المحتوى الرئيسى

الشعب وهو.. من يختار من؟! | المصري اليوم

10/10 01:01

«سأختار شعبى سأختار شعبى، سأختار أفراد شعبى، سأختاركم واحدًا واحدًا من سلالة أمى ومن مذهبى» هكذا كتب محمود درويش على لسان الديكتاتور فى أولى «خطب الديكتاتور الموزونة» السبع التى نشرها متتابعة عام ١٩٨٧ بمجلة اليوم السابع بباريس.

لاقت الخطب انتشارًا كبيرًا يشبه انتشار هجائيات نزار قبانى السياسية؛ فقد كانت كشفًا للتناقض الحاد بين الديكتاتوريات العربية وطبيعة عصر جديد لم يلبث أن تكشفت ملامحه فى سقوط المعسكر الشرقى، لكن الديكتاتور العربى واصل حياته أكثر من عقدين إضافيين حتى فاجأته انفجارات الربيع، ثم تمكن من احتوائها، وعاد بوجه أكثر شراسة وبتناقض مع الزمن أكثر حدة، وأكثر كلفة على الأوطان وسكانها.

لم تكن كل الديكتاتوريات العربية تحفل بسلالة أُم الديكتاتور أو بمذهبه فى ديكتاتوريات الثمانينيات، لكنها اليوم تمضى نحو السلالة والمذهب، وكأن النصوص التى رفض صاحبها اعتبارها شعرًا، كانت نبوءة بديكتاتوريات المستقبل الذى لم يره، بقدر ما كانت صرخة ضد ديكتاتوريات لحظتها!

تم إجهاض الربيع العربى، من خلال تضامن الديكتاتوريات العربية التى لم تتحمل صيحة الحرية، لكن هذا التضامن ما كان لينجح فى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء دون تضامن المنافسين فى الإقليم (تركيا وإيران) وتضامن الرأسمالية العالمية، التى قررت الوقوف ضد الجديد العربى، وفى الوقت نفسه العمل على تفكيك الديكتاتوريات القديمة لصالح ديكتاتوريات الطائفة والعرق!

لهذا، يجب ألا نستغرب شكوى الديكتاتور من مؤامرة غربية أو مؤامرة أمريكية، فى الوقت الذى نرى فيه كل مظاهر الاحتضان الغربى والأمريكى له. لا تناقض فى الأمر، فالديكتاتوريات القائمة جيدة بالنسبة للغرب لمنع تحقق البديل الديمقراطى الذى يمكن أن يشكل تهديدًا اقتصاديًا للغرب وعسكريًا لإسرائيل، لكن الحالة الأفضل بالنسبة للمصالح الغربية هى تفكيك هذه الديكتاتوريات إلى كيانات أصغر وأكثر جهلاً وصلفًا، بحيث يزول الخطر عن إسرائيل بشكل كامل، بينما يتضاعف استهلاك المنطقة للسلاح.

لم يتعد طموح الديكتاتور العربى حد اختيار شعبه، بينما بلغ الصلف بديكتاتورية رأس المال الغربية حد العبث بالحدود لإعادة رسم الخريطة. الحرب وتنمية الثأر بين مكونات الوطن الواحد مجرد التمهيد، وبعد ذلك تأتى الديمقراطية المعبودة لتتمم الخطوة؛ فالشعب سيختار الانفصال فى استفتاء حر، والإنسان هو الشىء الوحيد الذى يجب أن يكون مقدسًا، وهى مقولة جميلة، لكن هذا الإنسان لا يقف أمام صناديق الاستفتاء على التقسيم حرًا، بل مكبلاً بقيود سنوات المرارة، قمعًا أو حربًا، والديكتاتور الذى يعانى الإرهاق جاهز للتخلى، حتى لو لم يتبق من بلاده سوى القصر والعلم والنشيد، لأنه ليس على استعداد لديمقراطية تسمح للشعب باختيار حاكمه لا العكس.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل