المحتوى الرئيسى

موسكو والرياض في الطريق الى ضبط إيقاعات سوق الطاقة

10/07 17:32

تشير البيانات الاحصائية إلى أن العلاقات الاقتصادية السعودية الروسية المباشرة حاليا ليست ذات شأن كبير مقارنة بعلاقات البلدين مع دول أخرى. فإذا أخذنا على سبيل المثال مجمل التبادل التجاري بينهما فإن قيمته خلال العام الماضي 2016 كانت أقل من نصف مليار دولار تشكل الصادرات الروسية أكثر من ثلثيها. وللمقارنة وصلت قيمة صادرات ألمانيا إلى المملكة حلال العام المذكور إلى أكثر من 8 مليارات دولار في حين تزيد قيمة الصادرات السنوية الأمريكية لها على 25 مليار دولار. غير أنه ضعف التبادل التجاري يقابله تنسيق سياسي واقتصادي غير مسبوق في سوق الطاقة العالمي، لاسيما وأن الرياض وموسكو تتصدران قائمة منتجي ومصدري النفط في العالم. ويقدر خبراء أن التنسيق بين العاصمتين جنبهما مع منتجي النفط الآخرين خسائر بعشرات المليارات من الدولارات خلال العامين الماضيين.

روسيا في منظمة الأوبك لكنها تنسق معها حاليا بشكل غير مسبوق

في صيف عام 2015 تدهورت أسعار النفط إلى مستويات أرعبت الكثير من الدول التي تعتمد بشكل أساسي على صادراته. يومها تراجع سعر برميل الذهب الأسود إلى أقل من 40 دولارا بعدما كان بحدود 120 دولارا ربيع 2014. ورغم هذا التدهور الذي أفقد السعودية أكثر من نصف واردتها النفطية، أصرت المملكة يومها على موقفها الرافض بشدة لتخفيض المعروض في السوق المتخمة بحجة الحرص على استقرار الاقتصاد العالمي. غير أن السبب الأهم للتعنت السعودي أيضا من وجهة نظر محللين كثر كان ممارسة الضغط السياسي ومعاقبة كل من روسيا وإيران بسبب دورهما العسكري والسياسي في سوريا والعراق، لاسيما وأن كليهما يعتمد على الصادرات النفطية ولو بشكل أقل من السعودية. غير أن التواصل السياسي الروسي السعودي المكثف الذي واكبه تحسن ملحوظ في علاقات الطرفين على الصعد السياسية والاقتصادية ساعد في خريف 2016 على حدوث اختراق أثمر عن توافق بين دول منظمة الأوبك وروسيا على تخفيض الانتاج بحوالي 1.8 مليون برميل يوميا بهدف تقليص المعروض ورفع الأسعار.

أدى التوافق المذكور الذي بدأ تنفيذه فعليا وبشكل تدريجي منذ أوائل 2017 إلى ارتفاع سعر برميل الذهب الأسود إلى حوالي 58 دولارا أوائل أكتوبر/ تشرين الأول الجاري . ويعني الارتفاع الذي تحقق حاليا مقارنة بأسعار صيف 2015 زيادة العائدات المالية النفطية للدول المصدرة بنسبة تزيد على 30 بالمائة خلال أقل من سنة. بالنسبة لكل من السعودية وروسيا تعني هذه الزيادة تحقيق عائدات سنوية إضافية لا تقل 50 مليار دولار لكل منهما. من هذه الزاوية يمكن قراءة قول الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز للرئيس الروسي الروسي فلاديمير بوتين بأن المملكة ستواصل العمل مع موسكو من أجل استقرار اسواق النفط العالمية. ويبدو أن المساهمة الهامة للبلدين في استقرار أسواق النفط إضافة إلى رغبة مشتركة بمزيد من التنسيق السياسي حول قضايا الشرق الأوسط المعقدة وتوجه سعودي لشراء أسلحة من روسيا بينها منظومة الدفاع الجوي الصاروخي S400 ستفتح الباب على تعاون اقتصادي من أبواب واسعة. ويعكس ذلك التوقيع على سلسلة اتفاقيات ومذكرات تفاهم اقتصادية بعدة مليارات من الدولارات في مجالات أبرزها الطاقة والنقل والصناعة والزراعة والاتصالات خلال زيارة الملك سلمان لروسيا في النصف الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري . ويرز من بينها مذكرة تفاهم بقيمة مليار دولار للأستثمار في مجال التكنولوجيا وأخرى بنفس القيمة للاستثمار في مشاريع الطاقة.

روزنيفت الروسية تريد حصة أقوى في سوق النفط السعودية

رغم كثرة المشاريع والمذكرات الموقعة بين الجانبين والآمال الكبيرة المعلقة عليها، فإنّ الاستثمارات وفرص التعاون الاقتصادي المباشرة  بين موسكو والرياض تبقى محدودة مقارنة بنظائرها بين الأخيرة وواشنطن أو باريس أو لندن. ويدل على ذلك صفقة العصر التي وقعها ترامب خلال زيارته الأخيرة للرياض بقيمة تقارب 500 مليار دولار. كما أن الاقتصاد السعودي مرتبط بالغرب وشرق آسيا من النواحي التقنية والتجارية. غير أن ذلك لا يقلل من الأهمية التاريخية للتعاون الروسي السعودي في مجال الطاقة، لاسيما وأن إنتاجهما النفطي يعادل لوحده نحو ثلثي ما تنتجه منظمة الأوبك. كما أن صفقات كبيرة عقدها البلدان في مجالي التنقيب والاستخراج. وتأتي أهمية هذا التعاون في الوقت الذي يصعد فيه نجم الغاز الطبيعي كبديل هام إلى جانب الطاقات المتجددة لحقبة النفط التي يتوقع أفولها خلال العقود الثلاثة القادمة. الجدير ذكره هنا أن السعودية تمتلك سادس أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي في العالم، بينما تتربع روسيا على قمة قائمة الانتاج والاحتياطي منه. وعلى ضوء ذلك هناك توقعات محقة بأن يلعب منتدى الدول المصدرة للغاز الطبيعي الذي تتصدره روسيا ويضم في عضويته أيضا إيران وقطر وفنزويلا والجزائر في المستقبل دورا لا يقل فاعلية عن دور منظمة الأوبك في سوق الطاقة العالمي. وإذا ما استمر التنسيق مع موسكو يمكن للرياض أن تضمن لنفسها دوراً هاماً في سوق الطاقة العالمي الذي يلعب فيه الغاز إلى جانب مصادر أخرى للطاقة دورا متزايدا سنة بعد أخرى.

عارضت العربية السعودية قبل فترة وجيزة تقليص كميات إنتاج البترول لمواجهة المنافسة الأمريكية والخصم إيران. لكن ثاني أكبر مصدر للنفط في العالم يواجه هو الآخر وضعا صعبا. وصندوق النقد الدولي حذر من عجز كبير في الميزانية. والآن تريد السلطات السعودية إدراج ضرائب وإلغاء دعم بعض المواد الاستهلاكية والكهرباء.

من كان يتوقع ذلك؟ النرويج الغنية تشكو هي الأخرى من تدني سعر البترول. فالبترول من بحر الشمال جعل من بلد زراعي فقير إحدى أغنى دول العالم. لكن النرويج بدأت تغير سياستها في التركيز على النفط والغاز، وباتت تهتم أكثر باستغلال خيرات البحر من السمك.

روسيا لا تئن فقط تحت وطأة العقوبات الاقتصادية الغربية بل حتى بسبب نزول سعر النفط. في 2015 انخفضت القوة الاقتصادية في إمبراطورية فلاديمير بوتين بنحو 4 في المائة. والتداعيات هي انخفاض مستوى الأجور، والروبل فقد نصف قيمته أمام الدولار، والتوقعات ليست جيدة بالنسبة إلى 2016.

نيجيريا هي أكبر منتج إفريقي للنفط. وكان الرئيس الجديد قد أعلن عن نيته رفع مستوى النفقات الحكومية، وهو وعد قد لا يتحقق بسبب تدني الأسعار. والعديد من مشاريع البنية التحتية تظل جامدة. ويدر قطاع النفط ثلاثة أرباع عائدات البلاد.

ليس فقط نيجيريا، بل العديد من الدول الأخرى تبني حساباتها على أسعار مرتفعة للنفط والنتيجة هي عجز في الميزانية. فمنذ منتصف 2014 تراجع سعر النفط بنحو 75 في المائة. ولا يتوقع خبراء عودة الأسعار إلى المستويات السابقة التي تعدت 120 دولارا للبرميل.

تعتزم إيران عرض نصف مليون برميل إضافية يوميا على سوق النفط بعد رفع العقوبات الاقتصادية عنها. وبذلك توجه إيران لنفسها ضربة موجعة، لأن الكمية المتزايدة تضغط على السعر نحو الأسفل. لكن إيران ترى سببا آخر لتراجع أسعار النفط، وهي سياسة خصمها العربية السعودية.

الدول الخليجية الغنية بالنفط مثل العربية السعودية وقطر وعمان والإمارات العربية المتحدة ما تزال تمتلك صناديق حكومية كبيرة. لكن دول الخليج الست تعاني مشتركة من عجز في الميزانية يصل إلى 260 مليار دولار، حسب بعض التوقعات.

نرشح لك

أهم أخبار الصفحات الأولى

Comments

عاجل