المحتوى الرئيسى

الهدم للمرة 120.. شيخ العراقيب "المحتلة" يحكي عن القرية الفلسطينية المنكوبة

11/07 22:27

مع دقات السابعة صباح يوم الخامس والعشرين من أكتوبر المنصرف، داهمت قوات الاحتلال الإسرائيلي قرية العراقيب، في النقب –جنوب فلسطين، في غضون الساعة ساوت ما عليها بالأرض للمرة الـ120 خلال سبع سنوات. تلك الأعوام وحتى الهدم الأخير كان فيها الشيخ صياح الطوري، كبير العراقيب، شاهدًا على التصعيد كما لمس يومًا خيرًا لم يرد المحتل أن يبقى في أيدي أصحابه.

1250 دونم مساحة القرية الفلسطينية المحتلة–الدونم ألف متر مربع- غير أن 34 دونم فقط هي ما يسكنها قرابة 22 أسرة ممن يقاومون ببقائهم. داخل مقبرة مقامة منذ عام 1914 يعيشون بعدما قامت وحدة الجرافات بهدم القرية للمرة الأولى في السابع والعشرين من يوليو 2010.

"كان عندنا بيوت من الحجر والصفايح وعدة بيوت من الأخشاب وحياة ريفية منظمة على ما يرام" يصف شيخ العراقيب هيئة المكان قبل أن يختفي كل شيء، وتصبح الخيام المثبتة بالأخشاب مأوى الفلسطينيين على أرضهم، "يعافرون" بها من أجل دفع إسرائيل عن سلب الأرض ومواصلة النكبة.

سياسة تصعيدية على أهل منطقة النقب المحتل –جنوب فلسطين- ككل، خاصة تلك القرى البالغ عددها 45 ولا تعترف إسرائيل بوجود أصحابها في دولتها، ومن ثم لا تتوقف القرارات الصادرة بحقهم. يقول الطوري إنها بدت منذ التسعينات، لكن مع عام 2010 تجرأت وصارت "إعلان حرب وسياسة تهجير"، تمثلت في هدم المنازل وعقوبة أصحابها بالسجن والغرامات.

64 ملفًا جنائيًا لكبير قرية العراقيب لدى الأمن الإسرائيلي "في 2013 فتحوا لي 18 ملف في يوم واحد" يقول الطوري لمصراوي. تهم عدة تدور كلها حول أن الشيخ ذي الثامنة والستين عامًا "استولى على أرض الدولة بالقوة والسكن قرب الحدود"، بسببها تم اعتقال الطوري لعشرات المرات أخرها في سبتمبر المنصرف، بعدما قاموا بهدم خيام القرية "احتجزوني يوم واحد وفتحوا لي 7 ملفات جنائية"، من بينها مطالبته بدفع 2 مليون شيكل إسرائيلي إيجار الجرافات التي قامت بهدم القرية كل هذه المرات.

بعد عام من النكبة ولد الشيخ الطوري -1949- تربى على أرض العراقيب، نشأ على عاداتها البدوية وخيرها "زرعنا ما يقارب 4500 غرسة زيتون.عملنا قرية زراعية صارت مثل إلى النقب" يحكي الشيخ عن ألفينيات القرن الحالي، أما قبل ذلك استخدم الاحتلال سياسة المماطلة والتلاعب.

كان ذلك عام 1953؛ أصدر الحاكم العسكري الإسرائيلي قرار بإخلاء القرية بشكل مؤقت محدد بـ6 أشهر، لكن بعدها صدر قرار منعهم، حتى انتصر الفلسطينيون في معركة سبعينات القرن الماضي، عادوا على إثرها إلى أرضهم، حتى ظهرت "لعبة" أخرى تحمل اسم "الصندوق القومي اليهودي" الذي بدأ ظهوره عام 1997 وهو ما يحاول بشتى الطرق ضم العراقيب لدولتهم، كما رصدت مؤسسة "منتدى التعايش السلمي في النقب"، لكن "العراقيبيين" دومًا كانوا بالمرصاد رغم النتائج.

يتذكر الطوري مشهد الإزالة الأولى للقرية عام 2010؛ الجنود المدججة بالسلاح، يحصيهم بقرابة 1700 شرطي، وحدة "كوماندوز" –الأمن الخاص، حتى الطيارات الأباتشي الحربية يومها شوهدت لأول مرة في النقب "قوات لم يسبق لها مثيل ولو كانوا بدهم يعتدوا على دولة معادية تانية، لكانوا دخلوا علينا بمئات وألوف العسكريين"، ورغم ملحمة التصدي، غير أن الأجساد ما استطاعت أن تحمي غرسات وأشجار الزيتون، دنست الجرافات خضارها وخيرها.

لم يعد هناك وجود للزيتون والقمح والشعير الذي كان يقتات منه أهل العراقيب، إلا أن الزرع حال أصحابه يقاوم "بعض غرسات الزيتون اللي كانت عند سياج المقبرة بعد ما طلعتنا الجرافات طلعت"، فصارت أنيس لأهل المقابر أحياءً وأمواتًا.

أمام "حرب الجرافات" يزيد صمود أهل العراقيب، بالاحتجاج الأسبوعي، وعدم التوقف عن زراعة الأرض للحياة، غير أن سلطات الاحتلال ما تدع لهم مجال "يطلعوا بالطيران ويرشوا الأرض بالمواد السامة"، بينما يحاول الإسرائيليون زراعة الأرض خارج حدود 34 دونم التي يسكنها ما تبقى من أسر العراقيب، لكن الأهالي تمنعهم إلى اليوم.

"أحنا محبتنا في الأرض.. باقين حتى نثبت أننا لن نتخلى عن حقوق الشعب الفلسطيني" يقولها الرجل المسن، بينما يعدد أفراد أسرته المقيمين معه في الخيمة، التي يسكنها منذ 7 سنوات "12 فرد أحنا زي السمك في الصندوق على بعضنا بننام".

يملك الطوري –العشيرة الأساسية المكونة للعراقيب- من الأبناء15 والأحفاد قرابة 70، عزوة لأسرة واحدة تتمسك بالأرض، حال بقية العائلات، لذا بات لا مفر من احتمال قطع مسافة أقلها 80 كيلو مترًا، للعمل والتحاق الأولاد بالمدارس في مدينة رهط –شمال النقب، ثم العودة إلى الخيام أو المسجد الصفيح الذي تسكنه 4 أسر.

لم يصل تصعيد الاحتلال إزاء العراقيب إلى تعرض أحد الأهالي للقتل، يقول شيخ القرية إنهم حريصين رغم كل شيء ألا يعرضون حياتهم للخطر وحتى حياة قوات الاحتلال، فطيلة هذا العام لم يلق أحد مصرعه في النقب سوى يعقوب أبو القيعان من قرية أم الحيران، مطلع يناير المنصرف.

لكن حياة "العَراقيبيين" لا تختلف عن الأموات، ليس لبناء بيوتهم على أعتاب المقبرة، لكنهم منذ احتلال فلسطين ويعيشون على الأرض دون الاحتياجات الأساسية من مياه، كهرباء ومدارس، فيما يقبع على أقل من كيلو مترًا مستوطنات ُيُسخر لها كل شيء "كأن العربي ماله حساب في هذه البلاد ولا في أي قانون يحميه" بألم يقول الشيخ المسن.

يقبض الطوري على وثائق الأرض منذ حكم العثمانيين 1905، والاحتلال البريطاني من بعدهم عام 1917، إلى جانب الأوراق يورث أبنائه وأحفاده صمود شيخ مسن، وحب المكان الذي يعاني من النسيان، يعطيهم دروس في المقاومة بكافة الطرق، بداية من التمسك بالتراب إلى مجاراة الاحتلال فيما يزعمه من قانون "إلنا قضية ملكية لاتزال في أروقة المحاكم الإسرائيلية من 20 عامًا".

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل