المحتوى الرئيسى

يحكمون دولاً إلى اليوم... هل انتصر الهاشميون في صراعهم مع الأمويين؟

10/18 18:23

"لعبت هاشم بالملك فلا/ ملك جاء ولا وحي نزل". هو بيت شعر منسوب إلى يزيد بن معاوية، ثاني خلفاء الأمويين، ويعتبر أن ظهور الدين الإسلامي ليس سوى لعبة سلطة قام بها الهاشميون.

هذه الرواية مختلف عليها، ولكنّ في شيوع هذا البيت ووصوله إلينا عبر كتب التراث دليلاً على حدة الصراع على الحكم بين الهاشميين وبني أمية، وهو صراع بدأ قبل الإسلام وطبع القرون الأولى التي تلت الرسالة.

والشائع عن هذا الصراع هو أن الأمويين انتصروا بعد تولي معاوية بن أبي سفيان الحكم خلفاً لعلي بن أبي طالب، وافتتاحه حكم الأمويين. ولكن القصة لم تنتهِ في العقود الأولى التي تلت ظهور الإسلام.

خلال تحقيقه لكتاب "النزاع والتخاصم فيما بين بني أمية وبني هاشم"، لتقي الدين المقريزي، يقلل أستاذ التاريخ حسين مؤنس من آثار الصراع الهاشمي الأموي قبل الإسلام، معتبراً أن الصراع الحقيقي بدأ بموقعة بدر (642م)، ومقتل عتبة بن ربيعة، سيد بني أمية، على يد عم النبي حمزة بن عبد المطلب عم النبي، ومقتل أربعة من كبارهم على يد علي بن أبي طالب، وأمْر النبي بضرب عنق الأسير الأموي، عقبة بن أبي معيط، رغم استجدائه له.

بعض بني هاشم كانوا يناصرون النبي من منطلق القرابة، فعمه أبو طالب كان يحميه رغم عدم إيمانه برسالته، وحين حاصرته قريش ومَن معه في شعب أبي طالب، انضم إليه بنو هاشم "حتى الكافرين منهم" باستثناء أبو لهب، بحسب ما ذكر ابن القيم الجوزية، في "زاد الميعاد في هدي خير العباد".

في المقابل، أسلم بعض بني أمية مضطرين، ومنهم أبو سفيان الذي أسلم في فتح مكة مكرهاً، بعد أن قال له العباس، عم النبي (وكان صديقه): اشهد بشهادة الحق قبل أن تضرب عنقك، بحسب ما ذكر بن كثير في "البداية والنهاية".

ويشير حسين مؤنس إلى أن أبا سفيان وابنه معاوية كانا من المؤلفة قلوبهم، الذين أعطاهم النبي أموالاً ليحببهم في الإسلام.

ويعتبر محمود عباس العقاد، في كتابه "معاوية بن أبي سفيان" أن الأمويين طمعوا في الحكم منذ عهد النبي، لكنهم هادنوا حتى تولى عثمان بن عفان (وهو منهم)، فسيطروا على الدولة، ولما تولى عليّ بن أبي طالب لم يكونوا مستعدين للخسارة فكان الصراع الذي انتهى لمصلحة معاوية، وتأسيس الدولة الأموية عام 661م.

كثيرون يركّزون أنظارهم على تلك المرحلة القريبة من زمن النبي فتعلق في ذهنهم فكرة انتصار بني أمية. ولكن في الحقيقة، لم يتوقّف الأمر هناك. ثار الهاشميون على الأمويين أكثر من مرة، أولاها تزعمها الحسين بن علي، وانتهت بمقتله في واقعة كربلاء عام 680م. ومن أشهرها، تلك التي تزعمّها زيد بن علي بن الحسين، ضد هشام بن عبد الملك، في الكوفة، والتي ساندها بالمال الإمام أبو حنيفة النعمان، مؤسس المذهب الحنفي، لكن الأمويين هزموه بقيادة والي العراق يوسف بن عمر الثقفي، عام 741م.

وفي عام 746م، ثار عبد الله بن معاوية، حفيد جعفر بن أبي طالب، في عهد مروان بن محمد، بعد أن بايعه أهل الكوفة، لكنه هزم أمام الأمويين بزعامة والي العراق عبد الله بن عمر بن عبدالعزيز، ففر إلى خراسان (شرق إيران وشمال أفغانستان).

شارك غردالصراع الكبير على السلطة بعد عهد الخلفاء الراشدين كان أموياً-هاشمياً، ولكنه ما لبث أن تحول إلى هاشمي-هاشمي

شارك غردانهارت الخلافة العباسية عام 1258 والخلافة الفاطمية عام 1171، لكن العباسيين والعلويين لم يغيبوا عن مشهد الحكم

كان الأمويون يميّزون العرب عن غيرهم من القوميات الأخرى، وزاد والي خراسان، أشرس بن عبد الله السلمي على ذلك فرضه الجزية على الجميع، حتى مَن أسلم من الناس، فولّد ذلك رغبة في أوساط الخراسانيين بالتخلص من الحكم الأموي، بأية طريقة، ووضح ذلك في ما لاقاه تمرد الحارث بن سريج، عام 735م من تأييد، ولم يكن الحارث هاشمياً بل من تميم.

وبسبب الوضع في خراسان، نشط الهاشميون في الدعوة لأنفسهم بالخلافة هناك، تحت شعار "الرضا من آل محمد"، واستخدموا في دعايتهم دماء آل النبي التي سالت على أيادي الأمويين، وخدعة التحكيم التي نفّذها معاوية للفوز بالخلافة، ثم توريثها لقبيلته، بالإضافة إلى ما وصفوه ببعد الأمويين عن الشريعة الإسلامية.

كان التحرك الهاشمي يسير في خطين متوازيين، علوي (أحفاد علي بن أبي طالب) وعباسي (أحفاد العباس بن عبد المطلب)، وكانت البداية علويّة.

أما التحرك العباسي فبدأه علي بن عبد الله بن عباس، في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، الذي جلده وطرده من الشام، حين علم بدعوته لنفسه بالخلافة.

حاول الخليفة هشام بن عبد الملك، ومن بعده عمر بن عبد العزيز، احتواء الهاشميين ومهادنتهم، لكنهم استمروا في دعوتهم، وبايعوا محمد بن الحنفية، بن علي بن أبي طالب، وحين مات بايعوا ابنه عبد الله المكنى بأبي هاشم، وأرسلوا مندوبيهم للدعوة إليه في خراسان.

ولأن أبا هاشم لم يكن له ابن يخلفه، تنازل عن حقه بالخلافة لمحمد بن علي بن عبد الله بن عباس، حين شعر بدنو أجله، وكان من المقربين منه، فانتقلت الخلافة إلى العباسيين. لكن الثابت أيضاً أن العلويين بايعوا عبد الله بن معاوية في التوقيت نفسه.

إلى ذاك الحين، لم تكن الخلافات قد اتضحت بين الهاشميين، فكان الفرعان يعملان على انتقال الخلافة إلى العائلة تحت شعار واحد، ويتضح ذلك في اجتماع أكابرهم بمكة، في عهد مروان بن محمد، آخر الخلفاء الأمويين (744م – 750م)، ليتفقوا على مبايعة أحدهم للخلافة، فاختاروا محمد النفس الزكية (حفيد الحسن بن علي). وكان إمام العباسيين وقتها، إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، وأبو جعفر المنصور (الخليفة العباسي في ما بعد) من المبايعين له، ما طمأن العلويين لنشاط العباسيين القوي في خراسان عهدذاك.

حسم العباسيون الأمر لمصلحتهم بفضل داعيتهم وقائدهم العسكري، أبي مسلم الخراساني الذي استولى على خراسان ثم باقي فارس، وانطلق حتى هزم الأمويين في معركة الزاب ودخل العراق، وطارد جيشه مروان بن محمد، حتى قتله في مصر، لتقام الدولة العباسية، ويبايع عبد الله "السفاح" عام 750م خليفة للمسلمين.

بعض مدن الشام، كدمشق وحران حاولت الثورة، ولكن أهم الثورات كانت في قنسرين، أواخر 751م، وتزعهما العرب القيسية، ونصبوا أبا محمد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية، خليفة، إلا أنها أُجهضت وهرب بن معاوية، حتى قُبض عليه في عهد أبي جعفر المنصور، ثاني خلفاء العباسيين.

بعد المعارك والإجراءات القمعية التي اتخذها العباسيون، لم يتبقّ من الأمويين إلا عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك، الملقب بـ"الداخل"، ففر إلى الأندلس ولم يخضع للحكم العباسي، وهناك أقام دولة أموية، عاصمتها قرطبة، انتهت مع عصر ملوك الطوائف عام 1031م.

ففي ذلك العام، أُسقط آخر خليفة أموي، هشام المعتد بالله، وأجبر أهل قرطبة ومعهم كثيرون من بني أمية، هشام المعتد بالله وأسرته، على ترك قصره، والتنازل عن الحكم، فأنهوا حكم بني أمية في الأندلس.

وتسلم أبو الحزم بن جهور الحكم في قرطبة، بشكل يقوم على الشورى، فيما اصطلح عليه بـ"حكم الجماعة"، أما المقاطعات الباقية وعددها 12، فسيطرت عليها قبائل أمازيغية كبني الأفطس، وعربية كبني عامر، وعلويون كبني حمود، المنسّبون إلى إدريس، حفيد الحسن بن علي.

منذ هروب "الداخل" إلى الأندلس، البعيد عن قلب دولة الخلافة، تحوّل الصراع من أموي-هاشمي إلى هاشمي-هاشمي أو عباسي-علوي، إذ اعتبر العباسيون أن العلويين هم الخطر الحقيقي عليهم، واعتبرهم العلويون مغتصبين للسلطة.

قام العلويون بثورتين رئيسيتين، أولاهما في عهد المنصور، وتزعمها "النفس الزكية"، باعتبار أن الهاشميين بايعوه قبل سقوط الأمويين، ومنهم المنصور نفسه.

بدأت الثورة بعد فشل العلويين في قتل المنصور أثناء الحج عام 758م، ما أدى إلى التنكيل بكل العلويين من أبناء الحسن بن علي، فأعلن النفس الزكية نفسه خليفة، واستولى على المدينة المنورة عام 762م، وسانده الإمام مالك بن أنس، مؤسس المذهب المالكي، لكن الأمر انتهى بمقتله عام 763م، فأعلن أخوه إبراهيم الثورة بالبصرة، واستولى على الأهواز وفارس، لكنه هُزم أيضاً.

أما الثورة الثانية فقد تزعمها الحسين بن علي، أحد أحفاد الحسن بن علي بن أبي طالب، عام 786م، وقمعها الخليفة موسى الهادي في ما عرف بموقعة "فخ".

بعد "فخ"، تحوّل نشاط العلويين إلى المغرب البعيد عن بغداد "عاصمة العباسيين"، وهناك أسسوا الدولة الإدريسية، على يد إدريس بن عبد الله، حفيد الحسن بن علي، الذي نجا من "فخ" وهرب، فدعمته القبائل الأمازيغية لإقامة دولته "زيدية المذهب"، انطلاقاً من مدينة "وليلي"، عام 789م.

ومن الكوفة، انطلق دعاة "المذهب الشيعي" إلى المغرب، للتبشير بإمامة أحفاد الحسين بن علي، والمهدي المنتظر. وتحولت دعوتهم إلى سياسية على يد أبي عبد الله الشيعي الذي مهد لانطلاق "الدولة الفاطمية" بين الأمازيغ في منطقة كتامة.

انتصر الفاطميون على الأغالبة، الموالين للعباسيين، والمسيطرين على مناطق واسعة من شمال إفريقيا، ثم على الأدارسة، حتى قدم من الشام عبيد الله المهدي، المنسّب إلى الإمام جعفر الصادق، حفيد الحسين بن علي، وقدمه أبو عبد الله الشيعي للأمازيغ على أنه إمامهم، ليؤسس دولته عام 909م، قبل أن تمتد إلى مصر وتتخذ القاهرة عاصمة، ثم إلى الشام والحجاز، ليصبح العالم الإسلامي كله، باستثناء الأندلس، خاضعاً لبني هاشم، بفرعيهم العلوي والعباسي.

انهارت الخلافة العباسية عام 1258م على يد المغول، وكذلك الفاطمية في 1171م على يد الأيوبيين، لكن العباسيين والعلويين لم يغيبوا عن مشهد الحكم.

أسس العباسيون والعلويون مجموعة ممالك وإمارات، بعضها داخل أطر دول كبرى. ومن أبرز الإمارات العباسية كانت "بهدينان"، التي أسسها بهاء الدين بن خليل، حفيد الخليفة العباسي، المستعصم، في كردستان، عام 1376م، واتخذ من العمادية عاصمة، لكن العثمانيين سيطروا عليها عام 1847.

وفي جنوب شرق إيران، تأسست إمارة "بستك"، عام 1673، بزعامة عبد القادر بن حسن، حفيد أبي جعفر المنصور، وظل أحفاده يحكمون الإقليم تحت لواء أكثر من دولة، وآخرهم محافظ بستك، محمد أعظم خان، الذي ترك منصبه عام 1967.

كما أسس إبراهيم جعل إمارة "الجعليين" في النوبة، شمال السودان، بعد أن استوطنها جده إدريس بن قيس، المنسّب إلى الفضل بن العباس بن عبد المطلب. وحكم الجعليون من عاصمتهم "شندي"، منذ 1588 حتى قضى عليهم محمد علي، حاكم مصر، عام 1821.

وفي وسط السودان، تأسست إمارة "الشايفيين"، وهم بطن من الجعليين، في نهاية القرن السابع عشر، على يد عثمان ود حمد، وجعلوا "سنار" عاصمتهم، حتى أطاح بهم محمد علي عام1820.

وفي الهند استقر العباسيون منذ العصر العباسي الأول. وفي 1702، أسس محمد مبارك خان الأول، المُنَسّب إلى الخليفة العباسي، المستعصم، إمارة "بهاولبور"، وتوارثتها أسرته إلى أن انفصلت باكستان عن الهند، واختارت بهاولبور الانضمام لباكستان عام 1947. وفي 1955 تنازل خان عن الحكم، للدولة الجديدة.

أما أبرز إمارات ودول الفرع العلوي، فكانت إمارة "آل مهنا" في المدينة المنورة، وينتسب مهنا الأصغر، إلى زين العابدين بن الحسين، وتناوبت ذريته الحكم مع ذرية جعفر بن أبي طالب، منذ عهد يزيد بن معاوية، حتى انفردوا بها، واستمروا حتى العهد العثماني.

Comments

عاجل