المحتوى الرئيسى

كيف حمل اللاجئون الوطن في حقائب السفر؟

10/22 09:32

"الغربة عن الوطن في الظروف العادية تكون موجعة، فكيف تكون بحالة النزوح أو اللجوء القسري، أن تنتزع من أرض وطنك ومن حياتك عنوة، لتبدأ حياةً جديدة من الصفر في كثير من الأحيان، ووقتها لا يبقى لك سوى قطعة حديدة على شكل مفتاحٍ لمنزلٍ شعرت فيه بالامان يوماً، أو صورةً تخلّد ذكرى جميلة عشتها في لحظةٍ ما"،  تقول فريدة، السيدة في أول الثلاثينيات هذه الكلمات وهي تقلب مفتاحاً بين يديها.

فريدة التي تعيش في ألمانيا منذ سنتين بعد أن فقدت شقيقها الوحيد في قصف بسوريا، تقول "منذ قدومي إلى هنا، وأنا أعلق هذا المفتاح مع مفاتيح منزلي في ألمانيا، أشعر بالراحة، مع أن منزلنا في ريف حماه لم يعد موجوداً، إلا أنه الشيء الوحيد الذي يشعرني بالأمان، اشعر أن لي مكانٌ وسند، بعد أن فقدت كلَّ شيء".

تمسح فريدة دموعها، وهي تقلب صور ركام منزلها في سوريا، وتقول لـ"مهاجر نيوز" "لم أكن أفهم الفلسطينيين في سوريا عندما احتفظوا بمفاتيحهم لعشرات السنين، كنت أعتبر أن في الأمر نوعٌ من المبالغة، لكني بدأت أفهمهم، كيف يختصر الأمان بقطعة حديد، وكيف تصبح الطمأنينة مفتاحاً يفتح باب منزلٍ غير موجود".

صورة من الوطن تزين جدار غرفة أحمد

ليست فريدة الوحيدة التي اختزلت وطنها بقطعةِ ذكرياتٍ، إذ كان شال أم سامي الذي أخذه من حول رقبتها هو آخر ما حمله قبل وصوله إلى تركيا.

يقول سامي، الشاب العشريني، لـ"مهاجر نيوز" "عندما طلبت من امي وهي تودعني أن تفك الشال من حول رقبتها لآخذه، ضحكت وسألتني هذا نسائي، هل سترتديه، لكنها لم تعلم أنني كنت اريد شيئاً منها لأشعر أنها بقربي دائماً، أرتديه دائماً، حتى في الصيف، كلما اشتقت إليها أشمه، يذكرني بأمي وبوريا، وكلما شعرت بالضيق أنظر إليه".

كتاب توثيقي جديد عن اللاجئين، يتحدث عن قصص لاجئين من بلاد مختلفة، قدموا إلى ألمانيا. يتناول الكتاب معاناة هؤلاء اللاجئين في أوطانهم، وسبب قدومهم إلى ألمانيا، وما عانوه في الطريق إلى هنا، وكيف وجدوا الحياة في ألمانيا. (06.08.2017)

حتى الآن لايزال عدد كبير من اللاجئين يعاني من ضغوط كبيرة بسبب العيش في المخيمات. لكن اللاجئة السورية بسمة تؤكد أن معاناة المخيم تهون مقارنة بأهوال الطريق، الذي قطعته مع طفليها سيرا على الأقدام. (25.06.2017)

أما نور الواصلة إلى ليون الفرنسية حديثاً تقول إنها حملت معها كأساً تحبه أمها، لم يعني لها شيء لكنها أخذته لأن أمها تريد ذلك، ما يعني أنه سيبقى يذكرها بها إلى الأبد.

وتشرح نور لـ"مهاجر نويز" "لا أعلم لم حملت الكأس، ربما لا قيمة له، غلا أن أمي تحبه وهذه حصتي من هناك".

في حين كانت هدايا الحب الأول هي ما حمله عمر من دير الزور إلى دمشق ومن ذم من دمشق إلى تركيا وبعدها إلى ألمانيا، يخبرني عمر بلهجة حيادية "حملت معي شال وساعة كانوا هدية من بنت كنت أحبها، حملتُ كنزةً لأبي الذي قضى على يد داعش في دير الزور، ونظاراتٍ طبية كانوا هديةً من أمي، وكل أوراقي المهمة، هكذا اختصرت الوطن".

النقود بقيمتها المعنوية هذه المرة!

لا يمكن لأي لاجئٍ أن يعيش دون استحضار طقس الوطن، باكلةٍ ما، او ذكرى، كما ان الغالبية تختصر الوطن بقطعةٍ مادية تحملها كل ما يستطيعون من قيمٍ مادية.

وربما كانت نصف الخمسين ليرة سورية، هي ذات قيمةٍ أكبر من قيمتها الحقيقة لدى أمجد، الشاب العشريني، القادم من دير الزور في سوريا، يقول أمجد لـ"مهاجر نيوز": "لقد كانت نصف القطعة الورقية هذه هي آخر ذكرى فرحة عشتها في سوريا، فبعد خروجي من الاعتقال، قررت مغادرة سوريا، وجاء أصدقائي ليودعوني، وطلبت إحدى صديقاتي ذكرى قبل أن أغادر، ولم أجد شيئاً سوى قطعة نقدية فئة "الخمسين ليرة" فقسمتها إلى قطعتين وكتب كلٌّ منا للآخر كلمات للذكرى"، وكانت هذه القطعة النقدية هي الشيء الوحيد الذي حملته معي من سوريا مع جواز سفري".

كذلك كانت 15 عشر ليرة سورية المنسية في جيب بنطال رامي أثناء مغادرته سوريا إلى ألمانيا، هي ما تذكره بـ"هناك" الآن، بحسب ما يقول.

الطريقة التقليدية لاختزال الذكرى هي الصور، لكن حتى صور اللاجئين لها قصصٌ مختلفة، فأشرف وهو مصورٌ فوتوغرافي، يختزل ذكرياته بحوالي 15 صورة "بورتريه" لأصدقاءٍ قام بتصويرهم في اوقاتٍ وظروفٍ مختلفة.

ويقول أشرف لـ"مهاجر نيوز" "الصور كانوا الشيء الأخف وزناً والأكثر معنى بالنسبة لي، كانوا يذكرونني بعملي، وبآخر اربع سنوات قضيتها في سوريا، بمرسمي في مدينة حلب، ويجسدون احاديثاً تبادلتها مع أصدقائي، وبالتالي ذكرياتي، فقررت أنني سآخذ حائطي معي، وانتزعت الصور، ونقلتهم من دولةٍ إلى أخرى، وكنت اعلقهم في كلِّ مكانٍ استقريت به قبل وصولي إلى ألمانيا".

ويضيف اشرف "المضحك أن العديد ممن هم في الصور، لم اعد أتواصل معهم، فأصبحت علاقتي بالصور أقوى من علاقتي بأصحابها".

كذلك حملت منال صور بناتها وهن طفلات إلى سويسرا، وتقول منال "حملت الصور القديمة التي كانت مطبوعة على ورق لا الصور الالكترونية، فيها تفاصيل ناس وملابس وأماكن لا يجب أن تضيع، كما أن هذه الصور تختزل تاريخي، وتاريخ بناتي، مع اشخاصٍ أحبهم، لذلك حملتهم لأدع حفيداتي يتعرفن علينا عندما يأتين إلى الدنيا".

أما صورة دمشق القديمة المعلقة في غرفة احمد بتركيا كانت آخر ما اشتراه عن سبقٍ إصرارٍ قبل سفره، ليتذكر دمشق، ويقول أحمد "هكذا ببساطة يمكنني أن أبقى متذكراً".

لتختلف الحالات وليختصر الوطن بقطعةِ حلوياتٍ احياناً، أو قطعة ملابس، مع الكثير من الذكريات المترافقة بالرائحة والأصوات.

في عامي 2015 و2016 حاول ملايين الأشخاص الوصول إلى غربي أوروبا من اليونان أو من تركيا عبر طريق البلقان سيرا على الأقدام عبر مقدونيا وصريبا ومن ثم المجر. وتم إيقاف تدفق اللاجئين بعد إغلاق "طريق البلقان" رسميا وإغلاق العديد من الدول حدودها. وحاليا يأتي معظم اللاجئين عبر البحرالأبيض المتوسط الخطير من ليبيا نحو أوروبا.

هزت هذه الصورة العالم بأكمله. على أحد الشواطئ التركية تم العثور على جثة الطفل أيلان الكردي ذي الـ3 سنوات. وكان ذلك في أيلول/ سبتمبر 2015. انتشرت هذه الصورة على مواقع التواصل الاجتماعي وأصبحت رمزا لأزمة اللاجئين السوريين. وكان من غير الممكن لأوروبا إغفال الأمر أكثر من ذلك.

بعد أن علم اللاجئون أن طريق الهروب إلى أوروبا لن يبقى مفتوحا لفترة طويلة. حاول آلاف اللاجئين الصعود إلى القطارات والحافلات المزدحمة في كرواتيا. ب بعد فترة وجيزة أغلقت كرواتيا أبوابها وكان ذلك في أكتوبر/تشرين الأول 2015، وبالمقابل تم إنشاء حاويات لاحتجاز اللاجئين طيلة فترة تسير إجراءات اللجوء.

ضجة إعلامية واسعة أثارتها المصورة المجرية، حين ركلت لاجئا سوريا، عندما كان يحاول تجاوز حواجز الشرطة في منطقة روتسيغع بالقرب من الحدود المجرية حاملا معه طفله الصغير. وكان ذلك في سبتمبر/أيلول 2015. حتى في ألمانيا شهدت مراكز استقبال اللاجئين هجمات عدة من قبل أشخاص معادين للأجانب.

إغلاق طريق البلقان رسميا عام 2016 أدى إلى تصاعد أعمال الشغب على المراكز الحدودية، ما أدى إلى صدامات حادة بين اللاجئين ورجال الشرطة. فقد حاول كثيرون عبور الحدود اليونانية المقدونية بعد فترة وجيزة من إغلاقها.

طفل مصاب تغطي وجهه الغبار والدم. صدمت صورة الطفل عمران من مدينة حلب الرأي العام. وفي عام 2016 كانت رمزا للحرب الأهلية البشعة والأوضاع البائسة التي يعيشها السكان المدنيون. بعد عام انتشرت عبر شبكة الانترنيت، صور جديدة للطفل تظهر عليها ملامح البهجة.

لاجئ سوري يحمل طفلته تحت المطر على الحدود اليونانية المقدونية في إيدوميني، وكان يأمل لعائلته العيش في أمان في أوروبا. بعد تطبيق اتفاقية دبلن، ينبغي تقديم اللجوء في البلد الاوروبي الأول الذي يصل إليه اللاجئ. لذا يتم مؤخرا إعادة الكثير من اللاجئين، علما ان إيطاليا واليونان تتحملان أعباء كثيرة.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل