المحتوى الرئيسى

رشا سري تتذكر: أول بث حي للحرب على الهواء مباشرة - E3lam.Org

10/16 18:09

شاركها Facebook Twitter Google +

تابعت مثل غيري استفتاء الأكراد في إقليم كردستان العراقي آواخر الشهر الماضي والآراء المختلفة حوله وردود الأفعال المحلية والعالمية وعلي مواقع التواصل الاجتماعي. ولكن منذ ذلك الحين وأنا استرجع ذكريات جميلة من العمل في قناة النيل الدولية وعاد بي الزمن الي مساء يوم الأربعاء ١٥ ديسمبر ١٩٩٨ ليلة عملية ثعلب الصحراء التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة بسبب ما وصفته بعدم تعاون العراق مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

كنا نعمل تحت قيادات إعلامية عملاقة: الأستاذ حسن حامد والأستاذة سناء منصور وكان نظام العمل مختلفاً فالمذيعين يقوموا بتحرير وقراءة النشرة أيضاً ومع قرب انتهاء نوبة العمل كنت أقوم بتحرير نشرة منتصف الليل والواحدة صباحاً موعد انتهاء الإرسال حينذاك (إحساس مختلف تماماً حين تُنهي إرسال قناة بموجز لأهم الأنباء مع ابتسامة وتمنيات بقضاء ليلة سعيدة).

وقبل دقائق من منتصف هذه الليلة كنا نشاهد قناة CNN الأمريكية مترقبين تطورات الموقف ومستجدات الوضع في العراق مع انتهاء المهلة المحددة لبلاد ما بين الرافدين. وبما إنه لم يكن هناك جديد فقام المذيع الذي جاء دوره في قراءة النشرة وكان صديقي المذيع اللامع في سماء قناة CBC Extra حالياً شادي شاش وقام بالتوجه الي الاستوديو لقراءة نشرة منتصف الليل. ومع دقات منتصف الليل اشتعلت شاشة القناة الأمريكية بلهيب الحرب وكانت المرة الأولي التي نشاهد فيها حرباً علي الهواء مباشرةً. واتصلت سريعاً بالاستوديو لكي يبلغوا شادي بالأمر وإني سوف الحق به علي الهواء ومعي المستجدات. وقامت قناة النيل الدولية بالبث الحي نقلاً عن CNN ليتم نقل أول حرب علي الهواء مباشرةً علي شاشة تلفزيونية مصرية.

في هذا الوقت لم يكن استوديو النيل الدولية مجهزاً لأكثر من مذيع علي ديسك النشرة ولم يكن مجهزاً لتلقي الاتصالات علي الهواء ولم يكن مجهزاً لتحديث النشرة فكنا نقرأ من الورق والنشرة محملة علي ال auto quo ولا يمكن تعديلها. وقام فريق عمل الاستوديو بتجهيز كل ذلك في ١٠ دقائق وعلي الرغم من ان العشر دقائق تعتبر دهراً من الزمان في تغطية حية إلا إنه كان إنجازاً غير مسبوق في تلك الليلة في تاريخ التلفزيون المصري كله.

كان المحررون يطبعون الأخبار من وكالات الأنباء ويعدوا عدواً بين الطرقات ليصلوا سريعا الي الاستوديو محملين بالمستجدات للمذيعين في الاستوديو. وكان الجاليري يعج بالأصوات والصراخ والهيستريا وفجأة دخلت الأستاذة سناء منصور، المعروفة بعصبيتها وحزمها في التعامل معنا ولكن أيضا بطيبة القلب وخفة الدم، صارخةً في أنا وشادي:” انتوا سايبين ال CNNبتشتم في العراق وساكتين !!! ما طلعتوش تتكلموا ليه؟؟؟؟” وعبثاً حاولت اقناعها بان الاستوديو لم يُجهز بعد الا انها اقتحمت الجاليري ولا أدري ماذا قالت ولكن من الواضح من الزجاج ان الموضوع لم يكن في صالح طاقم الإخراج والهندسة.

وخلال دقائق كنا علي الهواء أنا وشادي ننقل أول بث حي لحرب علي التلفزيون المصري…….

وكان أمامنا عدة تليفون بيضاء عتيقة وبدأنا في تلقي الاتصالات علي الهواء مباشرةً من مسؤولين ومحللين وكانت الأستاذة سناء منصور تقوم بالاتصال بهم علماً ان الموبيل كان مازال حديث العهد. ومضت الساعات وقرب الساعة الثانية صباحاً أدركت إني تأخرت عن موعدي وإن أمي بالتأكيد ستقلق علي وخلال فاصل طويل اتصلت بها وأنا علي ديسك النشرة من التليفون الأبيض أبو زراير إياه وكان حواراً فريداً. قالت أمي: “إيه اللي بتعمليه انتي وشادي ده علي الهواء. القناة الأولي بتذيع فيلم لصفية العمري وإنتوا بتذيعوا حرب؟؟؟ فقلت لها أنا حتأخر ومش عارفه امتي حرجع ولازم أقفل حالاً. فقالت لي رحمة الله عليها: “يعني إيه؟ حترجعي لما الحرب تخلص ولا إيه؟؟ “يا ماما لازم أقفل احنا علي الهواء بعد ثواني” فختمت بقولها: “علي فكرة انتوا الاتنين عملين شغل جامد وشكلكم يشرف ومتمكنين من أدواتكم”

وإذا بالمخرج وائل السيد يقتحم باب الاستوديو برجله صائحا: ” مدام أولبريت مدام أولبريت مدام أولبريت” كان يقصد ان وزيرة الخارجية الأمريكية في ذلك الوقت مادلين أولبرايت ستلقي كلمة الآن علي الهواء… وبهدوئه وخفة ظله المعتادة رد شادي قائلاً: “خليها تتفضل”

وفي الساعة الرابعة والنصف من صباح يوم الخميس ١٦ ديسمبر ١٩٩٨ خرجنا من الاستوديو بعد أربع ساعات ونصف متصلة علي الهواء محملين بأول خبرة في نقل حرب علي الهواء في التلفزيون المصري كله. كنا مرهقين ولكن داخلنا جرعة من الادرنالين تكفي ان تُبقينا ساعات أخري. وكانت الأستاذة سناء منصور أول من دخل الاستوديو بعد انتهاء الهواء وحضنتنا وقبلتنا لفترة طويلة قائلةً: ” برافو يا حبايبي شرفتونا”.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل