المحتوى الرئيسى

رحلة محمود عبد الغفار بين «مدينة بلا قلب» و«رحلة إلى سيول»

10/20 15:10

 كانت هذه المقولة للراحل العظيم الشيخ أمين الخولي، والذي كان يدعو من خلالها لدراسة الأدب من خلال الإقليمية، أى من خلال البيئة المحيطة بالأديب، وكان يرى الخولي أن الأديب ليس بمعزل عن البيئة المحيطة به، فهو عضو فعال فيها يتأثر بها ويؤثر فيها.

 مما لا شك فيه أن كل أديب يتأثر بما يراه فى البيئة المحيطة به، فعلى سبيل المثال إذا عاش الأديب في الريف، فتجده يتأثر بالزراعة وأدوات الفلاحة وشروق الشمس وغروبها، بينما إذا عاش في الحضر فسوف يتأثر بالمدنية وما فيها وهكذا، فإن كل إنسان يعيش في مكان يحمل صفات معينة، فإنه بالضروري سيتأثر بها.

هذا الكتاب الذى ألفه أستاذ الأدب الحديث بكلية الآداب جامعة القاهرة، الدكتور محمود عبد الغفار، الصادر عن دار كلمة، فريد من نوعه، لأن الكاتب لم يتحدث عن المدينة فى الأدب العربي فقط، وإنما تحدث عن المدينة بشكل مقارن بين الشاعر العربي والشاعر الكورى، وثمة اتصال حضاري بين العرب وكوريا، فالعرب هم أول من اكتشفوا كوريا، إن أردت التأكد من ذلك وقطع الشك باليقين عد إلى كتب التاريخ وستجد ضالتك ويطمن قلبك.

كان الحديث عن المدينة في الشعر العربي قليل جدا، ولم يك مبحثا كبيرا كالمباحث التي ظهرت في الأدب عامة وفي الشعر خاصة، لأن المدينة أمر جديد على الشعر العربي، وهذا يعود إلى نشأة الشعر العربي ومراحل تطوره، وهذا أمر لو خضنا الحديث فيه، لاحتاج إلى سلسلة مقالات كبيرة، وقراءة لا تكفيه حقه ولا تلم بأبعاده.

واهتم عبدالغفار فى مقارنته بما قاله أمين الخولي عن الإقليمة فدرس الأدب من الناحية الإقليمة وكيف أثرت عبقرية المكان الجغرافية في الأديب، وهذا ما سوف نراه من خلال قصائد الأعمال محل المقارنة.

 اختار عبدالغفار فى مقارنته شاعرين هما “أحمد عبدالمعطي حجازي” والشاعر ” كيم كوانغ كيو” وعقد عبدالغفار مقارنة بين الشاعرين، فعقد مقارنته بين ديوان “مدينة بلا قلب” للشاعر العربي، وديوان  “رحلة إلى سيول” للشاعر الكوري، وكما يقول المثل الشعبي “الجواب بيبان من عنوانه” فإن عنوان كل ديوان يحتوى على المدينة بشكل مباشر أو غير المباشر، فمدينة الشاعر العربي تتمثل فى القاهرة التى رأى أنها درب اغترابه وبعده عن القرية، والشاعر الكوري كانت سيول مدينته التى ذهب إليها في رحلة ما.

والمدينة في الديوانين تمثل رحلة لكل من الشاعرين، فالشعر العربي ترك قريته وبدت له المدينة أكثر غرابة وواقعا غير المألوف شاهد من خلاله موت القرية واندثارها ويؤكد ذلك الشاعر العربي في قصيدة “سلة ليمون”

 و الولد ينادي بالصوت المحزون

سلّة ليمون، غادرت القرية في الفجر

 كانت حتّى هذا الوقت الملعون

 كانت في غفوتها الخضراء عروس الطير

 أيّ يد جاعت، قطفتها هذا الفجر!

 لا أحد يشمّك يا ليمون!

 والشمس تجفف طلّك يا ليمون!

 والولد الأسمر يجري، لا يلحق بالسيّارات

 في هذه القصيدة سيدي القارئ يشرح عبد المعطي حجازي رحلته من القرية إلى المدينة كيف تركها، وكيف كانت وكيف أصبح حالها الآن، إذ يري الشاعر أن 20 قرية تساوى مدينة، وهذا ثمن بخس في نظره، وهو يصف نفسه الآن يا سيدي الفاضل بسلة الليمون التى تركت القرية ورحلت إلى المدينة في رحلة ملعونة الوقت، ويرى أنه غريب عن المدينة لا أحد يهتم لوجوده ولا من هو، والعلاقات الاجتماعية في المدينة لا قيمة لها على الإطلاق.

 المدينة عند الشاعر الكوري، ما هي إلا رحلة وتجربة كان لا بد من خوضها، فترك القرية التى عاش فيها والريف الذي عشقه وجمال الطبيعة الخلابة الذي عاش فيه ورآه جيدا، لكن اختيار المدينة عند الشاعر الكوري كان اختيارا عبقريا، حيث اختار العاصمة، والعاصمة هي مركز صنع القرار في كل المجالات، فيقول الشاعر الكوري:

“ولم يكن بسبب مهارتي، أني تمكنت من العيش في ذلك الصيف المروع، مختبئا دون قدرة على النباح ولكن، لا يمكنني أن أكون كلبا حقيقيا، وأتساءل: هل هناك مكان على سطح الأرض، حيث لا يأكل الناس الكلاب، أهو جنة الكلاب؟”

 هل بدا لك سيدي القارئ الفرق بين الشاعرين، هنا ييستخدم الشاعر الكوري الواقعية في تحقيق الأمنية، بينما الشاعر العربي يتمنى بالحرف “لو” وكأن الأمر مستحيل التحقيق، انظر إلى المدينة في شعر الشاعر الكوري  كيف بدت لك سيدي القارئ، كانت المدينة في نظر الشاعر الكوري هي المركز وهي مركز القرار وصناعته وتحقيقه على كافة المستويات.

 لماذا رحل الشاعران إلى المدينة؟!

 كان عبد المعطي حجازي، يبحث عن فرصة عمل جيدة للمكوث فى القاهرة، حيث مركز الثقافة والإبداع، فيحقق حلمة لينتشر ويذيع صيته، بينما رحل الشاعر الكوري إلى المدينة، لأمر فلسفي، يبحث عن من خلاله عن ماهية وجوده، يبحث في ذاه عن قدراته فيكتشفها بشكل أكبر مما كان، وهذه الرؤية يا سيدي القارئ ليست حكمي وإنما ما أسفرت عنه قصايد الديوانين.

 ولعل محمود عبد الغفار اختار نطاقا لم يركز عليه الكثير، فأراد أن يضع بصمته في هذا الحقل، وأبى أن يمر مرور الكرام، فبحث وخاض في الرحلة، كنحرير وليس كصغير يتعلم السباحة، فأبحر في بحر المدينة والشعر، ذلك البحر الذي يقبل أوجه كثيرة، فليس هناك من هو صاحب القول الفصل أو الكلمة الأخيرة في النص الأدبي.

Google Alerts  أداة مهمة في اكتشاف الويب

هل تقضي صحافة الإنترنت على الجرائد الورقية؟

أهم نصائح الكُتّاب الناجحين في عالم الصحافة

10 تطبيقات ينبغي للصحفيين تجربتها فورا

7 نصائح لتحقيق مشروعك الخاص.. دون التخلي عن وظيفتك

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل