المحتوى الرئيسى

«زواج القاصرات» يفجر الخلافات مجددًا بين السيسى والطيب

10/14 20:16

يبدو أن الخلافات بين الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، والرئيس عبد الفتاح السيسي، ستعود من جديد، خاصة بعد حديث الرئيس عن ضرورة الحد من زواج «البنات القاصرات»، ثم رد «الطيب» على هذا الأمر، والذي قال إنه لا يوجد نص صريح قاطع فى القرآن أو السنة يبيح أو يمنع زواج القاصرات.

وأوضح «الطيب»، أن هذه الظاهرة توجد أحيانًا، ومن هنا لابد أن تتم مواجهتها بالتشريعات، والبعض أجاز ذلك، والبعض قال إن العقد باطل، ولكن مسألة تحديد السن تخضع لظروف العصر، وكون إن السن الآن 18.. أهلًا وسهلًا لا مانع.

ولأول مرة يوجه شيخ الأزهر، تحذيرًا خطيرًا لمن ينتقد تدخل الأزهر في القضايا الدينية الاجتماعية، حيث قال شيخ الأزهر، إنه من المعلوم ومن المتحقق في الواقع أن الدستور أسند إلى الأزهر مهمة القول الفصل في كل ما يتعلق بالإسلام وشريعة الإسلام، وأن الزواج وما يتعلق به من مسائل مثل الخطبة أو العقد أو الدخول أو الطلاق وما يترتب عليها، للشرع فيها تحديدات واضحة جدًا، والتدخل فيها ليس لتقييد الحريات كما يُظن، وإنما لحماية الأسرة ورعايتها، لأن قيمة المجتمع تنبني على قيمة الأسرة والعكس صحيح، إذ لا يخرج تشريع واحد فيما يتعلق بالأحوال الشخصية إلا بعد أخذ رأي الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية، وإن اقتضى الأمر رأي هيئة كبار العلماء.

وفي استجابة سريعة من جانب الحكومة لنداء الرئيس السيسي نحو مواجهة ظاهرة زواج القاصرات، كلف المستشار حسام عبد الرحيم، وزير العدل، قطاع التشريع بمراجعة مشروع قانون يغلظ عقوبة الزواج المبكر لمن هم أقل من سن الـ18 عامًا، ويجرم مشروع القانون الذي يجرى إعداده لعرضه على مجلس الوزراء وإرساله إلى البرلمان، زواج القاصرات، وجعله إحدى جرائم العنف ضد المرأة، وتغليظ العقوبة للسجن لأكثر من 7 سنوات والغرامة، لكل من اشترك في الجريمة سواء المأذون أو أحد أقارب الضحية أو أقارب الزوج، وكذلك أئمة المساجد الذين يقومون بتزويج الفتيات القاصرات.

دعوة «السيسي» لاقت ترحيبًا شديدًا داخل مجلس النواب، حيث أعلن نواب البرلمان دعمهم لنداء الرئيس، وكشفت النائبة مارجريت عازر، وكيل لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان، عن إعدادها تشريعًا يجرم «زواج القاصرات»، ويقضي بحبس ولي الأمر، والمأذون، ووالد الزوج، أو أقاربه، وكل من يشترك في عقد الزواج.

ووفقًا للمعلومات، فهناك أكثر من 220 نائبًا يؤيدون دعوة الرئيس، ويرفضون تدخل الأزهر كما حدث من قبل في قضية «الطلاق الشفوي»، وتعديل قانون الأزهر الذي تقدم به النائب محمد أبو حامد.

الغريب في الأمر، أنه رغم تأكيد شيخ الأزهر بأنه لا يوجد نص من القرآن والسنة يمنع أو يبيح زواج القاصرات، إلا أنه ظهر بحث صادر عن مشيخة الأزهر تحت عنوان «موقف الإسلام من زواج القاصرات»، بتاريخ 23 فبراير 2016، حيث اعترف البحث بأحقية الرئيس في تحديث سن زواج البنات، وجاء فيه: «يجب أن يراعى عند طرح هذه القضية، أنها مما يتغير بتغير الأعراف، وأحوال الناس، وأن ما كان سائغًا في زمان، قد يكون منكرًا في غيره، وعليه فإن إقحام الدين وجعله سيفًا مسلطًا على أفعال الناس، وعاداتهم في مثل هذه القضية يعتبر متاجرة به».

وذكر البحث أنه «بالنسبة لتقييد المباح، فقد اتفق الفقهاء على وجوب طاعة ولي الأمر في تقييد المباح إذا تعينت فيه المصلحة أو غلبت، عملًا بالقاعدة الفقهية: كما أن لولي الأمر سلطة سن قوانين يمنع الناس فيها مما كان مباحا لهم في وقت سابق ولنا في صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأسوة الحسنة فها هو عمر بن الخطاب يمنع من رجوع الرجل لامرأته إذا طلقها ثلاثا في مجلس واحد رغم أنه كان من الجائز أن يعود إليها في السابق وذلك حفاظا منه على مصلحة الرعية إذ رأى كثرة تلاعب الناس بالطلاق فأراد أن يؤدبهم وأن يحافظ على كيان المرأة والأسرة فلا يتلاعب الرجل بطلاق زوجته كلما عنّ له، وكذلك فإنه أسقط حدا من حدود الله تعالى عام المجاعة اعتبارا لأحوال الناس ومصالحهم ولم ينكر عليه أحد من الصحابة ذلك، وبالتالي فلا ينبغي مخالفة أمر ولي الأمر ما دام يصب في مصلحة الناس».

وعن حكم تدخل وليِّ الأمر في تحديد سن الزواج، قال الأزهر في بحثه، إن وجهة نظر الفقهاء في هذه القضية تتمثل في اتجاهين: الاتجاه الأول: يرى أصحابه جواز تحديد سن الزواج، وتقييده بسن معينة عن طريق ولي الأمر، وهو مذهب الفقيه ابن شبرمة، وعثمان البتي، وأبي بكر الأصم، واستدلوا على ذلك بالكتاب والسنة.

أولًا: الكتاب، قوله تعالى: "وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ".

ثانيًّا، السنة، لَ"ا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ إذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُت"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ووجه الدلالة من الحديث: أنه لا بد من أخذ إذن البنت البكر عند الزواج، وهذا يتطلب أن تكون بالغة راشدة، حتى يتسنى أخذ إذنها ومشورتها، وهو ما لا ينطبق على من لم تبلغ خمس عشرة سنة.

أما الاتجاه الثانى: يرى أصحابه عدم جواز تحديد سن معينة للزواج من قبل ولي الأمر، وهو ما ذهب إليه غالبية الفقهاء، قال ابن المــنذر: "أجمع كل من نحـفظ عنه من أهل العلم، أن تزويج الأب ابنته البكر الصغيرة جائز، إذا زوجها من كفء، وهذا الاتجاه مبني على اتفاق الفقهاء بأن المرأة حتى وإن زوجت (عُقد عليها) صغيرة فإنها لا تُسَلَّمُ إلى الزوج حتى تُطِيقَ العلاقة الزوجية".

وترجيحا للاتجاهين أكد الأزهر، أنه الراجح ما ذهب إليه الفريق الأول من تقييد سن الزواج بسن معينة، وهو لا يعد من الأمور التي فيها مخالفة للشرع، بل هو من باب تغير الفتوى بتغير الزمان والعرف والحال؛ ولذلك من القواعد الفقهية المعمول بها عند الفقهاء: «لا يُنكر تغيّر الأحكام بتغير الزمان»، على أن يكون تحديد سن الزواج من ولي الأمر مشروطا بالمصلحة التي يتوخاها التشريع، ويدفع المفسدة عن القاصرات، لأن تصرفه منوط بالمصلحة كما نص الفقهاء.

ويؤكد هذا البعد أن النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، عقد على أم المؤمنين السيدة عائشة، رضي الله عنها، بموافقة وليها الشرعي، إلا أنه لم يدخل بها إلا بعد أن أصبحت تطيق الحياة الزوجية من معاشرة وغيرها حسب طبائع وعادات الناس في ذلك الزمان، ولم يكن زواجه منها صغيرة واقعة عين حتى نستغربها وإنما كانت ثقافة وعادات العصر في ذلك الوقت تجيزه والحوادث والتاريخ شاهد على ذلك، وهو ما يدل على أن الأحكام التي تحيط بزواج الصغيرة عقدًا ودخولا إنما هي بنت بيئتها، وظروفها الاجتماعية مع مراعاة أعراف الناس في كل عصر.

على الجانب الآخر، ووفقًا للمعلومات داخل الأزهر، فإن «الطيب» رفض مقترحًا بضرورة خروج بيان تفصيلي عن الرأي الشرعي عن زواج القاصرات ردًا على تحركات الدولة والبرلمان.

وطالب «الطيب» بضرورة عدم التصعيد هذه المرأة في وسائل الإعلام، وعلى أن يتجنب أعضاء هيئة كبار العلماء، الحديث في القضية من منظور يظهر الدفاع كما حدث من قبل في قضية «الطلاق الشفهي».

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل