المحتوى الرئيسى

كل الأطراف تتصارع على «بقرة النفط» فى كركوك

10/17 21:53

مؤخرًا، وصلت قضية «كركوك»، المدينة الغنية بالنفط، إلى نقطة اللاعودة، فالأحداث المتسارعة، التى تشهدها المدينة منذ أمس الأول الإثنين، تشير إلى أن حكومة بغداد عازمة على المضى قدمًا مهما كانت النتائج.

المواجهة العسكرية الشاملة بين القوات العراقية ومعها ميليشيات «الحشد الشعبى»، المدعومة ضمنًا من إيران، من ناحية، وبين قوات «البشمركة»، بقسميها، التابعين لحزبى القيادة الكردية، «حزب الاتحاد الوطنى»، الذى كان يتزعمه الرئيس العراقى الراحل جلال الطالبانى، و«الحزب الديمقراطى»، بزعامة رئيس الإقليم مسعود بارزانى، من ناحية أخرى- مازالت أبعد من أن تحصل.

وما جرى ليل الإثنين من تراجع قوات «البشمركة»، التابعة للاتحاد الوطنى، والسماح للقوات العراقية بدخول كركوك، والسيطرة على مواقع مهمة فى المدينة، يشير بلا شك إلى أن جماعة جلال طالبانى لا تريد أن تدخل فى آتون حرب، مع القوات العسكرية العراقية، ولا مع حلفائها فى إيران، الداعمين لـ«الحشد الشعبى».

ماذا يجرى داخل كركوك الآن بعد دخول القوات العراقية إلى كركوك وسيطرتها على مواقع مهمة من أبرزها مطار المدينة ومنشآت نفطية؟ وما سيناريوهات المستقبل؟ وكيف وصل العراق إلى نقطة الصدام؟.. هذا ما نحاول الإجابة عنه.

«البشمركة» تنسحب من مناطق التركمان.. والجيش يسيطر

رغم أن السلطات الكردية أرسلت آلاف القوات الإضافية إلى كركوك، لمواجهة «تهديدات» الجيش العراقى، فإنها تراجعت قليلًا لخطوط الدفاع حول المنطقة المنتجة للنفط، المتنازع عليها، لتخفيف حدة التوتر، إذ انسحبت قوات «البشمركة» الكردية من منطقتى «البشير» و«تازة»، اللتين تقطنهما أغلبية تركمانية شيعية، وسلمت المطار، وحقول «باباكركر»، أكبر حقل نفطى عراقى، بإنتاجه الذى يصل يوميا إلى نحو مليون برميل من النفط. ومنذ انهياره فى يونيو ٢٠١٤ أمام تنظيم «داعش»، لم يتمكن الجيش العراقى من الوصول إلى قواعده القديمة فى كركوك، فى حين تسيطر قوات «البشمركة» الكردية بالكامل على هذه المناطق، وحقولها النفطية.

ورغم نفى رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى مرارا وجود أى خطة للمضى أبعد من ذلك، ومهاجمة إقليم كردستان فعليا، إلا أن حكومة الإقليم اتهمت القوات العراقية والجماعات الشيعية التى تدربها إيران مرارا بالانتشار جنوبى وغربى كركوك، من أجل القتال.

وفى ١٢ أكتوبر، كادت اشتباكات عنيفة تقع فى محافظة كركوك العراقية، بين جهتين عسكريتين مسلحتين من قبل الولايات المتحدة، هما الجيش العراقى الاتحادى، وقوات حكومة إقليم كردستان، فى ظل محاولة الجيش الاتحادى استعادة قوته. وتقدمت مجموعة من وحدات الجيش والقوات الخاصة و«قوات الحشد الشعبى» الموالية لآية الله على السيستانى، نحو الخطوط الكردية الأمامية، فى جنوب مدينة كركوك، مجتازة الساتر الترابى، لتصبح على بُعد ١٥ دقيقة بالسيارة عن عاصمة المحافظة، وحقول نفطها الرئيسية.

وأوشكت قوات «البشمركة» المحلية على إطلاق النار على هذه القوات، إلاّ أنها توقفت فى الوقت المناسب، بعد تلقى رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى اتصالًا هاتفيًا من إحدى الفصائل الكردية، «الاتحاد الوطنى الكردستانى»، التى طالبت بـ ٤٨ ساعة للتشاور داخليًا مع الفصيل الكردى الرئيسى الآخر، «الحزب الديمقراطى الكردستانى»، انتهت صباح الأحد ١٥ أكتوبر لتطلق الحكومة العراقية عملية «حفظ أمن كركوك» فجر الإثنين، وتسيطر على مطار كركوك وقاعدة «كى وان» ومنشأة غاز الشمال، ومركز الشرطة، ومحطة توليد كهرباء كركوك، ومصفى بجانب منشأة الغاز، ومبنى المحافظة، وسط نزوح كردى.

3 سيناريوهات تنهى «الشد والجذب» إما بالحرب أو التفاوض

انتهاء الهدنة دون اتفاق الفصائل الكردية حصر الخيارات المستقبلية بشأن كركوك، فى ٣ نقاط، اثنتان منها تقومان على المواجهة بين الجيش العراقى، والقوات الكردية، أما الخيار الأخير التفاوضى، فقد يمثل مخرجا من الحرب المحتملة.

الخيار الأول هو أن تستأنف قوات الحكومة المركزية فى بغداد تقدمها، للسيطرة على المدينة، وهو ما تشير إليه بعض التطورات الأخيرة، وأن تنجح فى الهيمنة على القواعد العسكرية وحقول النفط فى كركوك بشكل كامل.

أما الخيار الثانى، فيعنى أن تتوقف هذه القوات، أو ربما تتراجع، إذا تصدّت لها قوات «البشمركة»، وهو ما لم يحصل حتى الآن.

الخياران، الأول والثانى، يمكن لهما أن يثيرا أزمة كبرى، فسواء نجحت القوات الفيدرالية فى السيطرة على كركوك أو فشلت، فمن المرجح أن تُسفك الدماء خلال المواجهة، الأمر الذى يلقى بظلال عميقة جدًا على جهود رئيس الوزراء العبادى، كموحّد للدولة فى انتخابات عام ٢٠١٨.

كما أن المواجهة قد تزيد من تعطيل الحملة العسكرية ضد تنظيم «داعش»، ناهيك عن تضرّر حقول النفط بشكل كبير فى كركوك، وقد تتسبب المواجهة فى خلق مشكلة سياسية للعبادى، وتحفز جميع الأطراف لفرض عقوبات مكثفة متعددة الأطراف ضدّ الأكراد، تشمل إغلاق الحدود مع تركيا والعراق، وإزالة قدرة «حكومة إقليم كردستان» على توليد عائدات الجمارك والنفط، وهو ما يضر أيضا بالإقليم ككل.

الخيار الثالث ربما يكون الأكثر جاذبية، رغم التطورات الأخيرة، فمنذ استفتاء «إقليم كردستان العراق» فى ٢٥ سبتمبر، لم تكن بغداد مستعدة للدخول فى مفاوضات غير مشروطة، مع حكومة الإقليم، وطالبت أربيل مرارا بالتخلى علنًا عن التصويت، بطريقة ما، قبل العودة إلى طاولة المفاوضات.

ومع ذلك، تعطى أزمة كركوك ذريعة واضحة لبغداد لإجراء محادثات طارئة مباشرة، دون فقدان ماء الوجه، مع إهمال مطلب التخلى عن التصويت، على الأقل فى المدى القصير، ويمكن أن تركز المحادثات المقبلة على التسوية المقترحة من قبل «الاتحاد الوطنى الكردستانى»، التى تقوم على الإدارة المشتركة المؤقتة فى كركوك. وقد يؤدى هذا التوجّه إلى تهدئة الأزمة بعض الشىء، وتخفيض حدة التوتر فى كركوك، وتهدئة المخاوف التركية والإيرانية من تنامى القومية الكردية.

كما أن الولايات المتحدة أعلنت أنها لن تسمح لأى طرف باتخاذ خطوات عسكرية ضد الأكراد، فى محافظاتهم الثلاث الأساسية، أربيل، ودهوك، والسليمانية، مقابل حث الأكراد على عدم استخدام القوة، وهو ما يبدو أن العبادى يراعيه حتى هذه اللحظة.

العبادى يقلب الأوضاع لصالح بغداد بالتنسيق مع جناح طالبانى

فى ساعات الصباح الأولى من يوم الاثنين، قال كوسرت رسول، نائب مسعود بارزانى أحد أبزر القيادات فى «البشمركة» الكردية: «للمرة الأولى والأخيرة، الوضع أمان فى كركوك، ولن تتمكن القوات العراقية من الاقتراب من المدينة، أو السيطرة على أراضى القوات الكردية، والحقول فى كركوك، والقاعدة الجوية الواقعة غربها، مازالت تحت سيطرة الأكراد».

فى الوقت نفسه، قال القيادى فى «البشمركة» كيوان بامرنى: «نفقد السيطرة على كركوك، وهناك خيانة من قبل قوات الاتحاد الوطنى التابعة لطالبانى».

التطورات اللاحقة، أظهرت تقدم القوات العراقية، وسيطرتها فعليًا على حقول النفط شمالًا، حتى إن العديد من وسائل الإعلام الكردية أفادت بانسحاب قوات كردية من بعض النقاط، لا سيما القريبة من حقول النفط، متفادين الاشتباك مع القوات العراقية.

من جانبه، توالت التصريحات التى أطلقها رئيس الوزراء، حيدر العبادى، لطمأنة أهالى المحافظة، وقال فى بيان صادر عن مكتبه: «على أبنائنا فى كركوك، وفى كردستان تحديدا، أن يطمئنوا، فنحن حريصون على سلامتهم وأمنهم، وأمن ممتلكاتهم»،

وأصدر فى نفس اليوم بيانا آخر، دعا فيه قوات «البشمركة» الكردية للعمل تحت قيادته، وهو ما رفضته قوات بارزانى. وقال أحد الضباط العراقيين من قوات الرد السريع إن قادة البشمركة من جماعة «حزب الاتحاد الوطنى»، التابعة لـ«طالبانى» أبدوا موافقتهم على موقف القوات العراقية، وإن هناك من ساهم فى دخولهم إلى حقول نفط كركوك، مشيرا إلى وجود تنسيق استخبارى سرى جدا مع بعض الضباط والقيادات داخل المدينة، ما ساهم فى عدم وقوع اشتباكات دموية بين الطرفين.

وتحدث الدكتور سعد الحديثى، الناطق باسم رئيس الوزراء العراقى، فى تصريحات لوسائل إعلام أجنبية قائلا: «ما حصل فى كركوك يمثل إعادة انتشار للقوات الاتحادية، ضمن الإجراءات المتخذة، التى سيتم اتباعها فى بقية المناطق»، مؤكدا أن هدف العبادى هو فرض سلطة وهيبة الدولة، وتحقيق التعايش السلمى، وحماية المواطنين من استغلال الفاسدين لثروات البلد.

وشدد على أن «العبادى والقيادة العراقية مازالت أبوابها مفتوحة للحوار مع بارزانى، لكن بشروط محددة مسبقا، أهمها إلغاء نتائج الاستفتاء، والاحتكام للدستور».

المفاوضات والحلول الجزئية.. ركائز الدور الأمريكى لحفظ الأمن فى المنطقة الكردية

رغم التطورات الأخيرة، اكتفت وزارة الدفاع الأمريكية بمطالبة القوات العراقية بتجنب أى تصعيد، مشيرة إلى أن الحوار هو الأفضل للطرفين، لنزع فتيل التوترات، وحل الخلافات بينها.

لكن مصادر خاصة قالت إن أمريكا كانت على معرفة ودارية كاملة، بما يجرى، من خلال عدد من المستشارين العاملين فى القاعدة الجوية العسكرية فى كركوك، وإن هؤلاء المستشارين التقوا بعدد من ضباط الجيش العراقى، وقوات البشمركة، ونسقوا انسحابا آمنا لهم من المدينة، على أن يلتزم الطرفان بضبط النفس، وعدم وقوع أى مناوشات بين الطرفين، فى المناطق والحقول النفطية. ورغم عدم صدور أى تصريحات محددة، لا من الخارجية، ولا من البيت الأبيض، إلا أن مراسلين قالوا بأن هناك تنسيقا عالى المستوى، يقضى بقبول دخول القوات العراقية إلى كركوك، فى محاولة أمريكية للضغط على بارزانى. يمكننا القول إنه حتى لا تتدهور الأوضاع، يتعيّن على واشنطن الآن الضغط لإجراء مفاوضات فى الفترة المقبلة، بالإضافة إلى الحفاظ على وجودها الاستشارى الضئيل فى كركوك، مع توعية الأطراف حول حقيقة الأوضاع، ورعاية التواصل بين الجانبين، لوأد الأزمات. ويتعيّن على الوسطاء الأمريكيين أن يدْعوا إلى اتخاذ تدابير، تضمن تخفيف حدة التصعيد، مثل إيقاف إرسال تعزيزات إلى المنطقة، ونقل الأسلحة الثقيلة مثل المدفعية والدبابات إلى مسافة متبادلة، وفرض حظر على التحرّكات الليلية، وقيام اتصالات متبادلة لإعلام كل جانب بالتحركات الجديدة للقوات.

كما ينبغى على أمريكا أن تمنح الأولوية لحل جزئى وتدريجى للأزمة، على المدى القريب، مثل عودة البعثات العسكرية الفيدرالية المحدودة إلى المواقع التى يسيطر عليها «الاتحاد الوطنى الكردستانى» فى كركوك، بدلًا من القيام بـ«صفقة ضخمة»، تتطلب العودة الفورية للقوات الاتحادية الكبيرة إلى جميع المناطق، التى استسلمت فى عام ٢٠١٤، خاصة أن هذه القوات العراقية ضرورية، للقيام بعمليات فى أماكن أخرى من البلاد، ضد تنظيم «داعش»، كما أن كركوك غير مجهزة بعد لتزويدهم بالمساكن اللازمة، والدعم اللوجستى.

قد يكون الدعم الأمريكى للبعثات العسكرية العراقية الصغيرة فى كركوك بداية آلية أمنية مشتركة ثلاثية الأطراف، لإدارة المدينة، والتى قد توسّعها بعد ذلك القوات الاتحادية، وحكومة إقليم كردستان، والقوات الأمريكية، إلى مناطق أخرى متنازَع عليها.

وقبل كل شىء، تحتاج واشنطن إلى اتخاذ إجراءات فورية، لمنع حلفائها من القتال مع بعضهم البعض فى الأيام المقبلة، مع التركيز على التدابير، التى تشجّع التقدم التدريجى، وبناء الثقة، خاصة أن هناك حاجة ماسة إلى شرطة فيدرالية، مجهّزة بأسلحة خفيفة، تقوم بدوريات فى حقول النفط، لمنع هجمات المتمردين من تنظيم «داعش»، على الموارد الهيدروكربونية الرئيسية.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل