المحتوى الرئيسى

بين العلمانية والإسلام (3-7)

10/14 22:38

فى الإسلام.. لا إكراه فى الديـن

تنادت العلمانية بعدم فرض دين بعينه، أو الإجبار على اعتناقه، وهى دعوة سبق إليها الإسلام من واقع إدراكه أن الأديان لا تُفرض بالقسر والإرغام، وإنما أساسها الهداية والرضا والاقتناع، فكانت الدعوة إلى الإسلام قوامها الحكمة والموعظة الحسنة، فجاء بالقرآن الحكيم فى أمر صريح إلى رسول الإسلام (عليه الصلاة والسلام): {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (النحل 125)، ويقول له فى آية أخرى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ} (الغاشية 21، 22).

هذا التذكير والهداية والإقناع، قوامها الرحمة لا الفظاظة أو الغلظة، فيقول القرآن للنبى (عليه الصلاة والسلام): {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (الأنبياء 107)، ويقول له فى سورة آل عمران: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} (آل عمران 159).

إن القرآن المجيد يرفض كل صور الاستعلاء فى علاقات الأفراد بعضهم ببعض، وفى علاقة الحاكمين بالمحكومين، والأغنياء بالفقراء، كما يرفض أن تكون السلطة سبباً أو فرصة للعلو والركوب على رقاب الناس، ويرفض أن تكون العظمة أو الأبهة إطاراً يتحاكم إليه الناس، أو درجاً يتسلقون به أو ينتظرون منه مغانم لذلك سواء فى الدنيا أو فى الآخرة.. وفى القرآن الحكيم: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِى الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (القصص 83)، وفى القرآن أيضاً: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِى جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ} (الزمر 60)، {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِى الأَرْضِ} (الأعراف 146)، {فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِى الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} (الأحقاف 20).

أكدت هذه المبادئ القرآنية أن الإسلام ليس دعوة تُفرض بالقسر أو الإكراه أو الإرغام، فجاء بالقرآن المجيد: {لاَ إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ} (البقرة 256).

وجاء فى موضع آخر من القرآن الكريم: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِى الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْره النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} (يونس 99).

فالعقل والتفكير، والدعوة والإقناع، قائمان فى الإسلام مقابل الجمود والتعنت، والهداية أساسها الاتجاه إلى الله لا الخضوع لسلطان الكهانة، فأينما يُولّى الإنسان فثم وجه الله، يقول تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ} (البقرة 115)، والإنسان مسئول عن نفسه، يحمل مسئوليته أمام ربه لا أمام كاهن. يقول عز وجل: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِره فِى عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً} (الإسراء 13)، ولا سلطان على الإنسان فى شأن دينه لسلطة دينية أو سلطة سياسية.

فالحرية فى اعتناق الدين حرية مكفولة فى الإسلام، لا حاجة بها لما نهضت العلمانية لدفعه عن الناس، وحمايتهم من فرض دين بعينه عليهم!

الدين والدولة.. بين العلمانية والإسلام

افترضت العلمانية أن الإسلام مجرد رسالة روحية، لا شأن لها بالدولة والحكم والحكومة، وأن هذا الفراغ يستوجب الإنصات لمنظرى العلمانية، والأخذ بأفكارهم المنظمة لشئون الحكم ونظامه وحكومته.

والذى لا مراء فيه أن «الدولة» ليست ركناً ولا أصلاً من أركان الإسلام وأصوله، بيد أن ذلك لا يعنى وجود الفراغ الذى عناه العلمانيون، لأن الإسلام وضع مبادئ للحكم وإن لم يَفرض نظاماً بعينه.

ودون حاجة للدخول فيما افترضته الشيعة الإمامية من اعتبار الإمامة ركناً من أركان الدين، أو ما اختلف فيه المنظرون حول «الخلافة» وهل هى بذاتها أصلٌ من أصول الحكم من عدمه، فإن الذى لا يقع فيه خلاف أن القرآن الحكيم تضمن أسساً ومبادئ لنظم الحكم بعامة، ينبغى التزامها على الحكم وعلى الحكومة، مع ترك سعة للتطبيق فى اختيار صور نظام الحكم والتفاصيل، وهو بهذه السعة، مع المبادئ العامة، قد أتاح للمسلمين أن يختاروا وأن يفاضلوا ويفضلوا ما يرونه موافقاً للظروف والمكان والزمان، وفى بحبوحة تترك لهم مجال الاجتهاد مفتوحاً دون أن يحتاجوا إلى استيراد من أفكار العلمانية أو سواها، أو استعارة ما ينبو أو لا يتفق مع دينهم ومجتمعاتهم.

الخلافة ليست أصلاً من أصول الحكم فى الإسلام

من المؤكد، المقطوع به، أن رسول الله (عليه الصلاة والسلام) لم يستخلف أحداً فى حياته، ومن المؤكد المقطوع به أيضاً أنه لاقى ربه دون أن يستخلف من بعده أحداً، ولو فعل لانقطعت أى ادعاءات، ولا نقطع أيضاً أى خلاف، فما كان لأحد، من المهاجرين أو الأنصار، أن يدّعى شيئاً لم يأمر به عليه الصلاة والسلام، أو يوصى به!

وسيرة النبى (عليه الصلاة والسلام) تقطع بذلك وتؤكده، فقد خلت من أى أمر أو توصية بالخلافة، لا لأحدٍ بعينه، ولا بصفة عامة، وليس يخفى أن النبوة غير قابلة للتوريث أو الخلافة، فلا أحد أيّاً كان شأنه يمكن أن يخلف الرسول فى نبوته.

أعود فأقول، إنه من المؤكد المقطوع به أن الرسول (عليه الصلاة والسلام) لم يأمر ولم يوصِ بخلافة فى شئون الدنيا، ولم يأمر أو يوصِ بخلافة أحد بعينه ليقوم على أمر المجتمع الإسلامى فى شئون الدنيا، أما النبوة فلا مجال بداهةً وأصلاً للخلافة فيها.

ولو كان عليه الصلاة والسلام قد أوصى لأحد، ما أباح الأنصار لأنفسهم أن يرشحوا أحدهم لولاية الأمر يوم سقيفة بنى ساعدة، ولو كان عليه الصلاة والسلام قد أوصى لأحد بعينه، لما جرؤ الفاروق على أن يقول لأبى عبيدة بن الجراح فى ذلك اليوم: «امدد يدك أبايعك»، ولو كان قد أوصى لكان رد أبى عبيدة خلاف الرد الذى رد به، ولصرَّح فى وضوح وجلاء بمن أوصى النبى أن تكون له إدارة المجتمع فى شئون الدنيا، ولو كان عليه السلام قد أوصى، لالتزم أبوبكر الصديق بوصيته لحظة أن لحق بالسقيفة، ولاستند إلى من أوصى الرسول إليه بولاية أمر الدنيا، ولما كان قد بدأ بترشيح أىٍّ من الرجلين: عمر وأبى عبيدة!

ولم يتحدث الصديق يوم بويع، ولا بعده، بأنه يتوسد حكم أو إدارة المجتمع، بأمر أو بتوصية من الرسول (عليه الصلاة والسلام)، بل كان يقول ومثله الفاروق من بعده إنه قد تولى أمر المسلمين وليس بخيرهم، فإن وجدوا فيه استقامة أعانوه، وإذا انحرف عن الجادة ردّوه وقوموه.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل