المحتوى الرئيسى

... ولا يَقْطَع لحمة منها! | المصري اليوم

10/06 08:31

فى تصريحاتٍ له قبل استقالته من زعامة كاثوليك العالم، قال البابا بنديكتوس السادس عشر إن قوّة الدين لا تكمن فى قوّة نصوصه التاريخية، بل فى قدرته على إيجاد حلول حديثة متجدّدة لقضايا عصرية. وهو كرّس وقته إلى جانب ترسيخ البُعد الروحى فى الحياة لرؤيته الاقتصادية ونَظْرَتِه إلى قضايا توزيع الثروة والحفاظ على البيئة، وأخلاقيات العالم فيما يتعلق بالهجرة وإعطاء الجنسية لمستحقّيها ومكافحة الإرهاب، ونزْع السلاح النووى من كل العالم واعتماد الطاقة النووية أداةً للتنمية ومحاربة الفقر، إضافة إلى رأيه الفلسفى- الأخلاقى فى علم الأحياء والانفجار السكانى وهموم الجيل الشاب والتحديات التى يفرضها التقدّم العلمى على التطوّر المُجْتَمعى.

مناسبةُ التقديمِ ليست الإضاءة على سيرة بابا الفاتيكان السابق، فهو كتَبَ الكثير وكُتِبَ عنه الكثير، وليست الإضاءة على مواقفه السياسية البحتة التى له ما له وعليه ما عليه فيها، وليس تفضيلا لدين على آخر أو وضع الأديان فى محطات المقارنة، فالنصوص تتشابه والاستشهادات والاجتهادات كذلك.. لكن قوة الدين- أى دين- تكمن فعلاً فى قدرته على التجدُّد ومواكبة المعاصَرة بحلولٍ مناسبة. نقول ذلك والمشهد الاجتماعى العربى يضجّ هذه الأيام بفتاوى ومواقف لدعاةٍ مسلمين تحمل «إجاباتٍ» لتحدّيات معاصِرة تجعل المتلقّى يرقص مذبوحاً من الجهل.

أحد الدعاة البارزين «يكشف» فى محاضرةٍ له عن حوارٍ دار بين شخصٍ متوفى اسمه الإمام الشعبى وبين جنّ استوطن منزله فأكل معه وشرب. ومن تفاصيل الحوار أن الجنّ أبلغ «الشعبى» أن أمّته تضم أيضاً مذاهب متعددة لكن أَخْبثها هو مذهبٌ معيّن، فردّ الأخير بأن أمة الإنس أيضاً تضمّ مذاهب متعددة وأَخبثها المذهب نفسه فى أمة الجنّ. وطبعاً كلام الداعية الشهير يأتى فى إطار «نبوغه» العلمى الذى لم يرَ فى تطورات العالم العلمية وقدرة الإسلام على مواجهتها إلا تكريس الجهود لتحريض المذاهب ضدّ بعضها وافتعال فتنٍ داخلية واضطراباتٍ دموية.

داعيةٌ آخر، غابتْ عنه الاتفاقات الدولية التى أُبرمتْ وتلك المستجدّة المتعلقة بالتجارة والبيئة والمناخ والتكنولوجيا، وحضرت عنده تفاصيل اعتبرها الأساس فى نُصرة الإسلام والمسلمين، أهمّها الانتقاص الدائم من صحابة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ومن بعض أزواجه، وتعبئة الناس بشكل مستمرّ على أن هناك قضية ظلم تعرّض لها أهل بيت الرسول عليهم السلام منذ 1400 سنة، وأن هذه القضية هى القضية المحورية التى لن تقوم للمسلمين قائمة إن لم تصبح خبز تحريضهم اليومى ويَنتقمون لما حصل فى كربلاء.

والأحدث فى سلسلة «الإجابات المعاصرة» ما قاله داعيةٌ بل رئيس دار للإفتاء فى إحدى الدول العربية، من أن «المرأة بنصف عقل وإذا خرجتْ إلى السوق سينقص عقلها زيادة نصف، فسيبقى من عقلها ربع».

تحاول أن تلتقط أنفاسك، فَيَدلّك أصحابك على داعيةٍ يلقى محاضراته فى قناةٍ تليفزيونية اسمها قناة «الرحمة». تتأمّل منه خطاباً أكثر رحمة وعصرية، فَيَلْكمك بنظريةٍ لا علاج لها. يقول إن الله «كرّم المرأة بعقوبة الضرب»، لأن الضرب له «قواعد»، فهو ليس على الوجه ولا يَترافق معه تقبيح أو سباب، فإذا ضرب الرجل امرأته لا يَشْتمها ولا يزيد على عشر ضرباتٍ فى موقعٍ معيّن من الجسد، ثم يقول حرفياً: «أدب، هو الأدب، فإن ضرَبها لا يَكسر عظمة ولا يَقطع لحمة ولا يَكسر سنا ولا يفقأ عينا، لا يرفع يده إلى أعلى بل يضربها بحذاء صدره... أدب»، والأدهى والأمرّ أن المذيع يردّد: «يا سبحان الله».

والغَوْص فى أمْثلةٍ حيّةٍ لـ«دعاة كل يوم» مثل معاشرة البهائم والموتى، يَكشف أن وجودهم فى منابر مفتوحة بهذا الشكل يُقْفِل آفاق البحث عن مكان لنا فى عالَم متقدّم. ولنكن منصفين، فإن الفتاوى اللاعقلية ليست خاصية إسلامية بل موجودة فى كل الأديان، وآخرها تشبيه مقام كنسى لبنانى كبير ممارسة اليوغا باستحضار الشياطين.. لكن المهم اليوم هو الرهان فى التغيير على المتدين المتلقى أكثر من الرهان على أصحاب المنابر.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل