المحتوى الرئيسى

التحرش.. أسلوب حياة

10/19 23:38

مساء الإثنين الماضى حكت لى سيدة مصرية أنها كانت تركب سيارة ميكروباص فوق الطريق الدائرى، وعندما طلبت من السائق النزول عند «مخرج اللبينى» فى مريوطية الهرم، نصحها بأن تنزل فى مكان أكثر زحامًا، وأن تأخذ حذرها حتى لا تتعرض لمعاكسات صعبة فى هذه المنطقة.

بالصدفة البحتة وفى اليوم التالى نشرت وكالة «رويترز» العالمية نتائج استطلاع للرأى أجرته فى بلدان عديدة، لكنه شمل كل الدول العربية وبمشاركة ٣٣٦ خبيرًا فى قضايا النوع الاجتماعى.

النتيجة المفجعة هى أن مصر صارت أسوأ مكان يمكن أن تعيش فيه المرأة مقارنة بالدول العربية الأخرى، وبعدها جاء العراق ثم السعودية وسوريا واليمن، فى حين أن الدول الأفضل كانت جزر القمر وعمان والكويت والأردن عربيًا.

فى الاستطلاع أيضًا جاءت القاهرة فى مقدمة المدن العالمية الأكثر خطورة التى يمكن أن تعيش فيها النساء، وجاءت بعدها كراتشى الباكستانية وكنيشاسا فى الكونغو ودلهى الهندية، فى حين احتلت كل من لندن وطوكيو وباريس قائمة المدن الأكثر أمانًا للنساء.

القاهرة كانت الأسوأ بشكل عام للنساء، وكينشاسا الأقل فى حصول النساء على الفرص الاقتصادية ودلهى وساو باولو فى مجال الاغتصاب والتحرش.

وطبقًا لتقرير للأمم المتحدة فى إبريل الماضى فإن ٩٩٫٣٪ من النساء والبنات فى مصر تعرضن للتحرش الجنسى.

وحسب قول نورا فلنكمان، عضوة الحملة المصرية «حرس» فى التقرير، فإن «التحرش أصبح واقعًا يوميًا فى مصر بغض النظر عن السن أو الخلفية الاجتماعية والاقتصادية، وهل هى متزوجة أم لا وبغض النظر عن ملبسها»!.

هل هناك تحامل ضد مصر فى هذه الدراسة، وهل سيسارع بعضنا إلى اتهام «رويترز» بأنها تتآمر ضد مصر؟!.

قد يحدث هذا، وقد يغضب البعض من «رويترز» لأنهم يعتقدون أن لها وجهة نظر ضد الحكومة المصرية وسياساتها.

وقد يشكك البعض فى مدى الصحة العلمية للتقرير وأنه لم يستوف المعايير المتعارف عليها للاستطلاعات.

ومن أجل كل ذلك دعونا ننسى هذا الاستطلاع تمامًا، ونتحدث عن الواقع المعاش يوميًا.

شخصيًا أنا لا أحتاج إلى استطلاع من «رويترز»، أو تقرير من الأمم المتحدة، أو أى دراسة تمولها مؤسسات غير حكومية فى أوروبا وأمريكا لكى أعرف حقيقة ما يحدث فى بلدى. أنا أحكم على الواقع فقط، ولذلك بدأت بقصة فتاة «اللبينى»، التى تتكرر فى مناطق كثيرة بمصر.

أسكن قرب ميدان السيدة زينب، وبجوارى سوق كبيرة يخدم العاملين فى مربع الوزارات، حيث أرى يوميًا كل نماذج المواطنين من أول الوزراء نهاية بالباعة الجائلين مرورًا بالموظفين والمترددين على الوزارات والهيئات أو من مستخدمى محطة مترو سعد زغلول.

تعودت أن أسير على قدماى كثيرًا خصوصًا حينما أذهب لميدان التحرير أو عندما كان مقر «الشروق» فى جاردن سيتى. فى هذا المشوار اليومى أسمع ألفاظًا تخدش حيائى وأنا رجل، فما بالكم بأى سيدة؟!.

المعاكسات والتحرشات على كل لون، علمًا أن هذه المنطقة يقع فيها مقر وزارات الداخلية والعدل والإسكان والتعليم العالى والخزانة العامة ومجلس النواب والوزراء.

أشعر بخجل شديد وأنا أسير برفقة زوجتى وأولادى وهم يسمعون الألفاظ المنحطة، التى صارت للأسف الشديد عادية جدًا بالنسبة لكثيرين.

إذا كانت هذه المنطقة مصنفة باعتبارها للطبقة الوسطى، وسكانها على قدر من التعلم والأخلاق و«جدعنة أولاد البلد»، فكيف لنا أن نتصور ما يحدث فى مناطق عشوائية وفقيرة؟!.

وقائع التحرش أسمعها من زميلات كثيرات، لدرجة أن بعضهن يفكر جديًا فى الهجرة لهذا السبب تحديدًا. هن يقلن: «لا نستطيع العيش فى هذه البيئة، ولا يمكن أن نسمح لبناتنا أن ينشئن فيها».

والسؤال هنا أيضًا ما هو الحل للفقراء الذين لا يملكون الانتقال لمكان أفضل، ناهيك عن الهجرة للخارج؟

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل