المحتوى الرئيسى

سمير فرج فى حوار خاص عن غرفة «عمليات حرب أكتوبر» و«شهادات القادة»: سجلنا لـ«مبارك» وأقنعت «طنطاوى» بالتسجيل مع «الشاذلى» | المصري اليوم

10/03 23:47

اتجاهه نحو العلم والدراسة، وضعه فى منطقة قريبة بعض الشىء من دوائر صنع القرار. يوم 6 أكتوبر عام 1973، كان الرائد سمير سعيد محمود فرج أصغر ضابط - سناً ورتبة- داخل غرفة عمليات القيادة العامة للقوات المسلحة فى «مركز 10».

فى الساعات الأولى من الحرب سجل بخط يده أول بلاغات قادمة من جبهة القتال، من موجات العبور، وتحرك للقوات على الأرض، وتساقط لحصون خط بارليف المنيع. فى كل بلاغ كان يتحرك من موقعه إلى «الماكيت المجسم» لجبهة القتال لتحديث المعلومات عليه، ويقف وجهاً لوجه أمام القادة الأربعة الكبار.. القائد الأعلى الرئيس السادات والقائد العام الفريق أول أحمد إسماعيل على ورئيس الأركان الفريق سعد الدين الشاذلى.. وأخيراً قائده المباشر اللواء أ.ح محمد عبدالغنى الجمسى رئيس هيئة العمليات.

فى الذكرى 44 لانتصارات أكتوبر يكشف اللواء سمير فرج لـ«المصرى اليوم» عن أسرار جديدة تنشر لأول مرة حول «غرفة النصر»، وأسباب التعتيم على دور الفريق الشاذلى خلال العقود الثلاثة الماضية، ولماذا لم تظهر كل تسجيلات القادة السابقين حتى الآن رغم مرور كل هذه السنوات على تسجيلها؟!..

يتطرق الحوار إلى تساؤلات حول «الحرب كضرورة » و«السلام كاختيار»، وقضية المساعدات الأمريكية لمصر، والتوجه الحالى فى عهد الرئيس السيسى لتنويع «مصادر السلاح».. وأسباب تعظيم «القوة العسكرية» لمصر خلال السنوات الثلاث الماضية.. وإلى الحوار:

■ فى واقعة استثنائية.. كنت أصغر ضابط عمليات من حيث السن والرتبة داخل مركز «10».. كيف ولماذا كان هذا الاستثناء؟

- كان لدفعتى ظرف استثنائى فى التخرج فى كلية «الحرب العليا»، فقد كان من المفترض أن يتم تخرخنا فى ديسمبر 1973.. ولكن لظروف الحرب تم تخريجنا فى منتصف العام. وجاء ترتيبى الأول على 150 ضابطاً.. كان من بينهم عدد كبير من كبار القادة فيما بعد لعل أبرزهم اللواء عمر سليمان. وكانت هناك حيرة تتمثل فى تحديد المكان الذى سيلحق به الأول على الدفعة، وتقرر فى النهاية إلحاقى بغرفة العمليات الرئيسية «مركز 10». وقبل انطلاق شرارة الحرب بشهر تقريباً، كان لزاماً اختبار المركز بكافة أدواته، وتم إطلاق مشروع تدريبى يمكن من خلاله الكشف عن فاعلية المركز فى الاتصالات والتواصل مع الأفرع الرئيسية.. وظللنا نتدرب على المشروع حتى يوم المعركة، عندما حضر اللواء الجمسى فى العاشرة صباحاً، وأمر برفع خرائط المشروع واستبدالها بخرائط «العملية جرانيت» الخاصة بالحرب.. وبدء العد التنازلى للمعركة..

■ هل كان الأمر الذى أصدره «الجمسى» إيذاناً بأن شرارة الحرب على وشك الانطلاق؟

- ليس الأمر وحده، فالعملية كلها كانت بالغة التعقيد. فنحن لسنا فى نزهة. كان هناك تخطيط دقيق ومحكم وإطار مفروض من السرية التامة على كافة المستويات..

■ حتى داخل «غرفة العمليات»..

- نعم.. فعندما أذن لصلاة الظهر تحركنا جميعاً للصلاة. وعقبها مباشرة فوجئنا باللواء الجمسى يقول: «الجميع ينصرف.. ماعدا ضباط العمليات».. وجلسنا معه لنستمع.. وطرح سؤالاً قد يبدو غريباً فى هذا التوقيت.. قائلاً: «إيه رأيكم فى تطوير الهجوم بعد الوصول للمضايق.. أم نظل عند رأس الكوبرى»؟.. وكان السؤال مفاجئاً.. والردود تلقائية: «هوه إحنا لسه عبرنا يافندم؟!».. هذه حقيقة.. فقد كانت كل التحركات السابقة تنتهى فى النهاية إلى كلمة «كما كنت»! وهو ما يعنى بقاء الوضع كما هو عليه. ولكن كلام «الجمسى» هذه المرة جعلنا نعيد قراءة الموقف مرة أخرى. فالحديث مختلف بعض الشىء..

■ هل تقدم لنا وصفاً لغرفة العمليات.. من الداخل؟

- الغرفة تتوسطها «منضدة رئيسية كبيرة» علوية مخصصة لجلوس القائد الأعلى وإلى يمينه القائد العام وعلى يساره رئيس أركان حرب القوات المسلحة. وعلى الجانب يجلس رئيس هيئة العمليات، وأسفل المنضدة يوجد «مجسم خريطة العمليات» للرؤية.. والذى يتم تحديث المعلومات عليه.

■ وما دورك هنا كضابط عمليات؟

- كنت أتلقى البلاغات.. وأقوم بتدوينها فيما يعرف بـ«سجل سير الحوادث» ثم أتحرك إلى المجسم لتحقيق هذه المعلومات عليه، بحيث يكون الموقف واضحاً أمام القادة لحظة بلحظة.. وكذلك حينما يصدر رئيس الأركان أمرا ما أثناء سير المعارك أذهب إليه بنفس الدفتر لقيد الأمر الصادر منه شخصياً..

■ النصر فى أكتوبر 1973 كان نصراً «معقداً» بكل المقاييس.. حمل صفات «السهل الممتنع»، تقابلت فيه المعجزة الإلهية والتخطيط المحكم مع «العلم والدراسة».. كيف تنظر إلى هذا النصر بعد 44 عاماً كضابط مقاتل.. ومخطط عمليات.. وقبلهما مواطن من أبناء هذا البلد؟

- أولاً دعنى أتحدث عن هذا «النصر المعقد» فى جزئية بسيطة، تبين مدى الدقة واستحداث وسائل بفكر مصرى صميم. فى صباح يوم العبور تحركت وحدات من الضفادع البشرية لإغلاق مواسير «النابالم» أسفل القناة، وفى نفس التوقيت كانت هناك وحدات أخرى من الصاعقة تبدأ فى الانتشار خلف خطوط العدو. إلى هنا الكل يعلم ذلك إلا أن المفاجأة كانت فى نقل الإشارت والبلاغات القادمة من الميدان. فالطبيعى أن «فك الشفرة» يستغرق مدة ساعتين على الأقل من جانب العدو، وبالتالى ستكون هناك صعوبة فى التعامل مع الموقف بهذه الطريقة. وهنا يظهر الفكر المصرى الراقى فى الإبداع، عندما استعانت المخابرات الحربية بمجندين من النوبة وسيوة فى الاستطلاع بحيث يتم إرسال الإشارة وتلقيها فى الجانب الآخر بواسطة جنود «نوبيين»، مما جعل عملية «فك الشفرة» معقدة لدى العدو.. بدلاً من الساعتين تحول التوقيت إلى يومين، وهو ما أفاد الجيش المصرى فى الأيام الأولى للمعارك. وهو فى نفس الوقت ما يوضح مستويات السرية، فحتى قبل الحرب بساعتين لم تكن هناك مستويات معينة لا تعلم الموعد.

- فى صباح يوم 6 أكتوبر وصلت خطاب من القيادة العامة للقوات المسلحة لقادة الجيوش تحدد فيها ساعة «س» وهى الساعة المحددة للعبور «1405»، ومع الخطاب الخطة المكلف بها الجيش بدرجاته وتشكيلاته..

■ وكيف كان الموقف داخل غرفة العمليات فى هذا التوقيت؟

- ربما يلحظ البعض من خلال المشاهدات عبر التليفزيون لغرفة العمليات أن هناك لوحة زجاجية، يقوم أفراد بوضع أسهم وإشارات عليها.. وهى شكل آخر من أشكال خرائط العمليات. كنا نراقب هذه الخريطة، ونحن مازلنا فى شك نابع من تكرار الموقف من قبل.. إلى أن وجدنا مسؤول اللوحة يخط أسهما باللون الأصفر على خريطة القناة من الغرب إلى الشرق وقتها تأكدنا أن الضربات الجوية تتم الآن..

■ ما هو شعورك كضابط عمليات.. وزملائك حينما ظهرت هذه التحركات على اللوحة الزجاجية؟

- شعور لا يوصف.. لقد عشنا أياماً مريرة.. ما بين تصريحات وضغط نفسى حتى على مستوى القيادة نفسها متمثلة فى الرئيس السادات الذى حدد من قبل «عام الحسم» ثم حديثة عن «الضباب» الذى يمنع إقلاع الطائرات من قواعدها!.. وأذكر أننى وأنا أتحرك بين الناس كنت أسمع النكات والسخرية حتى إن شباب الجامعات كانوا يسخرون ويطلقون على مقولة السادات «ضباب الحلة»!..

■ نأتى إلى الرئيس السادات.. صف لنا تصرفاته.. كقائد وإنسان داخل غرفة العمليات؟

- قبل العبور بساعة.. دخل الرئيس السادات إلى الغرفة وبرفقته الفريق أول أحمد إسماعيل والفريق سعد الشاذلى.. وخلف الثلاثة عدد من الجنود يحملون «صوانى» عليها سندوتشات من الجبن وعلب العصائر.. تحدث السادات قائلاً: «أنا حصلت على فتوى من دار الإفتاء بشرعية الجندى الصائم فى الإفطار.. وإحنا فى حرب وأدعوكم جميعاً للإفطار».. كل هذه المؤشرات ساهمت فى رفع روحنا المعنوية، وأدركنا أن الأمر مختلف هذه المرة.

■ هل سجلات البلاغات الأولى من ميدان القتال كانت بخط يدك؟

- نعم.. وكنت أتبادل التسجيل مع زميلى عادل كشك- رحمه الله- عندما أتحرك من موقعى لإبلاغ رئيس هيئة العمليات أو تحقيق هذه الإشارة على المجسم الرئيسى للعمليات. كان شعوراً غير طبيعى أن تتلقى بلاغات تحرك القوات وتساقط الحصون الإسرائيلية وتقدم قواتنا.. شعور لا يوصف حقيقة.

■ كضابط هو الأصغر سناً ورتبة داخل غرفة العمليات.. ما الموقف الذى لا تنساه لأحد كبار القادة؟

- اللقب الذى أطلقه علىَّ القائد العام الفريق أول أحمد إسماعيل على.. حينما نادانى بـ«الجوكر».

- كنت أتنقل دائماً- كطبيعتى- بين أركان الغرفة.. من تلقى بلاغات والتحرك إلى رئيس هيئة العمليات.. وتحقيق البلاغ على المجسم.. والعودة مرة أخرى إلى موقعى لتلقى بلاغ جديد.. أنا محب لعملى وأعشقه.. وأبحث دائماً عن كل ما هو جديد.. وهذا هو سر ارتباطى بقادتى على مر تاريخى المهنى.. الموقف الآخر كان لـ«الجسمى» بعد أن أصبح قائداً عاماً للقوات المسلحة.. فى ذلك التوقيت كنت أدرس فى «كمبرلى» ببريطانيا، وعقب إجراء المناظرة مع «شارون» على شاشة «BBC» طلبت منى إحدى المجلات المتخصصة فى الشؤون العسكرية كتابة سلسلة من المقالات، وبعد فترة فوجئت بـ«لفت نظر» لى لأنى كتبت هذه المقالات «بدون أوامر»! وهو ما يعنى الإضرار بمستقبلى.. وعلى الفور اصطحبنى المرحوم صلاح فهمى إلى مكتب الفريق أول الجمسى الذى استنكر هذا الأمر.. وأمر برفع ذلك من كل إدارات الجيش.

■ ألا تذكر بلاغاً محدداً.. أو موقفاً للرئيس السادات.

- بعد العبور بساعتين تقريباً.. ورد نبأ استشهاد الطيار عاطف السادات الشقيق الأصغر للرئيس. وعلمنا بالنبأ ولم يستطع أحد إبلاغ الرئيس به مباشرة.

- تحرك إليه الفريق أول أحمد إسماعيل على.. وطلب منه الاستئذان فى الخروج معه إلى خارج الغرفة.. إلا أن الرئيس السادات شعر بأن هناك شيئاً ما، وطلب منه أن يخبره عن الهدف.. فأبلغه باستشهاد شقيقه.. فرد بكل هدوء: «واحد من أولادى.. كلهم أولادى».. ولاحظت الحزن فى عينى الرئيس.. إلا أنه سرعان ما تبدد مع توالى ورود البلاغات من جبهة القتال.. واستمر الوضع كذلك حتى مجىء الليل.. وهنا حقق المقاتل المصرى ما يشبه «المعجزات».. ففى الحسابات العالمية للقدرات القتالية من الصعب أن يقاتل جندى بلا غطاء من الدبابات لمدة تزيد على الساعتين.. جنودنا كسروا هذه القواعد ووضعوا قواعد جديدة فى القتال لمدة تجاوزت 8 ساعات متواصلة حتى الليل.. وهذا ما يشير إلى عبقرية التخطيط والتوقيت الذى حدده وأشرف على تنفيذه الفريق الشاذلى.

■ ما هو أهم قرار- فى رأيك- للرئيس السادات يتعلق بهذه الحرب؟

- طرد الخبراء الروس.. هو قرار مهم وحيوى، ولولاه لنسب النصر إلى غير المصريين. وأذكر ونحن فى مراحل الإعداد للحرب جاء الروس لنا بكتاب يسمى «الكتاب الأبيض»، وهى سلسلة من التجارب الروسية التى من المفترض أن نبدأ التدريب عليها. ولكننا فوجئنا عند التطبيق أن الأمر مختلف تماماً. فالأنهار والترع فى أوروبا تختلف تماماً عن المانع المائى فى قناة السويس، وكذلك الساتر الترابى، إضافة إلى أن الروح المعنوية للمقاتل المصرى تراجعت بعد إقحام الروس فى كل صغيرة وكبيرة.. ومن هنا أعتقد أنه القرار الجرىء والحاسم.

■ فى مرحلة ما بعد الحرب دارت عجلة المفاوضات سريعاً وأفضت إلى «سلام» ربما لم يحدث له تمهيد شعبى بعد سنوات من الحشد لـ«المعركة».. متى تكون الحرب «ضرورة» ومتى يكون السلام «اختياراً مطلوباً»؟

- كل دولة لها هدف استراتيجى. وهى تسعى له بكل الطرق والأدوات المتاحة بداية من الدبلوماسى حتى العسكرى. وإذا فشلت الطرق السلمية تكون الحرب هى الطريق الوحيد. وهنا أؤكد أن الحرب فى حد ذاتها ليست هدفاً، ولكنها وسيلة للوصول إلى الهدف. فعند كتابة مهمة الحرب.. وكانت فى اليوم التالى للعبور قال المرحوم صلاح فهمى نحلة للواء الجمسى: «يا فندم القوات المسلحة.. ما خدتش مهمة من الدولة؟».

- أن يكون هناك توجه استراتيجى للحرب. وهى ببساطة «مهمة محددة» من الدولة لوزير الحربية ملخصها أن تستعد القوات لتنفيذ مهمة محدودة وعبور القناة والوصول إلى نقطة تتيح لمصر التفاوض مع الجانب الإسرائيلى. فعكف صلاح فهمى على كتابة الجزء العسكرى ثم توجه بعدها إلى الأستاذ محمد حسنين هيكل لكتابة الجزء السياسى. إذن الحرب ليست هدفاً ولكنها وسيلة لتحريك «المياه الراكدة».

■ فى غالبية مذكرات القادة العسكريين نجد أن هناك خلطاً دائماً بين «العسكرية والسياسة».. إلى أى مدى اختلط كل منهما فى حرب أكتوبر كنموذج؟

- اختلطت فى مرحلة «تطوير الهجوم» فيما يتعلق بتخفيف الضغط على سوريا. وأنا لا أريد أن أخوض فى تفاصيل ذلك، ولكن من المبادئ التى درسناها فى كلية الحرب أنه عندما تتلقى المهمة من القيادة السياسية «لا تتدخل السياسة فى أعمال القتال هى تنتهى المهمة المحددة».

■ لو وصفنا الرئيس السادات فى هذا الموقف على وجه التحديد هل نصفه «الرجل السياسى أم العسكرى»؟

- رجل «سياسى» بالطبع.. لأنه كان مضطراً لأن شريكه فى الحرب يقول له «الحقنى».

■ أى وجهتى النظر الأقرب إلى الصواب.. السياسية أم العسكرية؟

- كلاهما صحيح وصواب.. لا تستطيع الجزم بأن التدخل السياسى كان خاطئاً.. ولا القيادة العسكرية كذلك.

■ على مدى أكثر من ستة عقود استخدم «العلم العسكرى» كأداة للتصفيات السياسية.. ووصل الأمر إلى حد «التخوين» خاصة بين أنصار الزعيمين ناصر والسادات.. كمعاصر ما شهادتك؟

- فترة الرئيس عبدالناصر كانت لها أهداف مرحلية بعد يونيو 1967 فى مقدمتها استكمال التسليح بعدما فقدنا 75 بالمائة من سلاحنا، إعادة هيكلة الجيش وتنظيم الدفاعات.. وعندما ظهرت بوادر التنظيم بدأ عبدالناصر فى الإعداد لخطة «المآذن العالية»، وهى أول مشروع لاقتحام وعبور قناة السويس. وبعد وفاة الرئيس عبدالناصر تحولت الخطة إلى «جرانيت» التى واكبتها تحصينات أكبر فى خط بارليف.. ثم وصلت أخيراً إلى «جرانيت المعدلة».

■ لو افترضنا جدلاً أن الله أمد فى عمر الرئيس عبدالناصر.. هل كان سيتخذ قرار الحرب؟

- بالطبع.. لأنه كان مسؤولاً عن الهزيمة.. وهو ما يتضح من الإعداد لمشروع «المآذن العالية».

■ وماذا أضاف السادات كسياسى؟

- بعد قبول عبدالناصر لمبادرة «روجرز».. كانت فكرة السادات فيما بعد تنحصر فى «لعب السياسة»، وهى فكرة تحترم فى عدم المغامرة بأبنائك ومصالح الدولة. فالشعب المصرى تحمل الهزيمة مرة.. ولن يقبل بأى حال من الأحوال أن يتحملها مرة أخرى.

■ بعد قبول مبادرة «روجرز».. نعود إلى الافتراضية مرة هل كان الرئيس عبدالناصر فى سبيله لفتح علاقات مباشرة مع الأمريكان؟

- بالطبع كان سيفتح علاقات مع الأمريكان..!

■ وهل كانت الجماهير ستتهمه بـ«الخيانة»؟!

- الفلسطينيون ثاروا عليه بعد قبول مبادرة «روجرز».. ولكن المرحلة بظروفها كانت تقتضى مد الأيدى إلى الأمريكان.

■ هذه الإجابة تقودنا إلى سؤال أكبر وأعمق.. «من يكتب تاريخ مصر العسكرى».. خاصة فى «النقاط الخلافية».. مع العلم أن لكم تجربة مهمة أثناء توليكم إدارة الشؤون المعنوية للقوات المسلحة فى «تسجيل الشهادات» مع قادة الحرب؟

- بين وقت وآخر تتصاعد المطالبات بالإفراج عن وثائق وأحداث الحرب.. وهى مطالب لا بأس بها ولكن تحكمها ضوابط. وأحب أن أؤكد أن كل ما شهدته حرب أكتوبر من أحداث ووقائع موثقة ومسجلة بالكامل، وجميع سجلات الحرب أعيد تدوينها وترتيبها فى سجلات وثائق «سرى للغاية»، القضية الآن هى متى تخرج هذه الوثائق إلى النور؟.. كل المطالبات بالإفراج عنها لها حق فى المعرفة.. ولكن الموقف لدينا قد يبدو غريباً بعض الشىء. فعدوك التقليدى معلوم ومسرح عمليات الحرب لايزال قائماً فى سيناء.. فعندما أكشف عن تحركات كان من الواجب أن تتم أو طبيعة أرض اكتشفنا فيها شيئاً ما.. وهذه الوقائع لاتزال قائمة بظروفها فمن الصعب أن تكشف عن ذلك.. نحن لدينا أفكار وخطط ليس من الطبيعى أن نفرج عنها لأن ظروفها «التضاريسية» قائمة بنفس المعطيات. ومن هنا ليس من صالح مصر الكشف عن ذلك. ولكن لدينا «دروس مستفادة» فيما يتعلق بالجانب البحثى.. وهذا حق الدارسين.

■ الذى يتحدث هنا اللواء سمير فرج الرجل العسكرى.. أم خبير الإعلام؟

- اللواء سمير فرج «العسكرى» لأن ما نتحدث فيه هو العلم العسكرى، أما حق المعرفة فهو متاح للأغراض البحثية وحتى النقاش المجتمعى فى الندوات المتخصصة وواجبنا أن نوضح للناس ذلك. فمثلاً دول عديدة مدت فى مدد الإفراج عن الوثائق.. ولاحظ هنا التفرقة بين الوثيقة السياسية.. والوثيقة الحربية.. هناك فرق كبير.

■ .. وماذا عن التوثيق الذى تم تحت إشرافك؟

- خلال الاحتفال باليوبيل الفضى للحرب. طرأت لنا فكرة إعداد حلقات تسجيلية يتحدث فيها القادة على مدى 13 حلقة من الاستنزاف وحتى تحقيق النصر. وكان طبيعياً أن نوثق بكل الإمكانات المتاحة لدينا ما يكشف القادة عنه.

■ وما أهم ما استوقفك خلال التسجيلات من مواقف أو تعليقات للقادة؟

- ثلاثة أشخاص لم نتمكن من التسجيل معهم الأول الرئيس مبارك عن دوره كقائد للقوات الجوية فى الحرب، والسبب أننا كنا نسجل مذكراته فى نفس التوقيت. والثانى هو الأستاذ محمد حسنين هيكل الذى رفض التسجيل متعللاً بأن الأمر بالبث فى النهاية سيكون بيد صفوت الشريف!.. والثالث كان المشير أبوغزالة الذى كان حريصاً على لعب التنس فى نادى الجلاء وذهبت إليه وتحدثت معه.. ففوجئت برفضه قائلاً: «أنا ما أسجلش حاجة.. وصفوت الشريف يمنعها!».

■ .. وماذا عن الموقف من الفريق سعد الشاذلى؟

- فى هذا التوقيت كان الفريق الشاذلى قد عاد إلى مصر. وذهبت إلى المشير طنطاوى لأطرح عليه فكرة التسجيل معه، خاصة أنه هو محور عملية النصر والمخطط الرئيسى لها.. فرفض المشير فى البداية معللاً برفض القيادة السياسية، فحاولت إقناعه بضرورة ذلك ولو فى خمس دقائق فقط.. فقال لى: «طب روح انت ومعك المصور فقط».. وعلى الفور توجهت إليه فى مصيفه بالمنتزه بالإسكندرية.. وهناك وجدت المكان لا يصلح للتسجيل كشقة مصيفية.. وتحايلنا على ذلك بأن جعلنا خلفية التصوير هى مشهد البحر نفسه..!.

■ .. وأين هذه الحلقات الآن؟

- موجودة فى الشؤون المعنوية.. وكانت هناك مناشدات لإعلاميين للرئيس السيسى بإذاعتها كاملة.. وأعتقد أنها ستذاع فى التوقيت المناسب.

■ فى العقود الثلاثة الماضية- وتحديداً فترة حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك- كان هناك تعتيم على بعض القادة لعل أبرزهم الفريق سعد الشاذلى.. كيف ترى ذلك؟ ورؤيتك الخاصة له كمقاتل ومخطط؟

- الفريق الشاذلى هو المخطط الرئيسى لفكرة اقتحام خط بارليف فيما كان يعرف بـ«التوجيه رقم 41» الذى كان مفتاحاً للنصر بحق.. أذكر أننا ونحن ندرس فى كلية أركان الحرب فى أغسطس 1973، وكان عددنا 150 ضابطاً من كافة التشكيلات.. حضر إلينا على مدى يومين متتاليين وطرح فكرته الرئيسية وظل يتناقش مع كل منا فى كل تفصيلة حتى ولو كانت عابرة.. كان رجلاً دقيقاً ومنظماً فى الطرح والتسجيل والاستماع لوجهات النظر.. رجلاً ذكياً ولافتاً للنظر.. هو قائد عسكرى عظيم «ظلمته السياسة»!.

■ يقال إن السادات اختاره لتحقيق التوازن نظراً لخلافه القديم مع المشير أحمد إسماعيل.. وهو ما عرف بـ «ضرورة الخلاف بين الرجل الأول والثانى لتحقيق السيطرة».. ما رأيك؟

- هذا الكلام يمكن أن يتحقق بشكل أو بآخر فى غير أوقات الحروب، وفى الحرب فأنت تعرض مصالح أمة وشعب وجيش للخطر لو كان التفكير بهذا الأسلوب!.

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل