المحتوى الرئيسى

4 أقنعة داعشية تفك شفرة هجوم العريش من «الكمين» إلى البنك

10/21 21:20

من النسخة الورقية لجريدة "اليوم الجديد" 

- ضرب نوافذ التمويلات يعيد التنظيم المنهار إلى فقه السطو المسلح

- الانتقام لقنص قيادات بيت المقدس والغضب من التوافق الحمساوى المصرى

- إغلاق غزة يضرب أنفاق الدعم اللوجيستى وتهريب الأفراد والسلاح

- داعش أصبح أقرب لخلايا إخوانية صغيرة لا تجد من يدعمها

دلالات العمليات الإرهابية، وبخاصة تلك التى تطفو على السطح من حين إلى آخر بسيناء، أعمق بكثير من فكرة وقوعها بالأساس.

الهجوم المتكرر على ارتكاز أو كمين كرم القواديس ليس أكثر من مثال فى حد ذاته لمحاكاة اعتيادية من قبل جماعات العنف المسلح، لأجل فرض واقع دعائى عن اضطراب بقعة بعينها فى مصر.. الأهم أنه نموذج لعقيدة تصر على التصميم وعدم العودة عن الهدف ولو كلف ذلك أصحابها الفناء نفسه، وفى هذا مكمن خطر كبير.

ببساطة، إصرار جيوب الدواعش فى سيناء على رفع رايات الحرب، ولو من باب الشو الإعلامى، إنما يعقد ويطيل من معركة مواجهة الإرهاب على ضفاف النيل. فطالما أن عجلة الدم تدور، فبالقطع ستجد ملتحقين جدد ينضمون لحفلات الترويع المفتوحة.

ما جرى، أنه على مدار يومين شهدت شوارع وطرق عدة بالعريش محاولات حثيثة من قبل الدواعش لشن حرب عصابات وتفزيع، فيما كان الهدف من الهجوم متعدد الأوجه.

هكذا يجب أن تقرأ الصورة عبر رحبة أوسع من مجرد الحدث الذى أوقع عددًا من الشهداء المدنيين والعسكريين، فيما سقط كذلك عشرات من الإرهابيين برصاص الأمن.

إن أول وجه لما جرى بالعريش يتعلق برغبة تنظيم داعش المركزى المنهار فى معاقله التقليدية، بسوريا والعراق، فى الهروب إلى رحابات فرعية كسيناء وليبيا وأفريقيا، لبث الثقة فى نفوس عناصره المهزوزة، وكذا تخفيف الضغط على الكيان الأم.

وفى وجه آخر، ربما هاله توصل حماس لتفاهمات أمنية وسياسية مع القاهرة، أدت إلى إتمام المصالحة الداخلية الفلسطينية، ومن ثم وقوف الحركة كشوكة فى طريق عالم تهريب السلاح والعتاد والمقاتلين عبر الأنفاق، مع اغلاق منافذ غزة التى كان يتسلل من خلالها الدواعش من القطاع إلى سيناء، ناهيك بنهاية زمن الدعم اللوجيستى لقوى الإرهاب والتطرف فى شبه الجزيرة المصرية، والذى كان يأتى سخيًا إبان الشقاق بين الفصيل الإسلامى القابع على الحدود الشرقية لمصر، وبين القيادة فى الأخيرة.

ربما من الأوجه المحتملة للمحاولات الإرهابية الأخيرة، هو الانتقام، جراء عمليات التصفية الواسعة التى تقودها الأجهزة الأمنية المصرية فى سيناء فى حق قوى الإرهاب والتطرف من الدواعش، ومن بينها قادة مختصون بالتجنيد والإمداد والتسليح والدعم التقنى وهكذا.

لكن ما يستلفت الانتباه، ليس فقط تكارار الهجوم على بعض الأهداف، ككمين كرم القواديس، ولكن وذلك هو الأهم، وقوع حادثة سطو وسرقة لخزينة بنك على هامش الهجوم. ذلك وجه غاية فى الأهمية لو لم يدرك كثيرون.

لا إرهاب بدون تمويل.. ولا دماء بدون منابع صرف.. ولا ترويع من دون عطاءات سخية مسمومة، أو حتى تم تسميمها بعد أن تم السطو عليها.

بالقطع الأمر يتعلق بالرغبة فى الترويع من جانب الدواعش، وكذا توفير السيولة المالية التى قد تؤمن لهم العتاد اللازم، فكان الهجوم على فرع البنك الأهلى، ولو كانت الواقعة قد جرت بالصدفة، كما يحاول أن يروج البعض.

هنا ملاحظة، أن الضربات العنيفة من قبل الجيش والشرطة فى سيناء، إنما دفع التنظيم المتهاوى إلى التفكير فى مصادر تمويلية جديدة، على طريقة الخلايا والفصائل المسلحة الصغيرة خارج سيناء.

فالأعوام القليلة الماضية كشفت كذلك عن نمط آخر لتمويل الخلايا والتنظيمات الدينية المسلحة الصغيرة وغالبيتها إخوانية أو سلفية الهوى، يمكن تسميته بالتمويل الذاتى، الذى يعتمد فى مجمله على انتهاج تلك الكيانات لقائمة من الجرائم الجنائية، كالاختطاف والسطو المسلح والسرقة بالإكراه وتزوير المستندات المالية وغيرها.

المفارقة، أن تلك الجرائم صارت كأمور مشرعنة بمنهاج وفتاوى مؤولة من جانب شيوخ وأئمة ومفتيى الإرهاب، سواء كان الأخير داعشيًا أو إخوانى الهوى على طريقة الخلايا النوعية المتسربة من معية التنظيم رغمًا عنه أو بالطناش من جانبه فى إطار حربه مع الدولة.

وعمومًا، فإن الجهد الأمنى فى سيناء قد أفرز خلال الفترة الماضية حقيقة، مفادها أن الدواعش صاروا قليلى الحيلة ماليًا.

لكن لفهم تلك المعضلة وتداعيتها، فلا مفر إلا الوقوف أمام بعض المحطات المهمة. فالإرهاب السيناوى مثلًا تمكن على مدار السنوات الثلاث الماضية، وبالأخص فى المراحل الأولى من نشاطه، قبيل التدخلات الحاسمة للجيش لضبط الأوضاع على أرض الميدان، من صناعة تحالفات تمويلية محلية وأخرى عابرة للحدود..

الجماعات المسلحة استفادت من عصابات التهريب ونسقت معها وشاركتها فى عملياتها فى بعض الأحيان، بيد أن الأنشطة تعددت وتنوعت وفق دراسات تحليلية وميدانية، بين تهريب السلاح والمخدرات، وتجارة البشر والأعضاء، فضلًا عن تسهيل الهجرات غير الشرعية بالنسبة للأفارقة إلى إسرائيل مقابل الحصول على فيدية.

أضف إلى ذلك وجود تمويلات خارجية متدفقة جراء بيعة أنصار بيت المقدس لتنظيم الدولة الإسلامية ومن ثم تحول الأول إلى ولاية سيناء فى خربف العام 2014.. الكيان المركزى وأحباره طالما دعوا علانية لدعم جنود الخلافة المزعومة على ضفاف النيل، ناهيك بالتعاون السابق مع حماس وأنفاقها.

تمويلات أخرى جاءت من الجماعات الإرهابية النشطة بليبيا، فضلًا عن ملايين الدولار من الدول الراعية للإرهاب، والتى تسهدف عادة وعلانية الدولة المصرية ونظام حكمها.

إن خريطة التمويلات الإرهابية فى مصر، على مدار السنوات الأربع الماضية على الأقل، تبدو شديدة التداخل والتفاصيل مزدحمة المصادر والمفاجآت فى آن واحد.

معلومات متداولة بشأن عمل لجنة حصر أموال الإخوان تشير مثلًا إلى أن الأخيرة سلمت بلاغات إلى نيابة أمن الدولة العليا، تفيد بوجود دلائل مثبتة عن تحويلات بنكية تخص الجماعة وأذرعتها العنيفة النشطة على الأرض من خلايا نوعية وخلافه، تقدر بقرابة 6 مليارات جنيه، حوتها مستندات وشيكات إيداعات تخص عناصر غير مرصودة أمنيًا فى مصر، تم إرسالها إليها انطلاقًا من قطر أو تركيا، ولكن عبر بنوك أجنبية وسيطة لها أفرع فى باريس ولندن وعدد من المدن السويسرية، على أمل أن يتم تغطيتها لتمر من خلال الجهاز المصرفى والبنك المركزى للقاهرة، دون معوقات.

حسب اللجنة أيضا، فإنه أمكن رصد موظفين رفيعى المستوى فى بنوك محلية وأجنبية بمصر تقوم على رعاية تلك التدفقات الدموية حتى تصل لوكلاء التوزيع على الخلايا والكيانات المتطرفة، سواء المشتغلة ضمن عجلة الإرهاب والعنف، أو تلك العاملة فى معية قنوات التحريض السياسى والإعلامى.

أضف إلى ذلك ما تم اجهاضه خلال الفترة الماضية من تدفقات تمويلية محلية تقليدية للإخوان على وجه التحديد، كالمدارس والمستشفيات ودور المناسبات وشركات الصرافة ومحال تجارية ومصانع من كل شكل ولون، مملوكة لقادة فى التنظيم بينما هدفها الأساسى توفير السيولة التمويلية بالملايين لأنشطة الجماعة المعلنة والمستترة.

وكانت اللجنة أعلت قبل أشهر عن تقديمها نحو 530 بلاغًا منذ إنشائها إلى الجهات القضائية المختصة، ضد العشرات من قادة وكوادر الإخوان وحلفائهم لاتهامهم بتمويل الأعمال الإرهابية والإضرار باقتصاد البلاد، حيث تم قيدها جميعًا تحت رقم 653 لسنة 2017.

اليوم لا يصل داعش تقريبًا أى تمويل مباشر، لا من حماس، ولا من التنظيم الأم، ولا عبر وسطاء ووكلاء جماعات تدعم المقاطعة، ولا حتى من خلال ملايين التنظيم الدولى للإخوان، ومن ثم فهو يلجأ إلى الألعاب الصغيرة، كالسطو على المحال التجارية والبنوك ومكاتب الصرافة.

الأمر نفسه يتكرر مع الخلايا ذات الجذور الإخوانية، أو تلك الهجينة من «حازمون» والسلفيين وبواقى الجماعات الجهادية التقليدية، جميعها لجأت مرات للسطو على مكاتب البريد وتحويل الأموال وأفرع مكاتب البريد، وما شابه.

وعمومًا تورط العشرات من دواعش سيناء فى جرائم الاستيلاء على سيارات نقل الأموال وسيارات البريد، أو السطو على ماكينات الصرف الآلى، فى عدد من المناطق والأحياء المتفرقة بمختلف أنحاء الجمهورية، ومن بينها عمليات فى أبو صوير والمطرية وبلقاس والتجمع الأول والشيخ زايد والقنطرة غرب.  

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل