المحتوى الرئيسى

بالصور.. بطل ملحمة "إيلات" يروي لـ"بوابة العين" تفاصيل جديدة

10/21 22:32

الرائد نبيل عبدالوهاب، أحد أبطال مصر في تدمير إيلات

بوجه باسم حتى في أكثر مواقع شجنا في الحكاية، يروي الرائد نبيل عبدالوهاب، أحد أبطال البحرية المصرية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، تفاصيل نسف أسطورة إيلات.

عبدالوهاب ضفدع بشري مصري صاحب الدور المميز في عمليات تدمير ميناء إيلات الإسرائيلي، ولعل أهم تفاصيل دوره، حمله صديقه الشهيد الوحيد في العملية وقطعه 16 كيلو سباحةً به من ميناء إيلات وحتى العقبة.

"بوابة العين" الإخبارية حاورت الضفدع المصري حول تفاصيل عملية إيلات، وعلاقتها بالفيلم الدرامي الشهير، وفتشت بداخله لتكتشف أن العسكري المصري البحري الشرس، بداخله "فنان" من نوع خاص.

فيلم (الطريق إلى إيلات) أظهر هذا المعنى، كان فيلما جميلا لكنه في النهاية دراما، ليس تسجيليا، لذلك لم يعرض أكثر من 75 من الحقيقة، وضم تدمير السفينة إيلات والعمليات الـ3 الأخرى التي دمرت ميناء إيلات بالكامل، اختصرها كلها في عملية واحدة.

إغراق وتدمير السفينة إيلات تم بواسطة لنشات الصواريخ أمام سواحل بورسعيد، في 21 أكتوبر/تشرين الأول سنة 1967، عقب ما أطلق عليه الهزيمة التي وقعت في 5 يونيو/حزيران 1967، لكني أؤكد أن جيشنا لم ينهزم، لكنه فقط لم يأخذ فرصته فسموها هزيمة، بينما تولت الضفادع البشرية مهمة تدمير ميناء إيلات بـ3 عمليات ناجحة، بفاصل 3 أشهر بين الواحدة والأخرى، فكانت الأولى في نوفمبر/تشرين الثاني 69، الثانية في فبراير/شباط 70، والأخيرة في مايو/أيار 70.

أيضًا الأهداف كانت مختلفة؛ أغرقنا سفينتين داليا وهايدروما في العملية الأولى، وبيت شيفع وباتيام في الثانية، وفي العملية الثالثة دمرنا الرصيف الحربي لإيلات بالكامل.

حقيقة دخلنا إيلات 5 مرات نفذنا خلالها العمليات الـ3، ويعود الفضل للرأس المدبر قائد القوات البحرية آنذاك اللواء محمود فهمي عبدالرحمن الذي تمت ترقيته بعد وفاته لرتبة الفريق بواسطة المشير، الرئيس حاليا، عبدالفتاح السيسي عنما كان وزيرا للدفاع، حيث استخدم كل أفرع البحرية في إزعاج العدو، حتى نسوا النوم، استخدم المدمرات في ضرب رمانة وبالوظة، حافظ على زرع غواصتين باستمرار أمام موانئ العدوّ "حيفا" و"أشدود"، يستبدلهما كل 20 يوما يتم تغييرهما بغواصتين أخريين أمام موانئ العدو، حتى وقت إغراق المدمرة إيلات لم يكن قد تولى القيادة بعد لكنه كان رئيس عمليات القوات البحرية وكان مهندس العملية ومصمم الخدع التي سهلت ضربها.

قبل العملية الأولى، أراد قائد القوات البحرية محمود فهمي، ضرب إسرائيل في الشمال بالمدمرات في رمانة وبالوظة ويضربها في الجنوب (ميناء إيلات) بالضفادع البشرية، ومثلما أظهر فيلم الطريق إلى إيلات، التخطيط كان رائعا، معداتنا وصلت الموقع عن طريق العراق في منطقة الحبانية، ومن هناك إلى الأردن وهناك كانت المجموعة المنفذة، ودخلنا الأردن حينها بغرض السياحة، ذهبنا للعاصمة عمّان والتقينا المجموعة التي أتت لنا بالمعدات، ونزلنا من نقطة في الصحراء بحدود الأردن والسعودية، على بعد 24 كيلو من إيلات، نزلنا بقارب "زودايك" أو قارب مطاطي، ووصلنا ميناء إيلات 9 نوفمبر/تشرين الثاني، وكان حظنا عسر في هذا اليوم؛ حيث لم نجد سفنا يومها؛ إذ كانت سفنهم تبيت أحيانا في ميناء إيلات وأحيانا أخرى في شرم الشيخ بحكم احتلالهم سيناء في ذلك التوقيت.

انزعجنا بشدة لكننا عدنا بعد أسبوع، ونفذنا العملية في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 1969، بعد إجراء الاحتياطات التي تضمن إصابة الهدف هذه المرة.

كانت هذه شيفرة البدء بالفعل، لم يكن لدينا استعداد للفشل، ولنضمن وجود سفن في ميناء إيلات كانت هناك نقطة مراقبة على حدود العقبة إيلات، بعلم السلطات الأردنية تستطيع كشف الميناء، وكانت تفعل ثم تتواصل مع المخابرات في القاهرة عبر جهاز الـssb، والقاهرة كانت توصل لنا المعلومة عبر شفرة في الراديو، كانت موجة إذاعة صوت العرب مسموعة في الأردن، وتم تبليغنا بأنه في اليوم المحدد للتنفيذ ستتم إذاعة إحدى أغنيتين، في حال أن تكون السفن راسية في الميناء ستُذاع أغنية (بين شطين وميه) ويتم التنفيذ، وفي حال خلوّه وتأجيل العملية ستذاع أغنية (غاب القمر يابن عمي) للفنانة شادية.

بالفعل ذهبنا ليلة 16-17 نوفمبر/تشرين الثاني ننتظر على جمر (بين شطين وميه) وقد كان ونفذنا؛ حيث كانت هناك سفينتان للعدو في الميناء، داليا وهيدروما، لغّمناهما وغرقتا.

كان الخسارة الوحيدة، وسقط في العملية الأولى، الفيلم الشهير أظهر ذلك لكن بطريقة خاطئة، فالشهيد لم يسقط برصاص العدوّ وإنما ببطولة عظيمة تبرز عقيدة الجندي المصري الذي انتصر فيما بعد في أكتوبر المجيد.

في رحلة تلغيم الأهداف كنا نغطس في مجموعات، الواحدة مكونة من ضابط وصف ضابط، حتى إنه كان يتم ربطنا بحبل اتصال حتى لا نضلّ عن بعضنا ليلًا، وكان الرقيب فوزي البرقوقي رفيقي في المجموعة.

كنا نغطس أيضا بأجهزة هي دائرة مغلقة حتى لا تظهر لنا فقاعات فيكتشفنا العدو، نتنفس غاز الأوكسجين الصافي وخطورته أنه يحدث تسمم أوكسجين إذا ما تعمق الغطاس أكثر من 10 أمتار.

وبينما توجهنا معا نحو السفينة داليا، لاحظت شفافية الماء في منطقة الميناء، وكانت هناك إضاءات متدلية من السفينة وأفراد العدوّ يتحركون فوقها وأنا في العمق أرى كل ذلك بوضوح، وتزيد احتمالية كشفنا، فكان الحل أن نغطس على عمق أبعد قليلًا من الأمتار الـ10.

كل منا معه لغم مكلف بزرعه في السفينة، زرعت لغمي بمنتصف المركب ما قد يكون فوقه مخزن ذخيرة مثلا، ونحن في الاتجاه لزرع لغم البرقوقي في مؤخر السفينة شعر البرقوقي بحادث التسمم يقترب منه بضيق التنفس، الحادث يقتل الغطاس خلال دقيقتين، لكن علاجه بسيط وسهل، أن يخرج فوق سطح الماء ويتنفس الهواء الطبيعي وينجو بحياته، وفي المقابل تنكشف العملية بأكملها ويتم القبض على باقي المجموعات التي توجهت لتفجير السفينة الأخرى، فما كان من رفيقي إلا أنه اختار الحل الأصعب!

اختار أن تنجح العملية وتنجو مصر ويموت هو، وبالفعل غرس لغمه بمؤخر السفينة، وأشار لي بحلول النهاية، وبمجرد أن طفونا على سطح الماء كان قد استُشهد البرقوقي الذي كان قريبا جدا إلى قلبي رغم أنني كنت على درجة ملازم أول وهو رقيب، لكنه، كان في نفس سني 21 ربيعا، وكنا نتلقى التدريبات معا.

في أقل من ثانية، قررت العودة سويا إلى مصر كما خرجنا سويا مهما كانت المخاطر، فالعدو محترف إعلاميا وسيمثل بجثمانه، ويُشهر بالعملية ويظهر العكس وكأنه المنتصر، ليس ذلك فقط وإنما لأنني تمنيت أن يُدفن في وطنه.

كان مقررا لنا أن نصل للشاطئ في موعد محدد حتى نستقل القارب المطاطي الذي ينتظرنا والذي ينصرف إذا مر الوقت المحدد ليتمكن من العودة لنقطة الارتكاز قبل ظهور الضوء الأول، بالطبع لم أستطع الوصول في الموعد لأنني كنت أحمل زميلي البرقوقي وأسبح به، فكان معدل سرعتي أبطأ من المعتاد، ولكنني نجحت بفضل الله من قطع 16 كيلو سباحةً، وهي المسافة بين ميناء إيلات وشاطئ العقبة الأردني.

خرجنا من البحر على شاطئ قرية سياحية مهجورة لظروف الحرب، جعلت زميلي مستلقيا على الشاطئ وأخذت بالبحث عن مخرج، كادت أن تشتبك معي نقطة حرس الحدود لكن أخبرتهم أننا ضباط في البحرية المصرية، ونفذنا العملية التي تشتعل نيرانها في الخلفية ضد العدو؛ حيث كانت داليا قد انفجرت وأنا في الطريق إلى الشاطئ، وما كان منهم إلا الترحيب الشديد، واستضافونا ليومين حتى عدنا إلى مصر.

فجرنا فيها سفينتين أيضا لأسباب سبقتها؛ فمصر بها نقطة على البحر الأحمر تسمى"الزعفرانة" ضعيفة وبها رادار فقط وغير مجهزة للحرب، جاء العدو بناقلة الدبابات "بيت شيفع" تحمل 8 دبابات و3 عربات مدرعة، واقتحموا الزعفرانة، وقتلوا كل من بها واقتلعوا جهاز الرادار وأخذوه أمام إعلامهم بغرض أن يظهروا غزوهم لمصر، فكان قرار القيادة بتدمير سفينتهم بيت شيفع، وبالفعل خرجت مجموعتان من الضفادع البشرية المصرية، لغّموها وسفينة أخرى هي "باتيام" ناقلة جنود، وغرقتا كلتاهما.

بعد العملية الثانية مباشرة استجوبوه في الكنيست، انزعجوا كثيرا لأن عمليات إيلات الأولى التي تُنفذ داخل إسرائيل منذ سنة 1948، قالوا له في الاستجواب ما بال الضفادع المصرية تدخل وتخرج من الميناء دون سيطرة، وتعهد ديان آن ذاك بعدم مرور "صرصار مصري" هذه اللحظة، واستخدم هذا الوصف تحديدا للضفادع المصرية، ولم يمض أسبوعان، ودخلنا إيلات للمرة الثالثة.

وضع شِبَاكًا على مدخل الميناء، تفتح نهارا لدخول السفن وتغلق في المساء لأن هذا التوقيت الذي تعمل فيه الضفاضع المصرية، لكننا قصصنا الشباك، أيضا منع السفن من المبيت داخل الميناء لكننا تغلبنا على ذلك بألغام ذات مؤشر وقت يمكن تفجيرها بعد 12 ساعة من زرعها.

في العادة كنا نستخدم ألغاما فئة 50 كيلو تزن صفرا في الماء، والمادة المتفجرة فيها تي إن تي، فأصبحنا نستخدم لتهديدات موشيه ديان ألغاما فئة 125 كيلو ومادتها التفجيرية (هكسوجين) طاقتها التدميرية أقوى مرة ونصف من الأولى.

وفقا للخطة الجديدة نذهب للميناء مساء لا نجد سفنا، فنزرع الألغام على قاع الرصيف الحربي بجانبه تماما، جنب الرصيف ونضبط "التايمر" على 12 ساعة، نشد التيل 12 بالليل، فتنفجر السفن 12 ظهرا بعد أن تستقر صباحا في الميناء، القوة التدميرية ستغرقها أو على الأقل تتلفها فتبقى في موقعها حتى يتم تلغيمها وتفجيرها مباشرة.

الحيلة الثالثة لموشيه ديان أنه ضاعف العبوات العشوائية التي تنفجر تحت الماء لتقتل الضفاضع البشرية، لكننا لم نتأثر، رغم أن هذه العبوات أحدثت ضررا بالألغام وفككت الأجهزة، لكن قياداتنا علمونا أن نقول في مثل هذه المواقف الحرجة: (وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون)، في ذلك الوقت ألغامنا طفت على وجه لماء رغم وزنها الصفري داخل الماء، ألغام وزنها صفر، لكن تغلبنا على ذلك بربطها بحزام الأثقال الذي كنت نلبسه، فأعدنا تغطيس اللغم، وزرعناها في القاع جانب الرصيف، لكن مؤشر الوقت هو أيضا فسد، وبدلا من أن ينفجر 12 ظهرا انفجر الأول 7 صباحا، لم تكن السفن قد حضرت بعد لكن أحدث قوة تدميرية هائلة 125 دمرت الرصيف الحربي لإيلات تماما، وكجراء اعتيادي نزلت ضفادعهم لتكتشف الأسباب، فانفجر اللغم الثاني الساعة 9 صباحا ليقتل 14 ضفدعا منهم.

كانت النتيجة أعظم مما خططنا، وأسوأ لهم مما تخيلوا، فأكثر ما يزعجهم خسارة الجنود خاصة الضفدع التي يتم انتقاؤه بعناية وتأهيله كأفضل ما يكون.

إسرائيل أشاعت دائما أن جيشها لا يُقهر لأنهم انتصروا في 67، 56، 48، وقالوا إن جيشهم له اليد الطولى لما نفذوه من عمليات بحر البقر وأبوزعبل في العمق المصري، لكننا أردنا أن نثبت لهم أن الجيش المصري صاحب يد طولى وهو أيضا لا يُقهر، فضربناهم في العمق (إسرائيل 48).

لانه دمج العمليات الـ3 في واحدة، فلم تكن الأدوار ظاهرة كما يجب باستثناء دوري أنا والشهيد البرقوقي، لأنها حالة شهادة واحدة، مثّل دوري الفنان ناصر سيف، بينما مثل الراحل عبدالله محمود دور الشهيد البرقوقي، حضرت التصوير في ميناء أبوقير بالإسكندرية وتأثرت بشدة وقت تمثيل هذا المشهد.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل