المحتوى الرئيسى

«المصرى اليوم» فى مقابر ضحايا «روميل» و«مونتجمرى» | المصري اليوم

10/21 00:07

وقعت معركة العلمين الثانية فى 23 أكتوبر 1942، وانتهت فى 11 نوفمبر من نفس العام، وخلال الحرب شهدت المعركة انتصار حاسما للحلفاء ومثلت نقطة تحول لحملة الصحراء الغربية، فبعد أن فشل القائد الألمانى إرفين روميل، فى اختراق الخطوط البريطانية فى معركة «علم حلفا» لم يكن أمامه ما يفعله سوى انتظار الهجوم البريطانى التالى على أمل أن يقوم بصده على الأقل، وفى يوم 23 سبتمبر 1942 سافر روميل إلى ألمانيا لتلقى العلاج، تاركاً وراءه جورج فون شتومه، قائداً لقوات المحور فى شمال أفريقيا، وفى 24 سبتمبر، أثناء طريق العودة، التقى روميل بالزعيم الإيطالى بينيتو موسولينى، وشرح له مشاكل الإمدادات فى الجبهة، وأنه لو لم تصل الإمدادات إلى المستوى المطلوب فسيضطرون للتخلى عن شمال أفريقيا، إلا أن موسولينى بدا عليه، وفقاً لروميل، عدم تقديره لخطورة الوضع.

البريطانيون، استمروا فى تعزيز موقفهم وتلقى الإمدادات من بلادهم والولايات المتحدة، ولم يكن على هارولد ألكسندر، قائد القوات البريطانية فى الشرق الأوسط، وبرنارد مونتجمرى، قائد الجيش الثامن البريطانى، سوى اختيار الوقت الذى يناسبهم للهجوم، وكانوا متفوقين فى كل المجالات على قوات المحور، وهو لا يشابه الوضع فى معركة «عين الغزالة» حيث كانت قدرات الطرفين متكافئة، إضافة إلى ذلك كان طريق الإمدادات قصيرة بالنسبة للبريطانيين، حيث يبعد ميناء الإسكندرية حوالى 110 كيلومترات عن الجبهة، ويبعد ميناء السويس حوالى 345 كيلومترا عن الجبهة، أما بالنسبة للمحور فإن أقرب ميناء وهو طبرق يبعد أكثر من 590 كيلومترا عن الجبهة، كما يبعد ميناء بنغازى أكثر من 1050 كيلومترا، ويبعد ميناء طرابلس أكثر من 2100 كيلومتر، كما أن طريق الإمدادات بالنسبة لقوات المحور يتعرض للغارات من جزيرة مالطة، ومن الفدائيين فى الصحراء، ما أدى إلى سقوط آلاف القتلى من قوات المحور وهزيمتها.

«المصرى اليوم»، زارت مقابر ضحايا معركة العلمين من كل الأطراف، وبدأت الزيارة بمقابر الإيطاليين، التى تقع على ساحل البحر المتوسط غرب مدينة العلمين بعدة كيلومترات، وتتميز مقابر الإيطاليين بطابعها المعمارى الفريد، حيث تم وضع كل رفات الجنود والضباط فى صناديق صغيرة، كل صندوق مدون عليه اسم الضابط أو الجندى ورتبته والمكان وتم وضعها فى مكان مرتفع للغاية أشبه بالبرج الضخم.

التقينا حمد الله فرج، المشرف على إدارة المقابر الإيطالية منذ عام 1972، لنعرف قصة هذه المقابر أثناء تجوله معنا بداخلها، فيقول: أعمل هنا منذ 45 عاماً فقد ورثت هذه الوظيفة فى المقابر الإيطالية أباً عن جد، لأن الأرض التى تقع بها المقبرة ملك قبيلتى، عام 1949 بدأ المقدم «بولو كاتشيا دومنيونى»، كان مهندساً ورساماً ومؤلفاً وكان ضابطاً عاملاً فى القوات الإيطالية فى العلمين وهو من عائلة أرستقراطية كبيرة فى إيطاليا، أخذ على عاتقه جمع رفات زملائه الضحايا الذين سقطوا بكثرة فى العلمين خلال الحرب العالمية الثانية، وبالفعل جمع الكثير من الرفات ودفنهم فى معظمه هنا فى هذه الأرض، ولكنها كانت معظمة «تحت الأرض» مثل مقابر الكومنولث وكذلك مقابر المسلمين، وبنى المقدم «بولو» هذه المعظمة على نفقته الخاصة، لكن الحكومة الإيطالية أصرت على دفع النفقات له فيما بعد.

وأضاف «فرج»، أن الضابط الإيطالى اختار هذا المكان لبناء المعظمة لأنه أول مكان لدخول القوات الإيطالية إلى العلمين عن طريق البحر، حيث تقع هنا «Q33»، وهى أول نقطة وصلوا إليها ثم أقاموا عليها مقراً للقيادة، لأنها مرتفعة عن مدينة العلمين ويستطيعون رؤية معظم المدينة من أعلى، مشيراً إلى أن الضابط الإيطالى عاش فى هذه المقابر بعد إنشائها حوالى 10 سنوات إلى أن رحل إلى بلاده عام 1958، ثم عاد بعد 20 عاماً أخرى لزيارة المقبرة، كان عمره وقتها وصل 90 عاماً، إلى أن توفى بعدها بعدة سنوات.

وتابع: «حمد الله»: متعلقات الضابط الإيطالى الذى أسس المقبرة موجودة فى المتحف الخاص به هنا كما هى، مشيراً إلى أن هذا الضابط المهندس دفن رفات زملاءه تحت الأرض حتى عام 1956 إلى أن بنى البرج، وافتتحه المشير عبدالحكيم عامر ورئيس الوزراء الإيطالى «فانفاني» عام 1956 وصمم به أرفف كل رف به رفات جندى أو ضابط مرتبة حسب الترتيب الأبجدى وليس الرتبة، ومدون على قطعة الرخام الخارجية اسم الضابط وتاريخ ميلاده ومكان وتاريخ العثور على جثمانه، أما المجهولون فمدون على رفاتهم ما يشير إلى ذلك، لافتاً إلى زيارة كثير من المشاهير والرؤساء هذه المقابر من بينهم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وجوزيف تيتو الزعيم اليوغزلافى، والرئيس الأسبق مبارك وجعفر نميرى وحافظ الأسد والشيخ زايد وجيهان السادات، بالإضافة إلى 4 من رؤساء الجمهورية الإيطالية.

وقال «حمد الله»: هناك رحلات تنظمها جامعات ومعاهد عليا وكليات وينتهزون الفرصة ليشاهدوا المتحف والمقبرة الإيطالية، مشيراً إلى أن المكان به برج الرفات ارتفاعه 36 متراً، وعرض الجناح الشرقى حوالى 12 متراً وكذلك الغربى، ويحتوى البرج على 4800 رفات للجنود والضباط من أصل 38 ألف مفقود إيطالى فى الحرب العالمية الثانية، ومن ضمن الرفات فى البرج 1300 رفات مجهولة الهوية ولكنهم إيطاليون، و3500 معلوم كافة بياناتهم.

وأوضح، أنه أيضاً توجد المقبرة الليبية بها 228 رفات جندى ورقيب حاربوا مع الإيطاليين فى هذه المعركة، وملحق بها مسجد صغير للصلاة ثم المتحف وصالة فيديو وبقايا مستخدمات الحرب والدبابة التى توجد فى المدخل تمت إعادة ترميمها على هيكل خرسانى، ويوجد صالة لكبار الزوار، لافتاً إلى أن من يتولى إدارة المقبرة حالياً هو الضابط البحرى أنطونيو كارديناللى، ويتم تقسيم إدارة المقبرة بين القوات البرية والبحرية والجوية، بحيث يدير ضابط من أحد هذه الأسلحة لمدة 3 سنوات ثم ضابط آخر من السلاح التالى لمدة مماثلة وهكذا.

وأوضح «فرج» فى يوم 21 أكتوبر من كل عام يقام قداس بحضور السفير الإيطالى ومعظم سفراء دول العالم، ويلقون كلمات عن الحروب وويلاتها، ويحضر قائد المنطقة الشمالية العسكرية، ويضعون أكاليل الزهور، ويحضر المحافظ نيابة عن رئيس الجمهورية، ويوقع جميع الحضور من سفراء وقناصل وملحقين عسكريين فى «الجولدن بوك»، كما كان يحضر سفراء العالم وملاحق عسكريين وقناصل، يوقعون فى الجولدن بوك، ويأتى كبار المسؤولين للجلوس معى فى منزلى إذا كانت الزيارات غير رسمية، لافتاً إلى أنه هذا العام كان المفترض يأتى للزيارة آخر محاربين قديمين شاركا فى الحرب العالمية الثانية هنا، لكن أحدهما توفى، وفى هذا العام سيأتى آخر جندى على قيد الحياة ممن شاركوا فى هذه الحرب، بينما أهالى الضحايا نسوا أقاربهم لأن الجيل الثالث هو الموجود حالياً بعد الضحايا.

تركنا «حمد الله فرج» وتوجهنا عبر طريق العلمين تلك الأرض التى شهدت انتصار قوات الحلفاء بقيادة مونتجومرى على قوات المحور بقيادة روميل، توجهنا إلى المقابر الألمانية على بعد مسافة حوالى 5 كيلومترات من نظيرتها الإيطالية، هناك التقينا عبدالرؤوف واعر، الرجل السبعينى المسؤول عن المقابر الذى رفض الحديث، وطلب من ابنه عبدالمنعم أن يتجول معنا ويتحدث معنا عن المقابر وتاريخها، فقال: إن المقبرة الألمانية والتى يطلق عليها «المعظمة الألمانية» تقع ضمن منطقة تل عيسى على ساحل البحر المتوسط، ويوجد بها جثامين ورفات أكثر من 4200 جندى ألمانى من قتلى الحرب العالمية الثانية، مشيراً إلى أن المقابر الألمانية تم إنشاؤها على شكل قلعة، وهى مقسمة إلى 8 غرف، هناك 7 غرف تضم كل واحدة منها 600 جندى، فى حين تضم الغرفة الثامنة 80 جنديا مجهولا.

وأضاف «عبدالرؤوف»، أن الجنود الألمان والإيطاليين كانوا مدفونين من قبل فى مقبرة واحدة، وفى عام 1956 قررت الحكومة الألمانية بناء مقبرة خاصة للألمان، كما قررت الحكومة الإيطالية نفس الموقف، وتم نقل رفات الجنود الألمان، حيث كان مسجلاً اسم كل جندى وتاريخ ميلاده وتاريخ وفاته، كان قد جمعها وسجلها ضابط إيطالى بقى على قيد الحياة، مشيراً إلى أن الأرض المقام عليها المقبرتان الألمانية والإيطالية مهداة من الشعب المصرى وهناك لوحة تذكارية مسجل عليها هذا الإهداء.

تجولنا مع «عبدالمنعم» داخل المقبرة، وشرح لنا ما رأيناه قائلاً: توجد مسلة فرعونية مرسوم عليها صقور مستقيمة وهى رمز للأبدية وللدلالة على أن هؤلاء الضحايا الذين ماتوا بعيداً عن أوطانهم ودفنوا فى دولة تقدس الموتى منذ آلاف السنين، وأن هذه المسلة تأخذ الموتى الألمان تحت حمايتها، ومكتوب على المسلة «استريحوا، 4200 جندى ألمانى بالحرب العالمية الثانية، موتهم توصية وإنذار لنا»، بينما على الجهة الأخرى للمسلة، دونت عبارة «احترسوا من الموت.. واحترموا الحياة». بينما على إحدى المقابر كُتبت عبارة ترجمها لنا «عبدالغفار»: هنا يستريح 31 جنديا مجهولى الهوية، أخذ الموت منهم كل شىء، أسماءهم وسنهم وشعبهم، أخذ منهم كل كيان أرضى وأصبحوا بدون كيان، لكن بقى لهم شىء واحد هو إيمانهم بالكفاح، سواء كنتم إخوانا أو أعداء، سواء كنتم أبناء ألمانيا أو إيطاليا أو إنجلترا، فإن تصرفاتكم كانت شريفة ونبيلة، ولن يعرفكم أحد إلا الله هو يعرف أسماءكم.

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل