المحتوى الرئيسى

«السيبوترامين».. مادة قاتلة فى دواء تخسيس يباع فى الصيدليات

10/14 14:20

فى منتصف العام ٢٠١٠، أطلقت اللجنة الفنية لمراقبة الأدوية بوزارة الصحة، بيانًا رسميًا حظرت فيه دخول أى أدوية مستوردة تحتوي على مادة تسمى «السيبوترامين»، خاصة بأدوية التخسيس المستوردة، لكونها تتسبب فى أمراض مزمنة وأزمات قلبية وجلطات دماغية.

أعقب بيان الصحة، تحذير رسمى من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية «FDA» فى ١٦ أكتوبر عام ٢٠١٠، حظرت فيه استخدام مادة «السيبوترامين» ــ التى وصفتها فى بيانها الرسمى بـ«القاتلة» ــ فى أدوية التخسيس.

٧ أعوام مرت على تحذيرى «الصحة» و«FDA»، ورغم ذلك لا تزال مادة «السيبوترامين» القاتلة تدخل فى صناعة أدوية التخسيس المستوردة.

«الدستور» تكشف فى هذا التحقيق تعمد شركات أجنبية غير مرخصة يديرها غير متخصصين فى الخارج، ولديها موزعون معتمدون فى مصر ـــــ منها شركة «ماجيستيك» التى تنتج دواء «تيربو سليم»، وتخفي اسم المادة الفعالة «السيبوترامين»، والتي تؤدى إلى الوفاة بعد الإصابة بالسكتات القلبية والدماغية.

10 حبات من «تيربو سليم» تقضى على حياة سلمى.. و«طوارئ الهرم»: الحالة السابعة

فى منتصف مارس ٢٠١٧، عادت «سلمى سعيد» ٢٦ عامًا، إلى منزلها فى حى فيصل بالجيزة، بعد يوم عمل شاق، لتجد ابنتيها «ندى» و«منى»، عامين و٧ أعوام، ينتظرانها برفقة شقيقتها الكبرى «نادية» وزوجها، وجلس الجميع على المائدة لتناول الغداء.

لم تكن سلمى تشعر بأى ألم أو مرض، ورغم ذلك، وعقب مرور ٥ دقائق من جلستها بجوارهم، شعرت بنغزات فى قلبها، وبدأ الألم يزيد وتتغير ملامح وجهها، ويتصبب العرق الغزير من وجنتها، حتى فوجئ الجميع بصرختها وسقوطها مغشيًا عليها وهى لا تزال تمسك قلبها.

حملتها أختها وزوجها إلى مستشفى «الهرم»، بعدما حاولا إفاقتها دون جدوى، واستقبلهما أطباء الطوارئ فى المستشفى، ووضعوها فى العناية المركزة لإجراء الإنعاشات اللازمة على قلبها، فلم تأتِ بنتيجة، ليخرج الطبيب ويخبرهما بوفاتها نتيجة سكتة قلبية مفاجئة.

«سلمى» لم تكن سوى ضحية دواء يسمى «تيربو سليم» أحد أشهر أدوية التخسيس المستوردة، رأت إعلاناته على الإنترنت، وهو عبارة عن كبسولات على شريطين، كل شريط يحتوي ١٠ أقراص، وثمن العلبة ٣٥٠ جنيهًا، ويزعم مروجوه أنه لا يحتوى سوى على بضعة أعشاب طبيعية للتخسيس، أخذته الفتاة فى محاولة لإنقاص وزنها بعدما وصل إلى ٨٠ كيلوجرامًا، إلا أنها عقب تناول ١٠ حبات منه أصيبت بسكتة قلبية.

بدموع لم تفارقها رغم مرور عدة أشهر على الواقعة، تروى «نادية» ما حدث لشقيقتها، قائلة إنها «كانت تريد إنقاص وزنها قرابة ١٠ كيلوجرامات فقط، فاشترت علبتين من دواء (تيربو سليم) من الصفحة الرسمية له على موقع التواصل الاجتماعى (فيسبوك) دفعت فيهما ٧٠٠ جنيه».

المفاجأة الكبرى التى كشفتها أختها، ما حدث فى مستشفى الهرم، حين حاول أطباء الطوارئ إفاقة «سلمى» دون جدوى، وسألوها عن أى أدوية أو عقاقير تتناولها، فأخبرتهم بدواء «تيربو سليم» المستورد للتخسيس، فأكد لها الطبيب أنها الحالة رقم ٧ التى جاءت تعانى من نفس الأعراض وتتوفى فى المستشفى منذ مطلع العام الجارى والسبب هو أدوية التخسيس المستوردة.

كان لا بد من التأكد من تلك المعلومة، وعدم الاكتفاء بشهادة الضحية، فذهبنا إلى مستشفى الهرم، واستقبلنا الدكتور أحمد بسيونى، مدير إدارة الطوارئ، الذى ذكر أن مستشفاه بالفعل شهد حالات مُشابهة لما حدث مع «سلمى» خلال الفترة الأخيرة بسبب استخدام أدوية تخسيس مستوردة.

وأضاف: «الضحايا دائمًا ما يأتون إلى المستشفى متوفين بالفعل، ولا يوجد فى أجسادهم أى إصابات عضوية ولا يعانون أمراضًا، فيضطر الطبيب للجوء إلى الأهل، وعند سؤالهم عن الأدوية التى يستخدمها المتوفى يكتشف أنها أدوية مستوردة للتخسيس ومكملات غذائية».

ناجيات من الموت: «ريقنا نشف وقلبنا وقف.. وروحنا اتسحبت»

إنجى حاتم، ٢٨ عامًا، حالة أخرى وثقها التحقيق، كاد يودى الدواء بحياتها، بعدما اشترته من إحدى الصيدليات فى منطقة الوراق ــ تحفظت على نشر اسمها ــ خلال شهر رمضان الماضى بمبلغ ٣٠٠ جنيه.

الفتاة داومت عليه طوال شهر رمضان، وكانت تأخذ كبسولة قبيل السحور، بعدما وصل وزنها إلى ١٠٠ كيلو، وتقول: «كنت هموت بسببه، بعدما شعرت بسرعة فى ضربات قلبى تتكرر كل فترة، وانخفض ضغطى، وأصبح فمى جافًا طوال الوقت وأشعر بالعطش الشديد ورعشة فى يدى».

لم يكن أمامها قبل وقف الدواء سوى استشارة طبيب، الذى أكد لها أنه السبب فى كل ما يحدث فأوقفته على الفور.

تلك المضاعفات الجانبية التى ذكرناها سالفًا، هى نفسها التى شعرت بها «مروة حكيم»، فتاة ثلاثينية، كادت تصبح إحدى ضحايا دواء التخسيس القاتل «تيربو سليم»، بعدما اشترته من صفحته الرسمية على الإنترنت إلى منزلها بعدما وصل وزنها إلى ١٠٠ كيلو.

تحكى «مروة» لـ«الدستور»: «بدأت أخذ الدواء منذ ٦ أشهر مضت، وشعرت بتقلبات فى المعدة، على مدار ثلاثة أيام لم أذق الطعام أو المياه وأصابنى أرق شديد، وأصبحت أكثر عصبية، وشحب لون وجهى وانتابنى ضعف وسرحان وعدم تركيز شديد».

وتضيف الفتاة، أن ضربات قلبها بدت ضعيفة فى أواخر الأسبوع الأول من تناول الدواء، وشعرت بجفاف غير طبيعى فى فمها، ما دفعها للتخلص من باقى العلبة والامتناع عنه فى وقتها.

ضحية أخيرة، رصدها التحقيق، هى «إيمان حلمى»، فتاة فى منتصف العشرينات، اشترته من الصفحة الرسمية للدواء تقول: «لم آخذ سوى ٥ حبات، بعد وصول وزنى إلى ٧٥ كيلو، حتى شعرت بنبضات قلبى تقل كأنه يتوقف وروحى تنسحب من جسدى».

ليس ذلك فحسب، بل بدأت علامات انتفاخ تظهر فى أماكن متفرقة من جسدها مثل قدميها، وعينيها، وتحول لونها إلى الأصفر، حتى توقفت عنه بعد استشارة أحد أطباء العلاج الطبيعى والتخسيس.

الشركة المنتجة تخفى اسم «المادة القاتلة» من نشراتها.. وتروج لمنتجات مميتة

«تيربو سليم»، الذى أخذته «سلمى» وغيرها، وأدى إلى وفاتها، هو أحد أشهر أدوية التخسيس المستوردة، التى تُباع على الإنترنت والصيدليات، وتدعى الشركة المُصنعة فى إعلانها أنه يحرق الدهون فى كل أجزاء الجسم، ويحد من الشهية ويعزز مستويات الطاقة، ولا يحتوى سوى على بعض الأعشاب الطبيعية أى أنه طبيعى ١٠٠٪.

النشرة الداخلية للدواء، التى حصلت «الدستور» على نسخة منها، بعد شرائه من إحدى الصفحات المروجة له على الإنترنت والتابعة للشركة الأم، تقول إن الدواء مكون من بعض الأعشاب الطبيعية وهى: «جوز الكونسنج، مستخلص خل التفاح، مستخلص فاكهة الكيوى، الخرشوف القدسى، البطاطا الحلوة، صمغ الغار»، ومعدل تخسيس العلبة الواحدة من ٨ إلى ١٢ كيلو شهريًا ولا توجد أى إشارة لمادة «السيبوترامين» الداخلة فى تركيبه.

حسب الصفحة الرسمية لدواء «تيربو سليم» على الإنترنت، فإنه أحد منتجات شركة «ماجيستيك» الأسترالية للتخسيس، التى تمتلك موزعين معتمدين منها فى مصر، أمثال شركة «تريد الدلتا»، و«فينوس» التى فسخت تعاقدها معها فى ٢٧ مايو ٢٠١٤ دون أى أسباب، وشركة «هاربال ماكس»، وهى شركات موزعة تبيع الدواء على الإنترنت وتروجه دعائيًا فى القنوات، وتوزعه على بعض الصيدليات، وفقًا للصفحة.

وبحسب موقع شركة «ماجيستيك» للتخسيس، منتجة دواء «تيربو سليم» ــ الذى حصلت «الدستور» على اعتراف من أحد مسئوليها باحتوائه على مادة «السيبوترامين» القاتلة ــ، فإنها تعرف نفسها بأنها «شركة منتجات عشبية، وعلامة تجارية موثوق بها منذ ١٠ أعوام»، وأنها «رائدة فى مجال منتجات وأدوية فقدان الوزن الطبيعية، ومستحضرات التجميل والمكملات الغذائية».

وتنشر الشركة على موقعها شهادات من العملاء عن جودة منتجاتها، ومنها دواء «تيربو سليم» الذى يتصدر قائمة الإعلانات الرئيسية على الموقع بسعر ١١٠ دولارات.

واكتشفنا أن هناك سلسلة من أدوية التخسيس تنتجها الشركة نفسها وتروج لها تحت عنوان: «سليم» للتخسيس، منها: «هارفا سليم، إيزى سليم، سوبر سليم، سليم الجسم، أوبك بيتى سليم، بيوتش ميدى سليم»، ويبيعها الموزعون المعتمدون فى مصر وبعض الدول العربية الأخرى.

حسب المعلومات الأولية المتداولة عن مادة «السيبوترامين» فهى تستخدم لإنقاص الوزن، وصدرت منها أدوية خاصة بنفس الاسم، تعمل من خلال تأثيرها المحفز على مستقبلات «الدوبامين» داخل الجهاز العصبى المركزى وخارجه، وتقوم بتثبيط الإحساس بالجوع من خلال التأثير على الجهاز الهضمى والجهاز التحفيزى فى الجسم.

ومادة «السيبوترامين»، هى أشهر المواد التى تستخدم فى أدوية التخسيس بشكل عام، لا سيما المستوردة، لكونها تعطى إحساسًا بالشبع وتلعب على النواقل العصبية فى الجهاز الهضمى، وفقًا للدكتور عمر سلامة، أستاذ العقاقير والكيمياء والعلاج الطبيعى.

ويشرح سلامة طريقة عمل تلك المادة وتأثيراتها، قائلًا: «تساعد على خفض نسبة امتصاص مادة (الدوبامين)، التى تتحكم فى الدماغ وتؤثر على السلوكيات والإحساس، فيعطى بذلك إحساسًا وهميًا بالشبع لدى متعاطيها ما يقلل نسب تناوله للطعام».

ويضيف: «رغم قدرة مادة (السيبوترامين) على إعطاء إحساس قوى بالشبع طوال اليوم، فإن لها أضرارًا قوية فى المقابل، تتمثل فى الأزمات القلبية والسكتات الدماغية، لكونها تتحكم فى مادة (الدوبامين) المسئولة عن الإحساس والسلوك، وتم حظر استخدامها دوليًا بسبب خطورتها». ويبين أن آثارها الجانبية لها محوران، الأول قد تكون مفاجئة بالسكتة، التى لا يمكن إنقاذ المتداوى منها، والثانية هى الأعراض التدريجية بالرعشة وخفض ضربات القلب ونشفان البلعوم والهذيان والضعف أحيانًا، وارتفاع الحرارة، والقىء، والتعرق.

مسئولة بشركة موزعة تعترف بوجود «السيبوترامين» فى أدوية أخرى

لم يكن أمام معدة التحقيق بعد سرد شهادات الضحايا، سوى تحليل الدواء لإثبات وجود المادة المحظورة «السيبوترامين» فى كبسولات «تيربو سليم»، وهو ما حاولت إنجازه على مدار ٣ أسابيع من مدة إعداد التحقيق.

طرقت «الدستور» جميع الهيئات المعنية بتحليل الأدوية، بداية من المركز القومى للبحوث، مرورًا بالشركة القابضة للمستحضرات الحيوية واللقاحات، نهاية بمصلحة الكيمياء، إلا أن الجميع رفض استلام عينة الدواء أو تحليلها، بدعوى أن تلك الهيئات تتعامل مع مؤسسات الدولة الرسمية فقط، ولا تتعامل مع أشخاص أو صحفيين فى حالة تحليل الدواء.

كان الباب الأخير الذى طرقته لتحليل الدواء هو وحدة التحاليل الدقيقة بجامعة القاهرة، الوحيدة التى قبلت تحليل الدواء، إلا أن الطبيبة المُشرفة، طلبت من مُعدة التحقيق شراء ٥ مليجرامات من مادة «Stander Pure» وهى المادة الفعالة للدواء «السيبوترامين» من خلال أى شركة أدوية، حتى تتم مطابقتها بالمادة الموجودة بـ«تيربو سليم».

للمرة الثانية، طافت محررة «الدستور» بحثًا عن البديل النقى لتلك المادة، وطرقت معظم شركات الأدوية فى مصر من أجل الحصول عليها دون جدوى، لكونها مادة محظورة دوليًا ويحظر استخدامها فى أى مستحضرات دوائية، ولا توجد أى عينات خام منها فى مصر، سوى التى تستخدم فى الأدوية المستوردة وتدخل مصر مهربة.

ومع إغلاق الباب أمام محاولة تحليل الدواء، لم يكن أمامنا حتى نوثق وجود تلك المادة المحظورة فى الدواء من عدمه، سوى تسجيل اعتراف من أحد الموزعين المعتمدين للدواء فى مصر، وبالفعل وعلى مدار ٣ أيام تواصلت محررة «الدستور» مع شركة «دلتا تريد» وهى موزع معتمد لـ«تيربو سليم»، واستطاعت توطيد علاقتها بإحدى المسئولات فى تلك الشركة.

ودار حديث مسجل بين الموزعة المعتمدة ومُعدة التحقيق، ادعت فيه الأخيرة أنها فتاة بدينة، وأن الطبيب المعالج أمرها باستخدام دواء تخسيس مستورد يحتوى على نسبة مرتفعة من مادة «السيبوترامين».

وخلال الحديث، أكدت الموزعة أن «تيربو سليم» يحتوى على تلك المادة القاتلة بالفعل ويبلغ سعره ٣٠٠ جنيه، لكنها سألتها إذا ما كانت تعانى من أى أمراض فى القلب أو الضغط أو السكر؟ لكون الدواء يحتوى على نسبة عالية من مادة «السيبوترامين»، كى يعطى إحساسًا قويًا بالشبع طوال اليوم من أول كبسولة، معترفة بأنها مادة تؤدى إلى مضاعفات عالية لكونها تلعب على أعصاب المخ مباشرة.

ليس ذلك فحسب، بل بدأت الموزعة فى عرض باقى منتجات الشركة من أدوية التخسيس التى تحوى نفس المادة، منها أدوية: «ناتشرال، ريال، الاستربس، الاكستريم، الاكسبريس»، ويحوى كل منها ٤٠ كبسولة تؤدى إلى خفض الوزن ٦ كيلو خلال ١٠ أيام، وتتراوح أسعارها ما بين ٤٠٠ و٤٥٠ جنيهًا وفقًا لما عرضته على محررة «الدستور».

وقالت مسئولة الشركة: «مفيش دواء تخسيس مفيهوش المادة دى عشان تخسى لازم تكون موجودة خصوصًا لو مستورد»، وعرضت إجراء اتفاق تجارى كى تجلب لها فتيات يشترين الدواء من عندها لكونه يعانى من نسبة ركود، فى مقابل تخفيض سعر الأدوية التى ستشتريها، بعدما حاولت إقناعها بفائدة الدواء والمادة فى التخسيس.

وأضافت: «هعملك نسبة حلوة لو جايبة معاكى ناس تانية، وخصومات كويسة، وببعتلك الحاجة لحد البيت، وهيكون معاكى فاتورة، وهتشتغلى معايا أحلى شغل».

«الصحة» وراء الشحنات المغشوشة.. و«الأطباء»: تدخل مهربة برًا وبحرًا

محيى عبيد، نقيب الصيادلة، رأى أن فوضى الأدوية المستوردة، سواء التخسيس أو غيرها، راجع إلى عدم تسجيل الشركات الأجنبية الأم والموزعين المعتمدين فى وزارة الصحة، رغم أن حجم الدواء المستورد فاق المحلى.

وقال عبيد لـ«الدستور»، إن عدم التسجيل يعنى العمل فى مجال العقاقير دون ترخيص، ما يفتح بابًا خلفيًا للأدوية المغشوشة والدخول بطرق غير مشروعة ومهربة، وبالتالى لا يكون للجنة الفنية بوزارة الصحة أو إدارة الجمارك أى رقابة عليها لمعرفة المواد المستخدمة فى التركيب.

وأرجع التلاعب فى الأدوية المستوردة إلى قرار وزارة الصحة فى مطلع العام الحالى، برفع سقف استيراد الفرد المريض للأدوية المستوردة من ١٠ إلى ١٠٠ صنف دوائى، ما سهل عملية دخول كميات مغشوشة من الأدوية خلال الفترة الأخيرة بشكل أشبه بالقانونى وبيعها والاتجار فيها دون الخضوع لمعايير الصحة والأمان.

خسائر عدة تتكلفها الدولة بسبب أدوية التخسيس المهربة، وفقًا لنقيب الصيادلة، مضيفًا: «هناك خسائر صحية للمواطن لعدم مراقبتها من قبل الصحة، ومادية للدولة، لأنها تعفى من الجمارك والضرائب والبحوث الدوائية، ويتم استيراد كميات منها فى الخفاء وتهريبها للداخل».

وقال الدكتور إيهاب طاهر، وكيل نقابة الأطباء، إن عدم كتابة المادة الفعالة أو المكونات، التى تُصنع منها الأدوية فى النشرات الداخلية، تعد جريمة تزوير ونصب كاملة يُعاقب عليها القانون، معتبرًا إياها إحدى كوارث الأدوية المستوردة، لا سيما التخسيس والمكملات الغذائية.

وأضاف الطاهر: «القانون يُجبر جميع الشركات على كتابة كل المكونات والمواد الداخلية فى تصنيع الدواء والنسب المحددة لكل منها»، مبررًا ذلك بأن هناك مرضى يعانون من حساسية ومضاعفات من بعض المواد الفعالة.

وأرجع لجوء شركات أدوية التخسيس لإخفاء المواد الداخلة فى تركيبها، لكونها لا تعبأ بصحة المريض قدر اهتمامها بالمكسب المادى فقط، مضيفًا: «معظم ضحايا تلك الأدوية عادة ما يكونون من أرباب مرضى القلب والسكر، الذى يهتمون بقراءة النشرة الداخلية، ولكن إخفاء أسماء المواد الفعالة المؤثرة يعطيهم إحساسًا بالأمان لاستخدام الدواء».

واعتبر أن هناك فوضى فى أدوية التخسيس المستوردة، بسبب ارتفاع أسعارها، ويقول: «تغض وزارة الصحة الطرف عن ترخيصها حتى لا تضاعف السعر، وتصبح أكثر من سعر التكلفة، ويفرض عليها ضرائب وجمارك أخرى إذا دخلت بالطرق المشروعة».

التلاعب فى الأدوية المستوردة، يحدث على مستويات عدة وفقًا لـ«طاهر»، فيتم ذلك من خلال التلاعب فى المواد الفعالة والداخلة فى تركيبها أو تغيير الصلاحية أو فى أثناء عمليات النقل والتخزين والتهوية الجيدة.

وأضاف: «معظم أدوية التخسيس والمكملات الغذائية وأدوات التجميل، تستخدم مواد فعالة غير معتمدة من الوزارة، مثل مادة (السيبوترامين) الممنوعة منذ عام ٢٠١٠، ويتم تهريبها فى الداخل، فى ظل غياب رقابة مباحث التموين والإدارة المركزية لشئون الصيادلة»، مبينًا أن الجمارك لا رقابة لها على تلك الأدوية، لأنها لا تمر من تحت يديها وتدخل مهربة عن طريق البحر أو البر.

5 صيدليات تبيع الدواء المحظور بأسعار ما بين 170 و300 جنيه

لم يكن أمام مُعدة التحقيق عقب الحصول على اعتراف بوجود مادة «السيبوترامين» المحظورة فى دواء التخسيس «تيربو سليم»، سوى توثيق وجوده وبيعه فى الصيدليات، عبر جولة ميدانية عشوائية، فى ١٠ صيدليات متفرقة، بالمحافظات الثلاث الكبرى «القاهرة» و«الجيزة» و«القليوبية».

خلصت الجولة إلى وجود الدواء فى ٥ منها، الأدهى أن العاملين بها يعلمون جيدًا بخطورته والمضاعفات، التى يسببها، وبرغم ذلك يتاجرون فيه، مبررين ذلك بأنه يحتوى على نسبة ضئيلة من المادة.

وكانت البداية مع ٣ من أكبر سلاسل الصيدليات الشهيرة، الأولى فى شارع السودان بالجيزة، والثانية فى منطقة حلوان، والثالثة بمصر الجديدة، حيث وجدنا دواء «تيربو سليم» متوفرًا فيها، لكن بأسعار مختلفة.

تفاوتت الأسعار ما بين ١٧٠ جنيهًا و٢٠٠ جنيه و٣٠٠ جنيه، ما يدل على أن الدواء ليس له تسعيرة محددة أو متقاربة من بعضها، وعند الاستعلام عن رخص ثمنه وتفاوته، ذكر الصيادلة العاملون، أن الشركة قررت خفض سعره مؤخرًا بعد «تعويم» الجنيه، على عكس جميع الأدوية المستوردة، التى تدخل بالطرق المشروعة، ويفرض عليها ضرائب وجمارك، وارتفع سعرها إلى ثلاثة أضعاف.

صيدليتان أخريان ضمن العشر، أخبرنا العاملون بهما بأن دواء «تيربو سليم» نفدت كميته بسبب الإقبال الشديد عليه، ووعدتنا بتوفيره فى اليوم التالى، كان ذلك فى مناطق الهرم وشبرا الخيمة.

الصيدلية الأولى ذكر العاملون بها أن الدواء متوافر فى أفرع صيدليتهم، ووعدوا بقدوم شحنات منه فى ليل نفس اليوم، مشيرين إلى أن شركة «تيربو سليم» تضخ أعدادًا مهولة منه كل فترة وتسحبها مرة أخرى إلا أنهم مداومون على التعامل معها.

الصيدلية الأخرى، أكدت الفتاة العاملة بها أنها لديها شحنة من أدوية التخسيس المستوردة سوف تستلمها فى آخر الأسبوع، من ضمنها دواء «تيربو سليم»، مشيرة إلى أنه ليس له أى مضاعفات، وعرضت بدائل عديدة له جميعها تنتهى بكلمة «سليم».

وبرر العاملون بيع دواء به مادة محظورة فى صيدلياتهم بأن له أضرارًا ومضاعفات على من يعانون من أمراض القلب والضغط فقط، رغم توثيقنا عبر شهادات الضحايا المُسجلة بأنه قاتل ويتسبب فى مضاعفات على من لا يعانون من تلك الأمراض أيضًا.

لا علاقة لنا بـ«المستورد» والمسئولية على 3 جهات حكومية أخرى

وضعنا كل ما وثقناه فى التحقيق عن فوضى الأدوية المستوردة، وتورط الصيدليات فى بيعها رغم وجود مواد محظورة دولية بها أمام وزارة الصحة، التى نفت وقوع مسئولية رقابة الأدوية المستوردة على عاتقها.

وقال خالد مجاهد، المتحدث الرسمى باسم الوزارة فى تصريح مقتضب لـ«الدستور»: «رقابة الأدوية المستوردة مسئولية مباحث التموين والجمارك وإدارة شئون الصيادلة المسئولة عن عمليات الضبط»، مشيرًا إلى أن «الصحة» تتابع مع الأخيرة عمليات التفتيش الدورية على الصيدليات، ولا رقابة لها على كل ما يُباع من أدوية غير مرخصة على الإنترنت.

حاولنا التواصل مع رئيسة الإدارة المركزية لشئون الصيدلة بوزارة الصحة، الدكتورة رشا زيادة، من أجل إعطائها حق الرد فى دخول تلك الأدوية المهربة إلى مصر وتداولها فى الصيدليات، إلا أنها رفضت بحجة ضرورة وجود تصريح رسمى من وزارة الصحة للحديث فى الأمر.

لكن «زيادة» نفسها سبق وصرحت بتاريخ ١٨ مايو الماضى، بأن عدد الأدوية المستوردة المسجلة محليًا لا تتعدى ١٠٠٠ صنف دوائى. وشرحت فى تصريحها السابق، أن استيراد الأدوية يتم وفق ضوابط محددة، ويخضع لها جميع المرضى والشركات، وأن الدواء المحلى يمثل ٩٣٪ من حجم الوحدات الدوائية الموجودة بالسوق، بينما المستورد يمثل ٧٪.

وأشارت إلى أن الوزارة تسعى لمكافحة انتشار الأدوية المهربة والمغشوشة بكل الطرق، سواء من قبل الشركات غير المرخصة والوهمية أو الصيدليات، التى تتعامل معها فى الخفاء. وفجرت أيضًا مديرة إدارة شئون الصيادلة مفاجأة، بتأكيدها أن إعطاء التراخيص أو تسجيل الشركات الأجنبية ليسا مسئولية وزارة الصحة أو الإدارة المركزية، ولكن يتما بناء على رغبة الشركات الأم، مشيرة إلى أن هناك شركات تقوم بتسجيل منتجاتها فى مصر وتم تداولها بشكل قانونى، وتوجد شركات أخرى لا ترغب فى ذلك، ونحصل على منتجاتها بالاستيراد المباشر.

«حماية المستهلك»: تلقينا 20 شكوى من «تيربو سليم» فى 2017

لكونه غير مرخص ويدخل مصر مهربًا، لا تكتب الشركة المنتجة له اسم المادة المحظورة «السيبوترامين» على نشرته الداخلية.

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل