المواطنة الضائعة

‎ليس هناك شك بأن الخطوات التي اتخذتها القيادة القطرية تشكّل خطورة على مستقبل قطر الداخلي والخارجي، سواء كانت في مواجهة دول المقاطعة بتنفيذ سياستها التخريبية علناً، أم بمراهقة تامة بعد أن كانت تفعلها بطرق غير مباشرة وملتوية، حتى حربها الإعلامية ضد المملكة والإمارات قامت بشنها مباشرة من قناة الجزيرة، بعد أن كانت لا تتجرأ إلا بالهجوم عن طريق وسائل إعلام خارجية تابعه لها، بالإضافة إلى اتخاذها الكثير من الإجراءات العدوانية التي عكست ما يبطنه هذا النظام من خبث.

لكن ما استغربته في الآونة الأخيرة هو تعامل النظام القطري مع المكون الأساسي لأي مجتمع (الشعب) بأسلوب مرفوض اجتماعياً ويزيد من التوتر سياسياً، أسلوب لا يتناسب مع طبيعة المجتمع الخليجي القائم على الترابط القبلي والاجتماعي الحساس جداً، فدول الخليج لها أسس وقواعد حكم خاصة بها وتختلف عن حكم أي بلد آخر.

على النظام القطري أن يعي بأن المواطنة حق لا يقبل المساومة يكفله الدستور والمواد القانونية في تنظيم العلاقة بين الدولة والأفراد والعكس، وأهم ملامحها أن تكون الدولة مسؤولة أمام مواطنيها، وأن يكون المواطنون قادرين على مطالبة الدولة بحقوقهم، وأن تلتزم الدولة بتفسير أفعالها لهم، وأن تكون الشفافية والمصداقية هي معيار التعامل، وأن يكون المواطنون قادرين على محاسبة الدولة إن كانت أفعالها غير مرضية لهم أو تضر بمصالحهم، وأن تقبل الدولة هذا النقد برحابة صدر وبحكمة القيادة التي تهمها مصلحة شعبها وكرامته.

إن المواطنة حق لا يُنتزع من المواطن، وسحب الجنسية ليس موضوعاً مطروحاً للعبث، فانتزاعها من أصحابها مؤشر خطير جداً خصوصاً أن ذلك الإجراء الذي تجرأ النظام القطري على القيام به طال شيوخ القبائل وأبناءهم وأسرهم، ممن يشكلون نسبه كبيرة جداً من المكون البشري القطري.

فإصرار النظام القطري على سحب الجنسية من كل من يخالفه ومنحها لكل مرتزق ينفذ أجنداته القذرة، إنما دليل على أن هذا النظام جعل من الجنسية القطرية سلعة تُباع وتشترى ووسيلة ضغط للمساومة على اتخاذ مواقف عدائية لدول الجوار وقادتها وشعوبها.

كيف يمكن أن تسحب الجنسية من أبناء البلد الأصليين ممن سبقوا هذا النظام في التواجد على الأرض القطرية وأسهموا في حرث أرضها؟، فقط لمجرد أنهم تمسكوا بقول كلمة الحق، رافضين ضرب وحدة البيت الخليجي، إن ما حدث دليل على أن نظام الحمدين يعيش حالة إفلاس ومؤشر واضح بأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة، ويجب أن يدرك هذا النظام أنه إن كان يظن بأن سحب الجنسية يعني الطلاق بين النظام وشرفاء قطر، فهذا الطلاق أصبح وسام شرف على صدور من سُحبت جنسياتهم.

مقالات مختارة تُنشر بالتزامن مع عدد الصحف العربية والأجنبية.