المحتوى الرئيسى

«الاستنزاف».. حكايات أبطال قهروا الإحباط

10/06 00:13

"يحرم علينا النوم ما نتهنّاشي.. ما تهدى نارنا في يوم ولا نهداشي.. تكتب مدافعنا السلام للدنيا.. ومصر من غير نصر ما تبقاشي" دأبت المقاومة الشعبية عقب نكسة يونيو 1967 على شحن الهمم بهذه الكلمات.

فطوال 6 سنوات هي الفترة الزمنية بين نكسة 1967 وانتصار اكتوبر 1973، كانت هناك حربًا غير معلنة سُميت بـ" الاستنزاف" سجل الجيش المصري والمقاومة الشعبية بطولات كثيرة يحكي بعضها أبطال الـ6 سنوات قبل الانتصار.

يحكي العميد عبدالوهاب عبدالعال، أحد أفراد كتيبة الاستطلاع خلف خطوط العدو في حربي الاستنزاف و1973، عن أحد العمليات التي قام بها قائلًا: "داخل سيناء الرابعة بعد ظهر 8 مارس 1969، رأيت ما حدث لنا في هزيمة 67 يتكرر أمامي عند الإسرائيلين، وهو ينسحبوا مذعورين لأكثر من 40 ألفكم للخلف، بعد ضربة مدفعية مصرية بطول الجبهة، وقتها لم أكن أعرف أنها بداية المرحلة الثالثة من حرب الاستنزاف والتي استمرت حتى أغسطس 1970.

وتابع: كل ما هنالك أنني كنت أتابع مراقبتي لموقع المدفعية الإسرائيلية في منطقة "عيون موسى"، الذي أقاموه في تحصينات قوية، وكان يُسقط ويلاته على منطقة" الزيتية بالسويس"، حيث تنكات البترول التي يحرقها كل فترة بقصفة من مدفعيته، ولم تنجح كل محاولات رصد هذا الموقع وتوجيه المدفعية إليه، فلم نكن نعرف بأمر تحصين المدفعية قبل ذلك.

من أجل هذا كان لا بدّ من عبور أحد لاستطلاع الأمر بنفسه وتم اختياري لهذه المهمة، وفعلا وصلت للموقع وأخذت في مراقبته ورسمه كروكيا، ووجدته عبارة عن موقع به ستة مدافع "هاوز155 ملي" فرنسية الصنع، وكانت وقتها أقوى المدفعية الثقيلة بعيدة المدى، يخفونها في موقع يُطلق عليه " أبوجاموس" وأبلغت القيادة بذلك.

في هذا التوقيت سمعت انفجارا كبيرا في غرب القناة أمام مدينة السويس؛ نتيجة لقصف مدفعي مصري دك الأرض في كل المنطقة التي أمامي وحولي حتى أقبل الليل، وامتلأت المنطقة حولي بالقوات المذعورة، ولكنني تحت جنح الظلام خرجت من المنطقة وعدت لمكمني الذي اخترته كمنطقة تمركز لأرسل بالأمر إلى قيادتي.

ويضيف العميد عبدالوهاب جئت إلى هنا منذ فترة متخفيا في زي سيناوي يوفر لي مندوب الطعام والمواصلات، وأثناء متابعتي لموقع "عيون موسى" سمعت حوارا بين بعض الأهالي عن وجود موقع اسرائيلي كبير في منطقة " صدر الحيطان" في نهاية ممر "متلا"، فأقنعت الدليل بتجهيز ملابس نسائية سيناوية لي؛ لنتمكن من اختراق نقاط التفتيش الاسرائيلية في مدخل "متلا" والوصول للموقع الذي يبعد عن مكان تواجدي 30 كم.

وبالفعل أخفت الملابس سلاحي ونظارتي الميدانية والكاميرا الفوتوغرافية، وجلست بين المندوب وابن عمه في سيارة نقل على أساس أنى زوجته المريضة التي يأخذها إلى المستشفى، ونصحني بالبقاء في العربة وألا أهتم بما يتعرضون له من إهانات إسرائيلية اعتادوها، وفعلا جاءني فرد إسرائيلي وقام بغرز " السونكي" في قاعدة الكرسيين المحيطين بي؛ ليتأكد من عدم وجود ألغام مضادة للدبابات، وكان الأهالي في سيناء يستخدومنها لعمل كمائن للدبابات الإسرائيلية.

تحت ملابسي أخفيت قنبلة يدوية تحسبا لكشفي؛ لأنني حينها سأ حتى إذا ما تم كشفي؛ لأنني حينها سأُفجرها فيهم لأقتلهم وأستشهد حتى لا أقع في الأسر ويتم تعذيبي، وصلت إلى الموقع فوجدته مساحة كبيرة موزعا بها بقايا أسلحتنا المدمرة منذ حرب 67 بشكل عسكري، وتنفيذ معسكر لفتيات وفتيان يمثلون الدفاع الشعبي؛ ليقيموا ويلهو به حتى يبدوا لنا أنه به حياة.

حينها أدركت أنه موقع للتموية واستنزاف طاقتنا، وخداعنا بأن لديهم قوات تغطي كل محاور سيناء، وقمت بتصويره هو وموقع صواريخ"هوك"، الذي وُضع في مدخل الوادي كمصيدة لقواتنا إذا ما جاءت لمهاجمة هذا الموقع الهيكلي، وأرسلت هذه الأفلام للقاهرة.

ويتابع: لا أنسى مشاعر أهلنا في سيناء وهم يحمونني إذا ما عرفوا هويتي، وأذكر أنه في أحد الأيام كنت أملأ قِربة بدوية من "بئر فم أمجح"، فإذا فجأة أجد فتاة صغيرة من أعلى الجبل تقول لي هكذا يا فدائي وشرحت لي بيدها كيف أملؤها.

عرفت بذكائها أنني لست بدويًا، وإلا لنجحت في ملء القربة، كما أنني أقيم بعيدًا عن خيامهم وقمت بعدها بتغيير موقعي حتى جاءني الدليل، وعرفت أنها ابنة أخيه وعرفتني بذكائها لكنها أخفت الأمر عن أهلها أو أي أحد حتى لا أتعرض للخطر.

كانت مهمتي الأساسية تستغرق شهر في سيناء لكنها استمرت لسبعة أشهر، عانيت كثيرًا خلالها فيكفي أنني في إحدى الليالي لم أجد ما أخفف به من لسعات البرد إلا دفن نفسي في الرمال حتى الصباح.

بطل آخر من رجال حرب الاستنزاف يروي بطولات تمت في سنوات انتظار النصر، فيقول اللواء يسري عمارة الذي أسر العقيد عساف ياجوري، قائد اللواء مدرع بالجيش الإسرائيلي خطط القادة لخطف أسير إسرئيلي من الضفة الشرقية، أثناء عبور إحدى الدوريات بقيادة النقيب أحمد إبراهيم قائد سرية الاستطلاع للواء 117 مشاة ميكانيكا.

ويضيف:عبرت الدورية القناة وتجولت في سيناء حوالي كيلو ونصف الكيلو تقريبا، وحفروا حفرا برميلية على طريق الأسفلت شرق القناة، وتم إبلاغهم أن هناك هدفا عبارة عن سيارة جيب، وبالتالي تم أسر أول ضابط إسرائيلي.

ويتابع: كان ذلك أول إسرائيلي يصل الجبهة المصرية يُدعى "دان أفيدان شمعون"، وكان مصابا وتم علاجه فى مصر، وتم تبادله في أول دفعة تبادل أسرى، ثم ترقيته حتى أصبح نائبا لرئيس جهاز الموساد الإسرائيلي.

يضيف عمارة في إحدى المرات " تحديت الأوامر بوقف إطلاق النار وضربت دورية إسرئيلية على الضفة الشرقية بسلاح ضرب الطائرات؛ من أجل الثأر لأحد جنودي الذي استشهد وهو عريس".

ويتابع" الظروف الصعبة التي عاصرناها خلال نكسة 67 أهلتنا لخوض حرب أكتوبر، وإحراز انتصار كبير رغم تفوق إسرائيل.

ابن قرية شها بمحافظة المنصورة المقاتل فوزي عبدالسلام، يحكي تجربة أسره مع 11 جندي لمدة 4 سنوات خلال حرب الاستنزاف والمعاناة التي عاشوها قائلا" كنت مجند في عام 1967 بأحد كتائب الصاعقة، وكُلفت الكتيبة التي كنت بأن تكون نقطة استطلاع متقدمة في "جزيرة شدوان"؛ بسبب الغارات المستمرة للعدو الإسرائيلى على منطقة البحر الأحمر بداية من "الزعفران" إلى "سفاجا" فكان لابد من وجود نقطة استطلاع متقدمة بجزيرة شدوان، التي كنت أحد أفرادها.

ويضيف" اكتشف العدو الإسرائيلى وجود نقطة استطلاع في جزيرة شدوان، فشن غارة جوية علينا في 22 يناير سنة 1970، ولم نتمكن من التعامل مع الطائرات الإسرائيلية، بلغنا قائد الكتيبة الذي أبلغنا بوصول طائرات مصرية من أجل التعامل مع الغارة، لكن قبل وصولها نزلت طائرة هيلكوبتر إسرائيلة إلى المكان، وتم أسرنا ونقلنا لإدارة المخابرات الإسرائيلية بتل أبيب وأعلن العدو وقتها عن أسر 11 جندى بعد علمهم أسمائنا".

ويتابع: حققوا معنا لمدة أسبوع، تعرضنا خلاله لجميع أنواع التعذيب؛ لأننا رفضنا إخبارهم بكيفية تدريب الجيش المصري وأنواع الأسلحة، رغم التعذيب الذي وصل لنهش الكلاب البولسية لأجسادنا".

ويُكمل ابن المنصورة"مكنتش متخيل إني هرجع تانى مصر، لكن في أحد الأيام أيقظنا أحد الجنود الإسرائيلية فجرًا، وقال لنا أجهزوا لأنكم هترجعوا مصر لم نصدق ما سمعناه ولكن كنا نعلم عن مفاوضات اتفاقية تبادل الأسرى وتم نقلنا بطائرة إلى معسكر دهشور واستقبلنا أحد اللواءات استقبال الأبطال عام 1974.

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل