المحتوى الرئيسى

علم "الرمشيولجي" في أغاني زمان.. هكذا كان رمش العين خارقا

11/08 13:56

دائما ما نستمع إلى اتهامات موجهة لشعراء الأغاني في الجيل الحالي بأن كلماتهم مكررة وليس بها مضمونا جيدا، إذ تدور أحداث مواضيعهم الغنائية في "قوالب ثابتة" لا تتغير بتغير المطربين.

ربما قد تكون هذه الانتقادات منطقية وصحيحة وربما لا، ولكن من الظلم أن يتم اتهام شعراء هذا الجيل فقط بهذا الأمر، خاصة وأن شعراء ما يسمى بـ"زمن الفن الجميل" لديهم تاريخا حافلا من الكلمات قد يراها البعض مستهلكة، والتي لاقت هجوما شديدًا في وقتها واعتراضات واسعة، ورغم كل ذلك نجد من يحدثنا حاليًا عن عظمتها وجمالها وسحر معانيها!

هناك مقولة شهيرة تقول أن التاريخ يكتبه المنتصرون والأقوياء، ربما تنطبق هذه المقولة على ما نشهده حاليا من هجوم كاسح وتقليل مستمر من صناع أغاني الجيل الحالي، وليس هذا فحسب، بل أنهم دائما ما يضربون الأمثال بأغاني الزمن الماضي، ويتحدثون عن الأعمال الجيدة فقط في ذلك العصر ويتناسون بالقصد أي حديث عن أي أعمال ضعيفة قد نالت في وقتها أيضا هجومًا وانتقادات كبيرة.

ربما يأتي ذلك من خوف البعض من رد الفعل إذا تحدثوا عن أغنية قديمة بطريقة غير جيدة، فـ "النوستالجيا" تحكم، وكل ما هو قديم بالطبع رائع، إضافة إلى أنه لا يوجد لدينا قدر كاف من النقاد أو الباحثين في مجال الأغنية، بالمقارنة بالحال مثلا في مجال السينما.

على سبيل المثال ربما تتذكرون كمية الانتقادات التي وجهت للفنانة روبي قبل أن تتجه إلى التمثيل وتبتعد عن الغناء بسبب أغانيها الجريئة واستعراضاتها الراقصة، وقطعًا كانت لا تخلوا هذه الانتقادات الموجهة إليها من الاتهامات بإفساد الذوق العام بسبب مواضيع أغانيها "التفاهة" والتي لا تحمل أي مضمون جيد.

من ضمن هذه الأغنيات التي لاقت هجوما شديدا، أغنية "يالرموش"

ورغم أن الفنان محمد رحيم قدم في هذه الأغنية لحنًا جميلًا ساعد في حفظ كلمات الأغنية بمجرد الاستماع إليها من المرة الأولى، ورغم أن الفنان تميم قدم توزيعًا موسيقيًا مواكبًا لتطورات العصر، وكذلك الشاعر محمد جمعة الذي لم يخرج عن القوالب الثابتة لشعراء "الزمن الجميل"، إلا أن كل ذلك لم يشفع لهذه الأغنية وتم انتقادها ومهاجمتها ومهاجمة روبي بشكل كبير وحاد.

وهنا يأتي السؤال.. هل مفردات الأغاني العربية الحالية تمر بأزمة كما يقال؟ أما أنها تعد استكمالا لنفس المنهج الغنائي القديم؟ الإجابة في السطور التالية.

أحمد رجب في كتابه "الأغاني للأرجباني" قدم نقدًا ساخرًا ولاذعًا لمفردات ومعاني الأغاني العاطفية في ما يسمى بـ"زمن الفن الجميل"، وناقش كلمات الأغاني التي لاقت نجاحًا جماهيريا واسعًا، وصنعت شعبية أساطير الغناء العربي، وهذا بعض ما تحدث عنه الكاتب الراحل:

"أن رمشي ورمش إنسان الكرة الأرضية عمومًا يختلف اختلافًا جوهريًا عن رمش عين الإنسان الغنائي القادم من كوكب مجهول.. ولقد اقتضى تعدد أنواع الرموش في كوكب الإنسان الغنائي، أن يكون للرموش علم قائم بذاته وهو علم "الرمشيولجي"، له مراجع وله علماء، وله أخصائيون وهذا أخصائي منهم:"حكيم عيون افهم في العين، وافهم كمان في رموش العين"، غناء وألحان محمد عبد الوهاب، وكلمات حسين السيد.

ويقول أيضا: "هناك رموش أليفة ورموش مستأنسة ورموش مفترسة تذبح وتجرح، ورموش عضاضة: "رمش عينه اللي جارحني رمش عينه، رمش عينه اللي دابحني رمش عينه"، غناء محرم فؤاد، كلمات مرسي جميل عزيز، ألحان محمد الوجي.

وتقول أغنية ظلموه لعبد الحليم حافظ، كلمات حسين السيد وألحان محمد عبد الوهاب: "طول عمري قلبي خالي ويخاف من الغرام، من كل رمش جارح بنظرة وابتسام"، وأيضا في أغنية التوبة من كلمات عبد الرحمن الأبنودي وألحان بليغ حمدي: "يا رموش قتالة وجارحة يابوي، وعيون نعسانة وسارحة يا عين".

وتقول ليلى مراد من كلمات حسين السيد وألحان عزت الجاهلي: "يا سارقني برموش العين، وشايلني بإيديك الاتنين".

ويواصل أحمد رجب سخريته من أغاني "زمن الفن الجميل" ويقول: ومن فصيلة الرموش المتكلمة، رموش تنادي عليك وأنت ماشي "فات رمشه الجريء وندهني"، كلمات مرسي جميل عزيز، وألحان كمال الطويل، وغناء عبد الحليم حافظ.

وفيه رموش مدربة على إلقاء السلام على الناس مثل الكلاب والقرود: "عينيك بتتكلم والرمش بيسلم وأنت مخاصمني"، كلمات عبد المنعم السباعي وألحان وغناء محمد عبد الوهاب.

وهناك الرمش الصنارة أو الرمش المشبك: "ورمش الأسمراني شبكنا بالهوى" كلمات محمد حمزة وألحان بليغ حمدي وغناء عبد الحليم حافظ.

وهناك الرموش الحيطة الذي تعلق فوقه اللافتات، فمن أغنية لعبد الحليم حافظ، كلمات عبد المنعم السباعي وألحان محمد الموجي: "مكتوب على جبينك.. وفوق رموش عينك.. الجنة للصابرين".

وفيه رمش "باركر 51" يستعمل في الكتابة بعد أن يملأ بالدموع كما في أغنية من ألحان وغناء فريد الأطرش ومن كلمات عبد الجليل وهبة: "جمعت لك دموع قلبي، وبرمش العين كتبتلك".

وإذا كان كوكب الأرض قد عرف الرموش الصناعية، فإن كوكب الإنسان الغنائي عرف الرموش الزراعية، فهذه شادية تقول من كلمات علي الباز وألحان محمد الموجي: "على شط عينك الحنية مزروعة رموش".

ويتحدث رجب أيضا عن علم "الرمشيولجي" في أغاني الزمن الجميل قائلا: "الرموش البحرية مصدر للكسب أيضا لأنها تعتبر من القوى المحركة للمراكب وزوارق الصيد، فيكفي أن يقف صاحب أو صاحبة الرموش البحرية في الزورق حتى تأخذ الزورق بمن فيه إلى داخل البحر، وهذا يبدو واضحًا في أغنية لمحمد رشدي التي يقول فيها "ورموشك مجاديف وخداني".

ومن أنواع الرموش البحرية أيضا، الرمش الشط وتكشف لنا عنه أغنية محمد رشدي من كلمات عبد الرحمن الأبنودي وألحان بليغ حمدي "اسمك عدوية يا صبية ورموشك شط،، وأنا طول عمري غريق في المية بانشال وانحط".

وفي الأشكال التشريحية المتعددة لرمش الإنسان الغنائي نلتقي بشكل متفرد من الرموش: الرمش السفلي في العين من ريش النعام، والرمش العلوي من شعر الانجوراه، وهذه الرموش معروفة باسم "الفرش والغطا" وهي تعتبر أيضا مصدر كسب لصاحبها، فهو يعمل عادة في الكوكب الغنائي جليس أطفال، وهذه الصورة مشروحة غنائيا في أغنية "اتقل" من كلمات فتحي قورة وألحان وغناء فريد الأطرش: "بين رمشين العين نيمته وبين رمشين العين غطيته".

وبعيدًا عن كتاب الأغاني للأرجباني، فمن شاهد منكم فيلم Midnight in Paris الذي تم عرضه في عام 2011 من إخراج وكتابة وودي آلن، وبطولة كل من أدريان برودي، وكارلا بروني، وماريون كوتيار، ورايتشل مكأدامز، وتوم هيدليستون، سيدرك ويتفهم أن ما تحدثنا عنه في السطور السابقة يعد أمرًا عاديًا ويحدث دائما وليس بجديد علينا، فدائما ما يكون هناك صراعات بين الأجيال المختلفة، ويعتقد كل جيل أن زمن الجيل الذي سبقه هو الزمن المثالي، ودائما ما يكون لدينا حب وشغف وحنين للماضي، ولكن الحقيقة المؤكدة أنه ليس هناك زمن مثالي وزمن غير مثالي، ولا يوجد زمن فن جميل وزمن فن غير جميل، وأن لكل جيل لغته وأدواته وطريقة تفكيره الخاصة به، ومن المستحيل أن يظل الإنسان حبيسًا في فترة ما بعينها.

تنويه- في المقال المقبل نستكمل بعض القراءات النقدية في أغاني ما نسميه "زمن الفن الجميل".

في عيد ميلاده.. هؤلاء الفنانون مطربهم المفضل حماقي

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل