المحتوى الرئيسى

كلام تكتيكي | تجمد قلبي ثم بكى..هذه ليلتي! | Goal.com

10/09 08:11

سيبقى شهر أكتوبر مهما طال الزمن، علامة فارقة ومميزة في حياة وتاريخ الشعب المصري، في شهر العظماء نحتفل بتحرير سيناء من قبضة المغتصب الصهيوني منذ عام 1973 يوم السادس منه، وخلال سنين قادمة لن نكف عن الاحتفال في الثامن منه بتلك اللحظة التاريخية التي أطلق فيها محمد صلاح تسديدته القوية في الدقيقة 92 على ملعب برج العرب بالاسكندرية في الجولة الخامسة بالمجموعة الأفريقية الخامسة المؤهلة إلى كأس العالم 2018 المقرر له في روسيا.

موقعة مصر والكونجو التي أقيمت على بُعد بضع كيلومترات من عروس البحر المتوسط “الاسكندرية” خطفت أنظار واهتمام كل العرب دون استثناء، من المحيط إلى الخليج، بأتم ما تحمله الكلمة من معني.

ويبدو أن اتفاقهم على أن أم كلثوم هي أعظم فنانة في التاريخ قد انتقل بشكل عملي وواقعي على تشجيع "مصر" رغم أنها لا تُطرب مع كوبر ولا تُمتع مع هذا الجيل كما كانت مع حسن شحاته ومحمد أبو تريكة.

نعود إلى برج العرب، الذي تُعد مهمة الوصول إليه من أصعب المهام التي يوضع فيها أي مشجع وأي صحفي يرغب في مشاهدة مباراة ما هناك، ناهيك عن الولوج إليه في مثل هذه الليلة التاريخية التي ستبقى تفاصيل تفاصيلها عالقة في أذهان الصغير قبل الكبير إذا ما اختتمت بقطع رفاق صلاح لبطاقة الترشح إلى بلاد الدببة.

رغم وصولي قبل ساعتين بالتمام والكمال، عاندتني قوات الأمن المتمثلة في "الشرطة والأمن المركزي والجيش"، وعرقلت دخولي، في غياب تام للمسؤولين عن تسهيل مأمورية دخول الصحفيين، لدرجة أن أحد العاملين في الموقع الرسمي للاتحاد المصري واجه نفس المعاناة في الدخول ولا أدري إن كان لحق بالمباراة أم لا فقد تركته في نهاية المطاف عالق ما بين ضابط أمن مركزي وضابط جيش.

بعد شد وجذب ومحاولات من هنا وهناك، ما بين البوابة رقم 2 الخاصة بالصحفيين والبوابة الخاصة بكبار الزوار، استطعت الافلات من الحصار الأمني، والذي برره أحد رجال الجيش بأنه بسبب امتلأ الملعب عن الحد المسموح به، قبل أن يصرخ في وجهي قائلاً "بقولك يا بني أدم الملعب شايل أكتر من طاقته الاستيعابية، أنتم عاوزين تقلبوها جنازة"!.

بالكاد لحقت ضربة البداية دون المشاركة في مراسم عزف نشيدنا الوطني والاستمتاع بتلك المشاعر الملتهبة، لكن الدراما أتية لا محالة..

مر الشوط الأول دون أي فرصة خطيرة تذكر على مرمى الحارس الكونجولي، ودون أن يشعر الجمهور ولو شعور بسيط بأن التأهل قد يحدث بشكل عام سواء في برج العرب أو في كوماسي مطلع الشهر المقبل في الجولة الأخير.

كوبر واصل تحفظه المثير للدهشة، يا رجل نحن نلعب أمام متذيلة المجموعة لماذا كل هذا الاحترام المبالغ، هل هي الجزائر 2009 كي تلعب هكذا؟.

واصل الأرجنتيني اللعب بطريقته العقيمة المُحبطة في الهجوم، والتي كلفتنا تسلل الثقة إلى نفوس لاعبي الفريق الخصم والذي قرر أن يلعب بعد انقضاء الحصة الأولى بالتعادل السلبي من أجل الشهرة ليس إلا على مدار ال45 دقيقة الثانية.

في الاستراحة، توجهت إلى المركز الصحفي فالأجواء في مقصورة الصحفيين كانت غاية في الصعوبة ومن المستحيل التنفس حتى مع تواجد هذا الكم الهائل من الجماهير في المدرجات المخصصة للمعلقيين والإعلاميين بصفة عامة، ولن تصدقوا لو أخبرتكم بأن عددهم كان لا يقل عن 6000 مشجعًا من جميع الأعمار، صغار وكبار وفتيات وأمهات، عائلات وأصدقاء، ضباط جيش وشرطة، شخصيات هامة وشخصيات مجهولة الهوية، هرج ومرج غير طبيعي، لكن كان هناك جو من الألفة والحب بين الجميع، وهدف واحد وأوحد، هو الاحتفال بالتأهل، ولا شيء مهم بعد ذلك.

قال أحدهم بنبرة صادقة وعينه تدمع أثناء التعادل السلبي "لو هانموت النهردة، ما نموت، هانموت شهداء على الأقل..احنا مش جايين عشان الكورة، احنا بنحب بلدنا وهانفضل نحبها".

وهناك في المركز الصحفي، قابلت بعض الزملاء، وجدت القليل، مثل عضو رابطة النقاد الرياضيين أحمد إسماعيل، والكاتب المحترم أسامة إسماعيل، أما الكثير ممن انتظرت حضورهم، فقد تاهوا وسط الزحام.

في الشوط الثاني حالفني الحظ بإيجاد مكان استراتيجي جوار صحفي كونجولي لا أدري سر مجيئه إلى مصر، وبلده خارج اللعبة تمامًا. الصحفي كان يقوم بعدة مهام، أحب الأفارقة أنا.. كان يكتب بعض الملاحظات عن فنيات المباراة في ورقة طويلة عريضة، ويُعلق على المباراة لإحدى الإذاعات في نفس الوقت، ويتحدث مع زميله الذي كان يكتب على حاسوبه، رغم صعوبة الأجواء ومحاصرتهما من الجماهير من كل حدب وصوب.

عندما شاهدتهما بهذه الحيوية وبهذا النشاط، تضاعف إصراري وغيرتي، وقررت ألا أخلد إلى النوم أو أنغمس كثيرًا في الاحتفالات، واستجمعت قواي لإلتقاط صور وفيديوهات استثنائية لتوثيق هذه اللحظات العظيمة لهذا الجمهور والشعب الطيب.

الأداء تحسن رويدًا رويدًا من لاعبينا.. صلاح استطاع كعادته في هذه التصفيات. تسجيل هدف التقدم من هفوة فادحة لأحد المدافعين، وفي الوقت الذي احتجنا لمواصلة صالح جمعة نظرًا لقدرته العالية على ضبط إيقاع الوسط خلال الدقائق الـ 15 الأخيرة، أخرجه كوبر في الدقيقة 56 لإشراك محمود تريزيجيه، وما زاد الطين بلة إشراك عمرو جمال المستأنس بدلاً من أحمد حسن كوكا المشاكس، والأتعس كان نزول أحمد المحمدي محل رمضان صبحي في الدقيقة 88.

بدلاً من محاولة إضافة هدف والحفاظ على النتيجة، سلمنا الكرة للخصم، وظهرنا بصورة باهتة دون أي وعي للعواقب، وكأن تعادل أوغندا مع غانا أهلنا بالفعل، لكنه كان أشبه بالفخ الذي وقعنا به بالاستهزاء والتقليل من الخصم، والتعامل معه على أنه فريسة، وهو في حقيقة الأمر لم يكن بذلك الصيد السهل، والدليل ما فعله أمام غانا في كوماسي حين تعادل 1/1 بالجولة الثالثة.

الكونجو أدركت هدف التعادل في الدقيقة 88 بواسطة "بوكا موتو" الذي أمات عقول وقلوب الجميع في أرض الميدان باستغلاله الذكي للتقدم غير المُبرر من أحمد المحمدي إلى خط الوسط.

وخلال احتفالهم بالهدف، توقف قلبي للحظات، فرفعت قلبي عن الكاميرا وتوقفت يدي لا إراديًا عن التصوير والتفاعل مع الأحداث لأول مرة، قلبي احتاج فعليًا لصدمة كهربائية، وعقلي تعطل هو الآخر فوجدت نفسي تلقائيًا أضرب رأسي عدة ضربات في كابينة الصحفي الكونجولي، مشاعر غريبة وتصرفات أغرب لم أصدرها من قبل، نسيت كل شيء من حولي وبدأت دموعي تنهمر، فعيني لا تصدق أن الحلم يتمختر نحو التبخر بكل بساطة، الكل بدأ يتمتم ويتحدث عن المصير المجهول الذي ينتظرنا في غانا بعد شهر/

الدقائق الخمس المُحتسبة كوقت بدل من ضائع لم تشف غليل أحد، هدف الفوز هو الشيء الوحيد الذي انتظره الجميع وإلا تم الفتك باللاعبين وبمَن حافظ لهم على أماكنهم من الضياع بعد مهزلة نهائي "الكان" في الجابون أمام الكاميرون، الممثل الفاشل لأفريقيا في كأس القارات.

كرة عرضية ضالة..وجد تريزيجيه طريقها داخل منطقة العمليات في الدقيقة الأخيرة، والحكم الجامبي المثير للجدل "جاساما" قرر لأول مرة إطلاق صافرته معلنًا عن ركلة جزاء بعد ثلاث لعبات غريبة، فسالت دموع من نوع آخر..دموع فرحة، فالثقة كانت أكيدة في قدرة "أبو صلاح" على ترجمتها لهدف، وهذا ما كان، أهتزت المدرجات، هزة تفوق كل الهزات التي عاهدتها ولم أعدها في حياتي، هزة أعنف من هزة ستاد القاهرة في مباراة الجزائر بتصفيات مونديال 2010، يومها كنت أخطو خطواتي الأولى مع "جول العربي" ومع عالم حضور المباريات من أماكن كنت أطلق عليها أثناء تواجدي في الدرجة الثالثة بـ أماكن البرجوازيين والمغرورين!.

في المؤتمر الصحفي، غاب كوبر، وتخلف مدرب الكونجو عن الحضور، والأسباب لازالت مجهولة...وبعد مغادرة الملعب وعلى مدار 6 أو 7 ساعات، وأنا في حالة صدمة ممزوجة بفرحة لم أعدها من قبل، شريط حياتي كله مع كرة القدم منذ عام 1990 مَر أمامي في الطريق من برج العرب إلى سيدي جابر بالاسكندرية، في الحافلة الصغيرة "التمناية" وفي الحافلة المتوسطة "الميكروباس" وفي التاكسي البرتقالي الأسود "اللادا"، تذكرت مشهد نهوض جدي الشبراوي من مكانه لتحية العلم وصوته حين كان يردد نشيد بلادي بلادي خلال إلتفافنا حول التلفاز في بيت العائلة العتيق لمُتابعة مباراة في تصفيات مونديال الولايات المتحدة 94، وعاد لذهني مشهد حسرة أبي وأمي حين أخفق المنتخب في التأهل إلى فرنسا 98 وكوريا واليابان 2002، وتخلي شقيقي الأصغر عن الكرة المحلية برمتها حين أخفقنا في التأهل مع بوب برادلي إلى دورة البرازيل 2014.

تحسرت أيضًا كل المواهب التي حرمتها ظروف مختلفة عن اللعب في كأس العالم، من محمود الخطيب وطه إسماعيل وصالح سليم وحمادة إمام وحسن شحاته ورفعت الفناجيلي إلى عبد الستار صبري وحازم إمام ومحمد أبو تريكة ومحمد بركات وعماد متعب.

تذكرت أيامي في روسيا حين كنت أغطي كأس القارات 2017 من بطرسبيرج وكازان وموسكو ورهاني أمام الروس في القطارات ومحطات المترو والمطاعم بأن تأهلنا اقترب وإن روسيا هي مفتاح الفرج بالنسبة لنا، وأننا سنحتل شوارعهم كما احتلوا هم لسنين شوارع الغردقة وشرم الشيخ والأقصر، وقد كان ما تمنيت.. لذلك هذه هي ليلتي..هذه هي ليلتي!.

إلى لقاء آخر في بلاد القياصرة..

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل