لماذا كرة القدم؟ «2»

** لماذا كرة القدم وما سر شعبيتها الجارفة؟ أشرنا فى الجزء الأول من إجابة هذا السؤال إلى سهولة ممارستها فى أى مكان وأى ساحة وسهولة قوانينها وأنها لا تحتاج لمواصفات خاصة مثل لعبات أخرى؟

لكن.. هل كل هذا يكفى لتبرير وتفسير شعبية كرة القدم وسرها؟ 

** لا يكفى.. لأن اللعبة أعمق من ذلك بكثير.. 

وأتوقف هنا عند الفطرة والغريزة فالإنسان يمارس الصيد واللعب بالفطرة، والكرة هى الشكل الهندسى الوحيد الذى يجرى ويتحرك، لا ينفع المستطيل ولا المربع ولا المثلث وفى كل كائن حى غريزة الصيد واللعب، ومطاردة ما يتحرك وتجد ذلك فى القطة الصغيرة وفى شبل الأسد، وفى طفل الإنسان وكان الرجل فى العصور الأولى يخرج للصيد ويطارد الفرائس فيما تنتظر المرأة بالكهف لرعاية أولادها وحمايتهم ومن هنا ولدت غريزة المطاردة وقبل أن يلتقى فريقا جالاطا سراى وتشيلسى فى بطولة دورى أبطال أوروبا عام 2014 قال ديديه دروجبا نجم جالاطا سراى تعليقا على احتمالات عودته إلى فريقه الإنجليزى السابق: «قلبى ما زال ممتلئا بكرة القدم ما زلت أحب اللعبة وأحب تشيلسى وما زلت أشعر أنى ذلك الطفل الذى كان يستمتع بمطاردة الكرة». 

إنها غريزة الطفل واللاعب وبالغريزة أيضا تفقد المطاردة واللعبة معناها وقيمتها حين لا يصل المطارد إلى فريسته ولاحظ مشاعر الطفل الصغير الذى لم يتعلم المشى بعد حين يطارد بالونة ويصل إليها مرة ومرات لاحظ ذلك على شبل الأسد وعلى القط الصغير إن متعة المطاردة واللعب تزداد ثم جرب ضع كرة أو بالونة أمام صبى صغير وحركها وراقب رد فعله وضع نفس الكرة أمام فتاة صغيرة وحركها وراقب رد فعلها لاحظ الفرق وفكر لماذا هذا الفرق؟

كرة للولد عروسة للبنت إنه تقسيم شاع منذ عرف البشر اللعبة لكن كيف تشد الكرة طفلا يحبو فيجرى خلفها ويداعبها وهو لم يعرف بعد ماذا تعنى كرة القدم؟ 

وهذا هو حب كرة القدم بالغريزة والفطرة.

لقد زادت شعبية كرة القدم وأصبحت مبارياتها احتفالا كونيا يقام فوق مسرح من العشب الأخضر فى النصف الثانى من القرن العشرين بسبب التليفزيون والتغطية الإعلامية والمحيط المثير الذى يحيط باللعبة. 

وإذا كان كثير من الخبراء يرون أن شعبية كرة القدم ترجع لأسباب تتعلق بالفطرة والغريزة ويبدو ذلك تفسيرا مريحا، يوقف عناء البحث والفحص فأسباب شعبية اللعبة وأسباب الشغف بها أعمق وأوسع من الفطرة والغريزة فكرة القدم ببساطة صورة من صور الحرب المشروعة وقد تكون الحرب غريزة بشرية، وقد كانت الحرب رياضة قديمة عند البشرية وكرة القدم بتعبير آخر تعد صورة من صور الصراع الجماعى المتكرر وعن هذا الصراع الجماعى يقول جورج زيفلير الصحفى الفرنسى والكاتب فى الفيجارو: «منذ الأزل والمظهر الذى يحكم العلاقات الإنسانية هو الكفاح فعندما تهاجم جماعة ما جماعة أخرى فإن رد المجموعة الأخرى هو حتما المواجهة ومنها يأتى التصادم والعنف».