المحتوى الرئيسى

الاغتراب فى الوطن

10/14 22:38

أثمرت البذور التى غرسها الرئيس أنور السادات فى التربة المصرية، وبدأت تسقط ثمارها المُرة على رؤوس الجميع، قد تصور رعاة هذه البذور اليوم أن ثمارها المُرة تسقط على رؤوس الأقباط فقط، ولكن الحقيقة أن هذه الثمار تسقط على رؤوس الوطن وعلى كافة المواطنين، وأن تداعياتها الكلية لم تظهر بعد، فقد غرس السادات بذوراً شيطانية فى التربة المصرية، بذور التعصب والتطرف التى انتشرت فى كافة مؤسسات وأجهزة الدولة المصرية فأنتجت شوكاً وحسكاً، بذوراً تفرق بين المصريين على أساس الدين والطائفة، تقول للعامة إن الأقباط يتبعون ديانة فاسدة وإنهم مشركون يعبدون ثلاثة آلهة، وإنهم يمارسون داخل الكنائس أعمال السحر والشعوذة، بث ذلك فى وسائل الإعلام، وسربها إلى مناهج التعليم التى سلمها للإخوان بعد الإفراج عنهم من السجون والسماح لهم بالعودة من الخليج وتحديداً السعودية، أطلق قطاعاً من الشيوخ المتشددين ليسبوا المسيحية ليل نهار فى تليفزيون الدولة وكنا ونحن فى سن مبكرة نشاهد هذا التهجم فنغلق التليفزيون، أنشأ الجماعة الإسلامية وأمدها بالمال والسلاح لمواجهة التيارين القومى واليسارى فى الجامعات المصرية، فوجهوا إرهابهم إلى الطلبة الأقباط فى الجامعات المصرية وتحديداً المدن الجامعية، كل ذلك فى ظل حالة من الرعاية والغطاء السياسى من النظام. أسفر ذلك عن أجيال من المصريين ضربها فيروس التعصب والتطرف وباتت صورة شريك الوطن المخالف فى الدين والطائفة شيطانية، فهو إنسان كافر، ينبغى التضييق عليه فى الطرق، والتمييز ضده إلى حد الاضطهاد، وتمت صياغة منظومة من القوانين واللوائح التنفيذية، وإرساء أعراف تميز ضد المخالف الدينى والطائفى وتلح عليه طوال الوقت بأنه غريب فى أرض هذه البلاد. وقد جرى فى هذا السياق تديين المجال العام بالكامل، فالإطار العام للنظر إلى القضايا العامة والخاصة بات دينياً بالكامل، جرى تديين كل شىء حتى لعبة كرة القدم، وما حكاية الطفل مينا والأخ إكرامى إلا مثالاً على ذلك، وحكاية المشاهد الباكى فى مباراة الكونجو الأخيرة الذى انتفض قائلاً «اتهمونى بأننى مسيحى فى حين أننى مسلم وموحد بالله» ما قاله هذا الشاب المتعلم يمثل مثالاً صارخاً على ما وصلنا إليه فى مصر من تديين المجال العام وتشويه الديانة المسيحية من قبل مؤسسات النظام وأجهزته المختلفة، ما قاله لا يخرج عن السياق العام لرؤية غالبية المصريين المسلمين للمسيحية والمسيحيين، هذا بينما يمارس الأقباط حبهم لبلدهم وترابها الوطنى، ورغم ما يتعرضون له إلا أنهم يحبون بلدهم ويعشقونه، وينكسرون لانكساره ويفرحون بفرحه، رغم الظلم والجور الذى يتعرضون له، والسياسات التمييزية المقيتة التى تمارس ضدهم وضد أبنائهم، لم يشمتوا فى وطنهم عندما تعرض للهزيمة والانتكاس، لم يصلّوا ركعات شكر لله على إنزال الهزيمة بالجيش المصرى مثلما فعل قادة الجماعة وخصوم عبدالناصر من الشيوخ، يقدمون التضحيات المتتالية من أجل الوطن دون شكوى أو أنين، يؤلمهم ما يفعله شركاء الوطن من تشويه متعمد وهجوم غير مبرر وصل إلى القتل على الهوية فى عشرات الوقائع.

يا من بيدكم الأمر بادروا بالتصدى لثمار التعصب والتمييز، ثمار الطائفية والتطرف الذى ينذر بتمزيق شمل البلاد، كم من بلدان أصم المسئولون فيها آذانهم عن سماع أنين قطاع من المواطنين، وحولوا نظرهم عمداً حتى لا يروا ما يجرى على الأرض من ظلم وتمييز وكمموا الأفواه حتى لا تنطق بكلمة الحق وكانت النتيجة الشعور بالاغتراب فى الوطن الذى كان مقدمة لتفتيت أوصاله.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل