المحتوى الرئيسى

ليالى ضوضاء الموسيقى

11/09 18:00

"أورج ـ كيبورد ـ طبلة ـ رق ـ كمانجا .. مقسوم ـ نهاوند ـ سيكا ـ صبا .. قرار ـ جواب .. نشاز ..."

مصطلحات موسيقية صريحة وهى ملخص ما تبنى عليه الموسيقى بشكل عام مدونة فى النوتة الموسيقية فصناعة الموسيقى تتطلب العديد من المكونات التى تخرج شكلها النهائى بعد تآلف الجمل الموسيقية وانسجامها فى وصفة أشبه بالوصفات الغذائية فالوجبة الموسيقية الدسمة أساسها "المقادير" والتى يجب أن تكون مضبوطة بـ "المازورة".

الشكل الموسيقى هو روح العمل الغنائى فالتوزيع الموسيقى للأغنية هو العمود الفقرى لها ومن داخل مطبخ الصناعة يكون التوزيع هو الـ "زينة" التى تتزين بها الأغنية وهذه الـ "زينة" يكون خلفها موزع موسيقى يجتهد فى ابتكار أشكالاً مختلفة تناسب حالات الأغنيات وألحانها ويكون فى حالة تطوير مستمر ليواكب بها التطور المتلاحق فى الصناعة .. كذلك اللحن الذى هو فى الأساس قائد للتوزيع الموسيقى ويشير له إلى المنطقة التى سيعمل بها فالجمل اللحنية مع الجمل الموسيقية هى مذاق العمل الغنائى.

المعروف والثابت أن التوزيع الموسيقى يظهر فيه العديد من الآلات المختلفة والتى يستخدمها الموزع فى صناعة الجمل والحليات الموسيقية وهو ما يجعل هذا التوزيع غنى وثرى وممتع أيضاً والذى يظهر بوضوح عند غناء تلك الأغنيات على المسرح بشكل مباشر "لايف" ويظهر العازفون بآلاتهم ويبدع كل منهم فى الجمل الموسيقية الخاصة به وهو ما يصنع حالة تستمر بتلك الأغنية سنوات وسنوات طويلة خاصة عندما تتكامل جودة اللحن مع التوزيع.

سارت العملية فى طريقها الطبيعى لوقت طويل حتى بدأ الانفتاح على العالم الخارجى وموسيقاه والتطور السريع الذى حدث بها فبدأ صناع الموسيقى يراقبون ويبحثون فيما جد واستحدث سعياً إلى التطوير والاختلاف فبدأت الآذان تلتقط جملاً من هنا ومن هناك وتطعيم الألحان والتوزيع بها وهو ما حقق نجاحات كبيرة لأصحابها وأعمالهم ولأن الأصل موجود فبدأت تستمع لنفس الجمل مكررة فى أعمال أخرى أحياناً بشكل صريح وأخرى يتم تطويعها لمحاولة إخفاء الشكل الأصلى لها.

الألحان أخذت طريق "النحت" والمحاكاة للأعمال الخارجية والتوزيع يستخدم أشكالاً موسيقية بعينها والتى بدأت فى زحزحة الجانب الشرقى فى الموسيقى والاعتماد على الأدوات الغربية تدريجياً خاصة مع التقدم التكنولوجى الهائل والذى أصبح مغرياً حتى وصل الحال لإعتماد التوزيع الموسيقى على القوالب الموسيقية الجاهزة والمعروفة باسم " Loops" فى أواخر التسعينيات وبداية الألفينات ويتم استقدامها من الخارج ويقوم الموزع بتجهيزها والعمل بها مباشرة بشكل خالٍ من أى إبداع وبالتالى اختفت منه الروح الشرقية بآلاتها وإيقاعاتها المميزة والاعتماد على الـ "تكنو" بشكل كبير لتتغير ملامح الأغنية وتدخل مرحلة جديدة من القوالب التى أصبحت فيما بعد مستهلكة ومتكررة فى معظم الأغنيات وهذا أمر طبيعى لأنها فى النهاية "Loops" واحدة!

 مع بزوغ نجم الأغنية التركية تحولت الأنظار إليها وإلى الأشكال الموسيقية التى تقدمها لتتحول فجأة معظم الأغنيات فى تلك المرحلة إلى أشكال تركية ... بالاقتباس والـ "نحت" مرة و"السطو" مرات أخرى ولم تسلم أيضاً الموسيقى اليونانية من هذا الهجوم لنجد أننا أصبحنا نستمع إلى أغنيات مصرية يعود أصلها للتركى واليونانى والأسبانى وغيره وعندما تقدم أغنية بروح شرقية يتم "فرمها" وسط تلك الأشكال صاحبة الـ "كعب العالى" والتى أصبحت أعمالها تحقق نجاحات ساحقة رغم أن منها أغنيات كاملة باللحن والتوزيع بشكل صارخ ومستفز هى نفسها تلك الأغنيات الأصلية على سبيل المثال لا الحصر "الليلة دى – عمرو دياب" المأخوذة من الأغنية الشهيرة "سواى" و"طمنى عليك – محمد فؤاد" كاملة أغنية تركية وكذلك "آه ونص وانت إيه – نانسى عجرم" يونانى باقتدار!

المؤسف فى هذا الأمر أنه رغم حالة "الانبساط والفرفشة" مع هذه النوعية من الأغنيات إلا أننا أغفلنا جانب مهم وخطير وهو أننا طمسنا هويتنا دون أن ندرى ونحن نلهث وراء التجديد والتطوير فمع متابعة بسيطة تجد أننا نستورد كل الأشكال من الخارج ونقدمها بأسمائنا بينما لا نصدر أى شكل موسيقى مصرى شرقى للخارج ... لم تعد لدينا الأغنية ذات الإيقاعات والألحان الخاصة بنا وكأن موسيقانا قد اختطفت فى عملية استسهال مقابل "فرقعة" النجاح مسئول عنها جيل كامل من الملحنين والموزعين وكل صناع الموسيقى فى مصر.

الحقيقة أن هذا الاستسهال جعل المستمع العادى يشعر أن الأغنيات كلها تشبه بعضها وسط "ضوضاء موسيقية" فكثيراً لا يستطيع التعرف على الأغنية حتى يظهر صوت المطرب ما أفقد الأغنية مذاقها وأثر بالسلب على السوق الغنائى واستقبال الأعمال الجديدة فأصبحت من بين مئات الأغنيات التى تظهر بغزارة تجد 2 أو 3 تشير إليهم وأنت تقول "هو ده" فبالرغم من أن الساحة تمتلئ بالموزعين الموسيقيين المميزين مثل "حميد الشاعرى ـ طارق مدكور ـ عادل حقى ـ هانى سبلينى ـ محمد مصطفى ـ فهد ـ توما" وغيرهم وكذلك من الملحنين "عمرو مصطفى ـ محمد رحيم ـ وليد سعد ... " إلا أن منهم من وقع فى ذلك الفخ ومنهم من استسهل الكسل فلم يقدم اى جديد!

أعتقد أن الحل فى ظهور جيل جديد من الموزعين الموسيقيين والملحنين يحمل الهوية الموسيقية المصرية ويقدم جملاً موسيقية ولحنية حقيقة وإعطائهم المساحة والثقة للتواجد وهو ما سيساهم فى عودة اللحن والتوزيع "المطبوخ" وليس "المسلوق" ويعود هناك توزيعاً موسيقياً تتذوقه بأذنيك فعندما تستمع مثلاً إلى موسيقى الموزع "جو حنا" التى يقدمها فى العمل المسرحى  "الثامنة مساءً" والذى يقدمه البيت الفنى للمسرح ستكتشف أن الأمل لم يفقد فى تلك الخطوة ولكنها فقط تحتاج دعم وفرصة للتواجد ومؤكد الجمهور متشوق وينتظرها.

أهم أخبار توك شو

Comments

عاجل