المحتوى الرئيسى

إلا محمود عبد العزيز

10/19 19:03

"الساحر.. صانع البهجة.. الجنتل".. كلها ألقاب ارتبطت بنجم حفر اسمه فى تاريخ السينما والتليفزيون بحروف منقوشة بالجهد والخبرة والإبداع والحقيقة أنها كألقاب لم تضف إليه ولكنه هو من أضاف إليها الكثير من المعانى والتفاصيل ليجعل منها قيمة وثقل تليق به ورغم الألقاب والأوصاف التى التصقت به وخاصة الساحر.. إلا أنه بداية ونهاية هو "محمود عبد العزيز".

تاريخ "محمود عبد العزيز" الفنى المتنوع صعب التكرار وربما يكون مستحيلاً فما قدمه طوال مشواره يدرس فكل شخصية قدمها "محمود عبد العزيز" على مدار عمره الفنى هى مدرسة مستقلة بذاتها أداءً ومضموناً وروحاً وهو ماجعلها مستمرة وعالقة بالأذهان وكأنها قدمت اليوم أو أمس.. إنها عبقرية "محمود عبد العزيز" التى جعلت أدائه يستمر حياً "طازجاً" دائماً فتجده موجوداً فى قلب أعمالا فنية لأجيال جديدة بمعالجات مختلفة فى سياق أعمالهم مثل رأفت الهجان وإعدام ميت والشقة من حق الزوجة وإبراهيم الأبيض.. وما زالت "إيفيهاته" الشهيرة بنفس رونقها على مدار السنوات وهو ما يؤكد أن ما فعله هذا الرجل وقدمه لم يكن مجرد تمثيلاً ولكنه حالة بمكونات خاصة من روحه خرج بها من التصنيف فهو الكوميديان الدرامى الجان الشعبى البلطجى ليحتفظ وحده بكلمة السر والبصمة الخاصة به كآخر جيل  الـ "مشخصاتية" العظام.

رحيل "محمود عبد العزيز" ترك فراغاً شاسعاً وموحشاً لا يجرؤ أحد على ملئه فى واقع فرض نفسه بشدة لتشعر أنك فى حالة استغراب للساحة بدونه وهو التأثير الذى تركته عبقريته بتعب وجهود وتدقيق فى اختيار أعماله وتفاصيل شخصياتها حتى بعد إنشائه لكيان إنتاجى فكانت له نفس الرؤية والروح فى تقديم كل ماهو مميز ويحترم جمهوره وهو ما أكسبه حباً واحتراماً مخلصاً منهم حتى بعد رحيله ... فهذا الفنان باعتباره من الكنوز الفنية يليق به تكريماً مناسباً وتقديراً لمشواره وإثراءه للفن بكل طاقته التى انتهت أمام الكاميرات وهو يحمل آلامه وأوجاعه ويكمل مسلسله الأخير "راس الغول" متغلباً عليها بعشقه لفنه.

ما حدث من "مهزلة" تنظيمية فى مهرجان الإسكندرية السينمائى يستحق وقفة وإعادة نظر فى المنظومة التنظيمية للأحداث المهمة فى مصر فحالة الرفض المتعنت والغير مبرر لمنح اسم النجم الراحل "محمود عبد العزيز" دورته لهذا العام أمر غريب ومثير للاستغراب والتساؤل بجانب أنه مثير للاشمئزاز أيضاً فإصرار القائم على المهرجان أن يهدى الدورة للفنان "حسين فهمى" ودعوته لإلقاء كلمة وضعت هذا النجم فى موقف محرج وصعب جعل دموعه تنهمر على صديق عمره الذى يستحق التكريم وربما كانت الدموع التى تساقطت تألمت لعدم الوفاء ورأت اليوم ما لن تستطيع أن تراه مستقبلاً!

المؤلم أكثر ما بدر من هذا القائم على التنظيم عندما أهدى "حسين فهمى" الدورة وهو فى حالة تأثر وألم نفسى موجع لاسم صديقه "محمود عبد العزيز" فقاطعه بشكل  صادم قائلاً ( الدورة دى حسين فهمى والجاية محمود عبد العزيز ) فى لمسة جحود منقطعة النظير لتشعر أنك فى أحد مواقف الـ "سيرفيس" وليس مهرجاناً فنياً يقوم أساساً على تكريم نجوم الفن!

  حالة الاستياء والتذمر التى حدثت من مهرجان الإسكندرية السينمائى والقائم على تنظيمه حملت بُعداً آخر وهو أن "محمود عبد العزيز" من مواليد الإسكندرية ... مدينته التى رفضت تقديره ... كم هو مؤلم ومؤثر ليس فى نفوس جمهوره فقط ولكن فى نفوس أسرته ونجلاه الذين فاقت صدمتهم كل التوقعات وشعر "محمد و كريم" بالمرارة كفنانين ومنتجين يقدران قيمة النجم بشكل عام فيحدث هذا مع نجم كبير صاحب مشوار مميز بحجم والدهما "محمود عبد العزيز" فى طعنة انعدام وفاء وتقدير بعد أن كان هذا التكريم الرمزى أمراً بديهياً منتظراً لا يحتاج لاجتهاد أو ترتيب!

الحقيقة أن "محمود عبد العزيز" عاش طوال عمره عفيف النفس لا يطلب تكريمات ولا يسعى إليها مثلما لم يلهث وراء الأعمال أو بطولاتها حتى بعد تقدم العمر واستشعاره أن فرصة السينما لن تكون كسابق العهد وصعوبة تصدره الأفيش فى عمل سينمائى يليق باسمه فى المرحلة الجديدة فرفض أن يصبح رقم (2) رغم ما حققه من نجاح ساحق بمشاركته لـ "أحمد السقا" فى فيلم "إبراهيم الأبيض" وأصبحت شخصية "عبدالمالك زرزور" بلزماتها من علامات السينما الحديثة إلا أنه رأى أن "محمود عبد العزيز" لا يكفيه هذا المقعد ويستحق المزيد لذلك انسحب من السينما فى قمة تألقه لينتقل إلى التليفزيون ويؤسس شركة إنتاج درامى ليضعها وفق خطة ورؤية وإستراتيجية بعيدة المدى على رأس أهم الكيانات فى فئتها ليترك للفن مضخة للأعمال الفنية المؤثرة والتى تحترم حق الجمهور فى مشاهدة أعمال محترمة من كيان سيظل موقعاً بإسمه الذى يحمله نجلاه واللذان حملا الراية من بعده بكل أمانة وإخلاص ولكن .......

حق "محمود عبد العزيز" على أهل الفن وصناعته تقدير اسمه ومشواره .. صحيح لم يكن منح اسمه هذه الدورة من المهرجان سيضيف شيئاً ولكنه الـ "تقدير" الذى أصبحنا محترفين فى إغفاله وعدم وضعه فى الاعتبار .. فعلى المسئولين عن تنظيم الأحداث المهمة أن يختاروا من القائمين عليها من يحمل أدوات وأفكار تناسب الحدث فختام هذا المهرجان للأسف كان نهاية متوقعة لحالة التخبط التى تضرب تنظيم المهرجانات المهمة فى مصر وكأنه لم يكن هناك أى اعتبار من الصورة التى خرج بها "مهرجان الجونة السينمائى" فالأمور المادية فى المنافسة قد يمكن التغلب عليها بالفكر والتنظيم المحترف ولكن أن يكون الفقر ضارباً جميع الجوانب فهذا هو الحزن نفسه!

آلة التكريمات والمنح تذهب إلى الجميع بكل سلاسة بغض النظر عن الاستحقاق "إلا محمود عبد العزيز" فقد توقفت عنده وتعطلت بلا هدف أو مبرر لنجم تصدر قائمة عباقرة الفن فلم يستطع أحد حتى تقليده رغم تعرض عباقرة الفن لمحاولة "النحت" والتقليد مثل "أحمد زكى ونورالشريف" .. "إلا محمود عبد العزيز" والذى أصبح "مشفر" يستعصى على التقليد!

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل