المحتوى الرئيسى

الجيل الفلسطينى الجديد وتجديد الهوية

10/10 21:30

نشرت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتب «مروان المعشر» جاء فيه؛ منذ توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، اعتقد المجتمع الدولى، بما فى ذلك الجانب الفلسطينى نفسه، أن النهاية المنطقية للمفاوضات ستؤدى إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلى وإقامة الدولة الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية.

لكن هذا الحلم بدأ بالتلاشى تدريجيا بعد إخفاق المفاوضات ومجىء حكومات إسرائيلية متطرفة تجاهر علنًا بعدم قبولها بحل الدولتين، وبعد إقامة حقائق استيطانية مستجدة تجعل إمكانية قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة من المستحيلات. ومع ذلك، بقى المجتمع الدولى حتى اليوم يتجاهل التطورات التى حدثت على الأرض منذ 24 عاما، باعتبار أن حل الدولتين هو الأمثل وبالتالى يجب أن يتحقق.

فى الواقع، هناك حقائق جديدة بدأت بالتشكل داخل المجتمع الفلسطينى نفسه، خاصة بين أفراد الجيل الجديد الذين لا يروق للعديد منهم حلم الدولة الفلسطينية المفصلة على مقاس إسرائيل: دولة منزوعة السلاح ومحدودة السيادة، دون القدس الشرقية وغور الأردن وحق العودة، ووجود أكثر من ستمائة ألف مستوطن فى الضفة الغربية والقدس الشرقية. ومع تزايد الشكوك حول الطرق التى قد تؤدى إلى قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، فإن هذا الهدف النهائى لم يعد هو العنصر الموجه للحسابات السياسية خاصة بالنسبة للجيل الجديد. وقد أصبحت القيادة السياسية الفلسطينية تتآكل مع تصاعد الرأى فى أوساط الفلسطينيين أنها عاجزة عن طرح رؤية استراتيجية تفصيلية متماسكة.

من هنا، فإن الهوية الوطنية الفلسطينية قد وصلت إلى منعطف حرج، فالمسار الحالى لن يؤدى إلا إلى استمرار الاحتلال، وتوسع المستوطنات، والانحلال المؤسسى. وقد بدأت تظهر مقاربات جديدة داخل المجتمع الفلسطينى، لا تحظى إحداها بأى إجماع واضح.

ما هى الاستراتيجيات البديلة التى يجرى تداولها اليوم؟ هناك ثلاث مقاربات يجدر دراستها وهى: حل القومية الثنائية، والمقاربات المبنية على الحقوق وليس على شكل الدولة، مثل حركة المقاطعة والمقاومة السلمية، إضافة إلى المقاربة التى تعتمد المقاومة المسلحة.

إن مقترحات القومية الثنائية، التى يتشارك فيها الفلسطينيون والإسرائيليون فى دولة واحدة، ليست جديدة. وفى أواخر الستينيات، اقترحت «منظمة التحرير الفلسطينية» إقامة دولة علمانية ديمقراطية يتمتع بحمايتها الفلسطينيون والإسرائيليون على حد سواء..

غير أن الدعم الشعبى لمخرجات الدولة الواحدة، فى الضفة الغربية وغزة، ما زال قليلا، وأظهر استطلاع أجرى حديثا أن 18 فى المائة فقط من الفلسطينيين فى الضفة الغربية وغزة يؤيدون قيام دولة ثنائية القومية، بينما يعارض ذلك 34 فى المائة، وأعربت البقية عن مساندتها لحل الدولتين. 

كما أن عددا من الفلسطينيين يعتبر التحرك باتجاه مقاربات الدولة الواحدة أمرا كارثيا بالنسبة للحركة الوطنية الفلسطينية، لأن إسرائيل ستحتفظ لنفسها بجميع المكاسب المؤسسية، ويخلص هؤلاء إلى القول بأن هذه المقاربة قد تفضى إلى شرعنة المستوطنات الإسرائيلية والمخاطرة بالاعتراف الدبلوماسى الذى حققته الحركة الوطنية الفلسطينية.

إن تحول الفلسطينيين البطيء باتجاه القومية الثنائية قد يترابط مع بروز الأغلبية الديموغرافية الفلسطينية من النهر إلى البحر. لذلك يدرك كثير من الفلسطينيين أن الزمن يعمل لصالحهم، فعدد الفلسطينيين والإسرائيليين فى هذه الرقعة أصبح متعادلا بواقع 6 ــ 5 ملايين لكل منهما. فإذا أدركنا أن معدل المواليد الفلسطينية هو أعلى بكثير (4.1 ولادة لكل امرأة فلسطينية بالمقارنة مع 1.3 فى إسرائيل) فإن الفلسطينيين سيؤلفون أغلبية جوهرية فى المستقبل المنظور.

مقاربات مبنية على الحقوق: يتجه الكثير من الفلسطينيين، لعدم قبول المفاهيم المطروحة حاليا للدولة الفلسطينية. فمضمون الدولة أهم من شكلها بالنسبة لهم. 

وتشتمل هذه المقاربة على تشكيلة واسعة من الإجراءات والخطوات التكتيكية على الصعيدين المحلى والدولى، تتضمن حركة المقاطعة والمصادرة والعقوبات، والمقاومة غير العنيفة والعصيان المدنى. ويمكن لهذه المقاربة أن تنسجم مع حل الدولتين أو الدولة الواحدة. وقد تؤدى هذه المقاربة إلى مطالبة السلطة الوطنية الفلسطينية بمزيد من الحقوق أيضا، ما يفسر إحجام المؤسسات الرسمية الفلسطينية عن تبنى مثل هذه المقاربات. 

وفى ما يتعلق بالمقاومة السلمية فقد بين استطلاع أجرى مؤخرا أن 62 فى المائة من الفلسطينيين فى الضفة الغربية وغزة يساندون المقاومة السلمية فى غياب مفاوضات الوضع النهائى، غير أن النجاح فى الممارسة الواقعية لهذا الخيار يتطلب قيادة موحدة، وانضباطا تنظيميا، وهى متطلبات غائبة فى هذه الآونة. وسيكون تنظيم حملة مستدامة للعصيان المدنى مهمة صعبة وتستغرق وقتا طويلا.

أما بالنسبة لحركة المقاطعة والمصادرة والعقوبات فقد انطلقت هذه الحركة وبدعم من المجتمع المدنى الفلسطينى عام 2005، وتمثل أحد أشكال المقاومة السلمية. ويرى الزعماء الإسرائيليون فى هذه الحركة تهديدا خطيرا فى المدى البعيد، ويحاربونها محليا وعالميا. لا شك أن اعتماد الاقتصاد الفلسطينى العميق على إسرائيل يزيد من معاناة الفلسطينيين ويلحق أضرارا اقتصادية إضافية بهم، ومع ذلك، فالحركة تتمتع بقبول فلسطينى واسع. 

وبالنسبة المقاومة المسلحة فلا يمكن استبعاد تجددها رغم تفوق إسرائيل العسكرى ودعم حماس الفلسطينيين لانتفاضة ثالثة مسلحة، بعدما أخفقت الانتفاضة الثانية فى تحقيق تطلعاتهم. 

ماذا بعد؟ فى ظل إخفاق الحركة الوطنية الفلسطينية فى بلوغ هدفها، فإن كثيرا من الفلسطينيين يعتقدون أن أولى الأولويات لحركتهم الوطنية هى ترتيب البيت الفلسطينى من الداخل. وقد أظهر أحد الاستطلاعات أن 3 فى المائة فقط من الفلسطينيين فى الضفة الغربية وغزة يَرَوْن أن على الرئيس محمود عباس أن يركز على عملية السلام، مقابل 40 فى المائة يريدون منه التركيز على الانتخابات و24 فى المائة على المصالحة بين فتح وحماس.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل