المحتوى الرئيسى

جنازة ابن القباقيبى | المصري اليوم

11/09 05:31

حكاية ابن القباقيبى هى حكاية من ثورة 1919 تكاد تكون مجهولة، سردها لنا الأديب الفنان الشاعر والمفكر «يحيى حقى» فى كتابه الرائع «صفحات من تاريخ مصر»، ورصدها الكاتب الكبير «رجاء النقاش» حينما كتب عن يحيى حقى كاشفاً عن جوانب خفية وغير مطروقة للقراء فى حياة الأديب الكبير على المستويين الإنسانى والأدبى؛ ونُشر الكتاب المذكور بعد وفاة الأستاذ «رجاء النقاش» تحت اسم «يحيى حقى.. الفنان والإنسان والمحنة».

يقول يحيى «كانت ثورة 1919 ثورة لأن الناس بدأت تألف لأول مرة كلمة (الشعب) تنطقها بكسر الشين، لا بأس، فلم تكن ثورة مثقفين وحدهم أو فلاحين وعمال وحدهم بل ثورة الشعب كله اتحدوا فى عجينة واحدة أزالت الفوارق. ولم تعد كلمة «فلاح» سُبة مع أنها كانت كذلك منذ قليل؛ لذلك كان حنقنا شديداً ونحن نسير فى المظاهرات أن نجد الصحف الأوروبية- وبالأخص الإنجليزية- تصف هذا الشعب الثائر بأنه من الغوغاء وأنه طُغمة من الرِعاع، هكذا بلا حياء، وإلى اليوم لا أزال أذكر الوقع الأليم لهذه الكلمات فى قلبى وأنا صبى، لا شك أن كل إنسان كان حاله مثل حالى، شعور متّقد يطلب الشفاء، يطلب بطلاً يخرج من صفوف الشعب، ولم يكن يدور بخُلدى أن هذا البطل سوف يكون صبياً يقيم بالقرب من دارى؛ كان فى مثل عمرى «14 عاماً»، الفارق أننى ببدلة فوق قميص وهو بجلابية على اللحم، وأنا ألبس حذاء وهو حافٍ رغم أن مهنة أبيه هى صناعة القباقيب. من صفوف الرِّعاع فى نظر الصحف البريطانية، خرج البطل الشهيد الذى ثأر لكرامتنا وردّ الصفعة».

ثم يكمل يحيى حقى حكايته البديعة: «تعال نصل من منزلنا إلى دكانه، كنت أعرفه وأمرُّ به، كلما ذهبت لزيارة السيدة سكينة والسيدة نفيسة.. دكان مظلم طويل وعريض هذا هو مصنع قباقيب الحى، وسيلة طائفة من فقراء المدينة لمقاومة الحفاء، وبعض المتيسرين لدخول الحمام.. لا تستهن بهذا القبقاب لو لبسته فتاة معجبانية أصبح فى قدميها كالصاجات فى يديها، إذا مشت به كان لوقعه على الأرض نغمة كلها دلال، إنه أيضاً يكشف الكعب، المحنّى، ربانى لا اصطناعى».

ثم يصل بنا يحيى حقى إلى اللحظة الفاصلة، فى حياة هذا النموذج الشعبى فيقول: «وقع الاختيار على هذا الولد.. سقط قتيلاً برصاص الإنجليز فى مظاهرة أمام الدكان فسار معها يردد هتافاتها، فخرجت له جنازة مشهورة فى تاريخ الثورة بأنها (جنازة ابن القباقيبى) سار فيها الشعب كله، من مستشارين وقضاة ومحامين، إلى الطلبة الكبار والتلاميذ الصغار، إلى صفوف غفيرة أخرى من أبناء الشعب، كنا نريد بهذه الجنازة أن نقول لصحافة الإنجليز: انظرى الرِّعاع يُشيعون بطل الرعاع. وهذه الجنازة لم تشبهها جنازة أخرى طوال الثورة».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل