المحتوى الرئيسى

«الوفد» ترصد الإجابة من أول نقطة للعبور

10/09 19:59

روح النصر.. مرّت من هنا

مصر حققت معجزة حربية وسياسية بعد 6 سنوات من النكسة

مقاتل من حرب أكتوبر: كنا ندافع عن شرف الوطن.. والآن نعيش تراجعًا أخلاقيًا

خبراء: نعيش مؤامرة منذ منتصف السبعينيات

كيف حول شاويش نوبى شفرة الجيش؟ ولماذا طلبه السادات مقيدًا بالكلابشات؟

لم يحدث على مدار التاريخ البشرى كله، أن انهزم جيش هزيمة ثقيلة دمرت معداته، ثم عاد ذات الجيش خلال 6 سنوات فقط، ليخوض حربًا جديدة وينتصر فيها.

فخلال نكسة 1967 فقدت مصر 80% من معداتها العسكرية، وفقدت عشرات الآلاف من الجنود، وخسرت ما يوازى 25 مليار دولار بسبب ما فعلته بها النكسة.

وقطع الصهاينة من جسدها جزءًا كبيرًا (سيناء)، واستولوا عليه، وكان طبيعيًا أن تظل مصر منكسرة تنزف دمًا ودموعًا لسنين طويلة..

لكن مصر التى تخيل أعداؤها أنها على وشك الموت، انتفضت بعد 6 سنوات فقط من الهزيمة، وحققت النصر، ومن هنا كان انتصارها فى أكتوبر أسطوريًا.. انتصارًا تسكن المعجزة كل تفاصيله.. من أول نقطة حبر خطت أول حرف فى خطة الحرب، وحتى آخر طلقة رصاص أطلقها الجنود فى تلك المعركة..

والمصريون الذين حققوا هذا النصر الأسطورى، يحاولون الآن تكرار إنجاز مماثل انتفضوا من أجله مرتين في  عامى 2011 و2013 وأسقطوا نظامين فاسدين فى عامين.

والسؤال: «هل ينجح المصريون فى تكرار إنجاز يضاهى نصر أكتوبر»؟

إجابة السؤال تتضح بمقارنة ما كان عليه المصريون يوم النصر وما هم عليه حاليًا.. ومن أجل مقارنة أكثر دقة، اخترنا أول منطقة عبر منها المصريون خط بارليف ورفعوا العلم المصرى فوق سيناء، وهى منطقة المعدية نمرة 6 بمحافظة الإسماعيلية.

الصور والفيديوهات التى ترصد عملية العبور، سجلت التفاصيل الكاملة لمنطقة «المعدية نمرة 6»، وقت الحرب، ولم يكن بالمنطقة سوى رمال ممتدة «على مدد الشوف»، ومدافع تصوب نيرانها باتجاه العدو فى سيناء، وجنود تتدفق على القناة حاملة سلاحها ومراكب العبور المطاطية، ومهندسون عسكريون يشيدون كبارى العبور التى ستزحف منها الدبابات المصرية، إلى أرض سيناء لتطهرها من دنس الصهاينة.

هكذا كان حال جبهة القتال.. أما الأهالى القريبون من منطقة العبور، عند «المعدية نمرة 6»، وكانوا يقيمون عند الأطراف البعيدة لمنطقة البلاح على بعد أكثر من كيلو متر من الشاطئ فشكلوا- بحسب المهندس نادر محمد عبيد (55 سنة) صاحب شركة خاصة - مقاومة شعبية استعدت للتعامل مع أى جندى إسرائيلى تسول له نفسه التسلل إلى داخل الإسماعيلية، ولكن إسرائيل لم تفكر فى بداية المعركة سوى فى رد الهجوم المصرى الكاسح، وحاولت أن تقصف المنطقة القريبة من القناة بالطيران.. ويقول «عبيد» كان الطيران الإسرائيلى يحاول قصف الإسماعيلية، وعندها كان الأهالى يحملون أطفال المنطقة إلى داخل مخبأ تحت الأرض خوفًا عليهم من غارات الإسرائيليين، وظل هذا المخبأ لسنوات طويلة بعد الحرب، حتى تم بناء مسجد العباسى فوقه.

منى رشاد أحمد - ربة منزل ( 66 سنة) كانت تقيم مع أسرتها فى منطقة سرابيوم بالسويس.. وتقول: «قبل الحرب بساعة أو أقل فوجئنا بعدد كبير من الجنود يتدفقون إلى طلمبة مياه أمام بيتنا، وأخذوا يملأون جراكن مياه من الطلمبة، ولما سألتهم والدتى: فيه حاجة يا ولاد؟.. فرد عليها أحدهم: ادعيلنا يا حاجة.. وبعد دقائق فوجئنا بالطائرات المصرية تعبر القناة وبعدها بدأت المدافع تطلق نيرانها.. وعلمنا أن الحرب بدأت».

وتضيف: «كانت إسرائيل تطلق علينا بطائراتها بودرة سوداء تجعلنا نتنفس بصعوبة ولهذا طلبوا منا أن نغادر المنطقة حفاظًا على حياتنا، فتركنا كل شىء وتوجهنا إلى الشرقية وأقمنا فى التل الكبير لمدة 6 شهور ثم عدنا بعدما انتهت الحرب».

إبراهيم محمد على -تاجر فاكهة- (62 سنة) رفض أن يغادر الإسماعيلية واشترك هو والده مع المقاومة الشعبية، ويقول: «كنا نقضى الليل حاملين سلاحنا ومستعدين لقتل أى إسرائيلى يتسلل إلى الإسماعيلية، وفى أحد الأيام اكتشفنا أن 4 دبابات إسرائيلية تسللت إلى الإسماعيلية.

ورغم أنها كانت تحمل العلم المصرى، والجنود الذين عليها يتكلمون باللهجة المصرية، إلا أن المقاومة اكتشفتهم وتعاملت معهم وأسرنا من فيها عندما وصلت إلى عزبة أبو عطوة، ومنعتهم من الوصول إلى معسكر الجلاء الذى كان نقطة تمركز الجنود المصريين».

ولا تزال الدبابات الإسرائيلية فى منطقة أبو عطوة حتى الآن تحكى واحدة من بطولات المصريين خلال حرب أكتوبر.

هكذا كانت الأحوال فى الإسماعيلية وتحديدًا فى المنطقة القريبة من «المعدية نمرة 6» التى شهدت رفع أول علم مصرى فوق سيناء فى حرب أكتوبر.. قبل 44 عامًا، أما الآن فتغيرت الأحوال بشكل كبير.

فالمنطقة التى كانت صحراوية، يكسوها لون الرمال الأصفر، اكتست حاليًا باللون الأخضر، وغطتها المساحات الخضراء والأشجار المعمرة، وتحول المكان كله إلى حيين سكنيين كبيرين هما حى الجامعة وحى الإسراء.

يضم الحيان مئات العمارات، و جامعة قناة السويس، وعيادات هيئة الشرطة، ومرفق علاج الأمراض الفيروسية، وحتى الشوارع نفسها، احتضنت داخلها ميدانين.. فى وسط أحدهما تمثال للفريق عبدالمنعم رياض الذى استشهد فى مارس 1969، وفى الميدان الثانى صورة كبيرة لعندليب الشعر الراحل عبدالرحمن الأبنودى.

والحقيقة أن التغيير لم يتوقف عند تغير طبوغرافية أول منطقة عبر منها المصريون فى حرب أكتوبر، فهناك تغييرات كبيرة طرأت على البشر أنفسهم.

هذه التغيرات يرصدها محمد فوزى (72 سنة) أقدم مصرى يعيش فى منطقة البلاح الملاصقة للمعدية «نمرة 6» فيقول: « فى زمن الحرب كنت أعمل بهيئة قناة السويس وكنت أنقل للجنود المعدات والأدوية وعندما كنا ندخل منطقة العمليات وقت الحرب كنا نجد الجنود، يعيشون حالة تحدٍ لكل الظروف المحيطة بهم وكان لديهم إصرار كامل على النصر، مهما كانت التضحيات.. ولما انتهت الحرب، عرضت هيئة قناة السويس مساحات شاسعة من الأراضى حول القناة للبيع، فكونت جمعية أطلقت عليها اسم البلاح واشترت الجمعية مليونًا و270 ألف متر مربع من الهيئة مقابل 82 ألفًا و200 جنيه، وتم تشييد مئات العمارات فى المنطقة فتحولت المنطقة الملاصقة للمعدية نمرة 6 من منطقة صحراوية إلى منطقة سكنية».

سألت محمد فوزى رئيس مجلس إدارة جمعية الجامعة القديمة للتنمية: «ما الذى تغير فى المصريين منذ زمن الحرب حتى الآن»؟

فأجاب بأسى: «حدث تغير كبير، وأكثر التغيرات خطورة هو استحلال البعض أخذ ما ليس من حقه، «مدللًا على ذلك بما يجرى فى مجمع الزهراء للأعمال الخيرية الكائن بمنطقة البلاح، وأشار إلى أن مجلس إدارة المجمع يهدر مال الجمعية، وينفقها فى غير أوجهها وأغلق مصنع تريكو تابعًا للمجمع، كان سيدر أموالًا وفيرة للغلابة، ولكن مجلس إدارة الجمعية أغلق المصنع.

المقاتل محمد عواد الذى شارك فى حرب أكتوبر بمنطقة جنيفة، يرى أن التغير الكبير الذى طرأ على المصريين منذ حرب أكتوبر وحتى الآن هو التراجع الأخلاقى والميل للكسل والسلبية.. ويقول: «فى حرب أكتوبر كنت ضمن سرية مدفعية بمنطقة جنيفة، ولما بدأت الحرب كدنا نطير من الفرح وقال لنا قائد السرية «قاتلوا عن شرف مصر».

وهذه الجملة أشعلت حماسنا، وظللنا نطلق دانات مدفعيتنا لمدة 13 يومًا متصلة، دون أن نتوقف لحظة، ولما حدثت الثغرة، وفوجئنا بالاسرائيليين يطلقون علينا نيرانهم من الخلف، هتف فينا القائد: كل واحد يحمى رقبته.. ثم طلب منا أن نتقهقر إلى داخل السويس، ووقتها أصبت بشظية فى ساقى، وتورمت قدماى، ورغم ذلك ظللت أسير حاملًا سلاحى لمسافة 35 كيلو مترًا، ولما وصلت للمكان المخصص لسريتنا، تم تحويلى للمستشفى لاستخراج الشظية، وعلاج ساقى المتورمة، واستمر العلاج لمدة ساعتين، وبعدها عدت للقتال مرة أخرى، ولمدة 5 أيام شاركت فى دفن ضحايا الغارات الإسرائيلية على السويس، ولما توقف القتال تم تكليفى بحماية العلم المصرى فى منطقة المثلث بالسويس، وظللت على هذه الحال حتى تم وقف إطلاق النار».

شفرة الحرب التى اتبعت إسرائيل كانت من بنات أفكار البطل النوبى «أحمد إدريس» الذى التحق بالجيش مجندًا بقوات حرس الحدود، وقبيل حرب 1967 كان على الحدود مع إسرائيل، ولما صدرت الأوامر للجيش المصرى بالانسحاب من سيناء تمكن هو ووحدته من قوات حرس الحدود من الانسحاب والعودة عبر الطرق الجانبية فيما كان الطيران الإسرائيلى يقصف بعنف جميع القوات المنسحبة عبر الطرق الرئيسية فى سيناء، ولهذا كانت خسائر تلك القوات 80% بينما خسائر حرس الحدود 12.5% فقط.

وبعد النكسة صدرت قرارات بتوزيع قوات حرس الحدود على الأسلحة المختلفة، فالتحق «أحمد إدريس» باللواء 15 مدرعات وكان متمركزًا فى أبو صوير.. ويروى «إدريس» ما حدث معه قبيل الحرب فيقول: «فى أحد الأيام سمعت قائد اللواء يشكو من أن إسرائيل تخترق جميع الشفرات المصرية، وساعتها قلت: يا افندم فيه حل، فقال لى وما هو قلت نستخدم اللغة النوبية فى الشفرات، فقال: وإيه هى اللغة النوبية دى، فقلت دى لغة بيتكلم بها أهل النوبة وهى لغة تنطق ولا تكتب فقال: طيب اسكت ومتقولش لحد دلوقتى».

وأضاف: «عرض قائد اللواء الفكرة على قائد الجيش وبدوره عرضها على الرئيس السادات فقال: «مين صاحب الفكرة دى، فرد قائد الجيش: صاحب الفكرة شاويش فى الفرقة 15 مدرعات، فقال السادات هاتولى الشاويش ده مقيدًا بالكلابشات فى إيديه».

ويواصل: «وبالفعل جاء إلى وحدتى ضابط برتبة نقيب ووضع الكلابشات فى يدى، وقال لى إنت مطلوب بالكلابشات فى قيادة الجيش فى القاهرة. وعندها كنت سأسقط من طولى، ومش عارف أنا عملت إيه علشان يعملوا معايا كده، وجابونى على رئاسة الجمهورية، ثم نقلونى إلى منزل الرئيس السادات، وفكوا الكلابشات من يدى، وتركونى جالسًا، وعندها ازدادت دهشتى، وبعد ساعة من الانتظار جاءنى الرئيس السادات، وسألنى: إيه حكاية الشفرة النوبية.. وعندها فقط بدأت أسترد روحى، وشرحت الفكرة للرئيس السادات فقال: أنت قلت الكلام ده لحد؟ فقلت: لقائد اللواء بتاعى: فصمت الرئيس لمدة 10 دقائق، لم يفعل خلالها شيئًا سوى تدخين البايب والنظر إلىّ، وبعدها قال: شوف أنا هأنفذ فكرتك، ولكن لو قلتها لحد، عقابى هيكون عسيرًا. فقلت: مستحيل أقولها لحد يا سيادة الرئيس، فرد الرئيس السادات متقلش حتى لمراتك فقلت حاضر».

ويواصل المقاتل أحمد إدريس قائلًا: «ظللت محتفظًا بالسر ولم أحدث به أحدًا حتى عام 2010، ووقتها فقط قلته لأولادى».

وأشار إدريس إلى أنه تم تدريب 245 نوبيًا على أجهزة الشفرة لمدة 10 أيام، حتى أجادوا استخدامها إذا ما أصابها عطل. وتم توزيعهم على مناطق متفرقة.. ويقول: «كنت ممن انتقلوا إلى عمق سيناء وكنت أنقل بالشفرة عدد وأنواع القوات والأسلحة الإسرائيلية فى سيناء وكنت أقضى النهار متخفيًا فى بئر مياه، وكان السيناويون يمدوننى بالطعام كل يوم، وظللت على هذه الحال حتى تم النصر».

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل