بعد قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مغادرة أبوظبي إلى الرياض، في محطة لم تكن مقررة سابقاً.

لكن الفرنسيين خيّبوا آمال اللبنانيين، ولم يجد وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان سوى القول "على حد علمنا، نعتقد أنه حرّ في تحركاته"، مضيفاً أنه "من المهم أن يتخذ خياراته"، في حديث أدلى به الجمعة إلى إذاعة أوروبا 1.

عكس تصريح لودريان غياب المعلومات الدقيقة لدى الفرنسيين أو رفضهم الإفصاح بما لديهم من معلومات إذ تحدّث كأنه محلل سياسي وقال: "لقد توجه إلى أبوظبي عشية قدوم ماكرون، وبالتالي نعتقد أنه حر في تنقلاته".

حديث لودريان يصبّ في دعم وجهة النظر التي تتخذ من التحركات التي قام بها الحريري مؤخراً دليلاً على تمتعه بكامل حريته. فقد التقى الحريري الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، كما زار سريعاً الإمارات والتق ولي عهدها محمد بن زايد. ولم يعرف أحد لماذا قيل إنه سيزور البحرين بعد أبوظبي ولماذا لم يقم بذلك.

كذلك، قال مكتب الحريري إنه التقى في مقر إقامته في الرياض السفير الفرنسي لدى السعودية فرنسوا غوييت، وإنه استقبل الأربعاء رئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي في المملكة ميشال سيرفون دورسو، واستقبل الخميس كل من القائم بالأعمال الأمريكي في الرياض كريستوفر هينزل والسفير البريطاني سايمون كولينز.

ولكن هذه التحركات لا تقنع القائلين بأن الحريري مقيّد الحركة، على اعتبار أن كل لقاءاته تمت في السعودية أو في الإمارات التي تربط بين ولي عهدها وبين وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان علاقة أكثر من وطيدة.

ويندرج الغموض حول حقيقة ما يحصل مع الحريري في إطار الغموض حول كل ملف المحتجزين بتهم فساد والذين قال عن ملفهم وزير الخارجية الأمريكية ريكس تيلرسون "أعتقد أن الأمر يثير بعض القلق طالما لا نزال دون توضيحات حول مصير هؤلاء الأشخاص".

وأضفى المزيد من الغموض على المشهد تصريح المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية هيذر ناورت الخميس والتي أكدت أن القائم بالأعمال الأمريكي كريس هينزيل التقى بالحريري، ولكنها رفضت الإدلاء بتفاصيل حول مكان اللقاء لأن المحادثات، بحسب وصفها، "حساسة وخاصة ودبلوماسية".

شارك غردThe curious case of Saad Al Hariri

شارك غردغموض إقامة سعد الحريري في الرياض... سيناريوهات كثيرة ونتيجة واحدة مؤكدة

وفي الساعات القليلة الماضية تصاعدت الإشارات الداخلية التي تدلّ على تنامي القناعة بأن ما يحصل مع الحريري هو "حالة محيّرة"، وتجاوزها دائرة حزب الله والمقرّبين منه.

وأبرز المؤشرات بيان كتلة المستقبل الخميس الذي قال إن عودته "ضرورة لاستعادة الاعتبار والاحترام للتوازن الداخلي والخارجي للبنان"، إضافة إلى تصريح قادة في التيار الذي ينتمي إليه الحريري بأنهم لا يمتلكون معلومات عنه.

وكتب وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل على تويتر الخميس "اليوم نطالب بعودة رئيس حكومتنا سعد الحريري إلى الوطن".

عودة العماد عون، عودة الوطن الى الوطن.... اليوم نطالب بعودة رئيس حكومتنا سعد الحريري الى الوطن.

— Gebran Bassil (@Gebran_Bassil) November 9, 2017

وآخر المؤشرات قول رئيس الجمهورية ميشال عون للقائم بالأعمال السعودي في لبنان وليد البخاري إن الطريقة التي جرت فيها استقالة الحريري غير مقبولة، مطالباً بعودته إلى لبنان.

كما طرح عون القضية نفسها مع سفراء دول مجموعة الدعم من أجل لبنان في مجلس الأمن، والتي تضم الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية وحكومات الصين وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، معبّراً أمامهم عن قلقه مما يتردد عن الظروف التي تحيط بوضع الحريري ومطالباً بضرورة جلائها ومذكراً أغضاء المجموعة بالاتفاقات الدولية التي ترعى العلاقات مع الدول والحصانات التي توفرها لأركانها.

ولعلّ أكثر ما يمكن أن يساعد في جلاء هذه الصورة الضابية قول البخاري لعون إنه يمكنه أن يوفد جبران باسيل إلى الرياض للقاء الحريري، وهو قول نقلته المؤسسة اللبنانية للإرسال (أل بي سي) عن "مصادر سعودية"، ولو صحّ فهو يصبّ في دعم القائلين بأن الحريري ليس محتجزاً.

لماذا كل هذا الغموض؟ لا شك في أن ما يحصل أمر غير طبيعي ولا يمكن التكهّن بدقة بأسبابه. سيناريوهات عدة يمكن رسمها بهذا الخصوص منها:

الحريري محتجز فعلاً ومن خلال احتجازه تريد السعودية إيصال رسالة إلى كل الأطراف اللبنانية مفادها أنها يمكن أن تتجاوز أي خط أحمر في لبنان والمجتمع الدولي لن يستطيع منعها، ما يرسل تحذيراً شديد اللهجة إلى أصحاب القناعة التي تقول إن المجتمع الدولي حريص على استقرار لبنان ويتدخّل في اللحظات الحرجة لمنع تجاوز بعض الخطوط الحمراء.

الحريري نصف محتجز بمعنى أن السعودية تعطيه كامل حرية الحركة، وبذلك تحترم التزاماتها كدولة تجاه مسؤولين يتمتعون بالحصانة، ولكنها تهدده بمصير استثماراته داخلها، وهو الوضع الذي يحوّل الحريري إلى محتجز بمحض إرادته.

الحريري نصف محتجز ولن يقول إنه محتجز، لا الآن ولا لاحقاً، ولكنه سيعتزل السياسة "بمحض إرادته" وبهذا توجّه السعودية إلى كل رجال السياسة اللبنانيين السنّة الطامحين إلى كرسي الرئاسة الثالثة رسالة تحذير من انتهاج خط سياسي لا يجري التنسيق في تفاصيله مع الرياض.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل