المحتوى الرئيسى

القصة الكاملة لطفلة أسيوط.. دخلت المستشفى بكسر في ذراعها فخرجت جثة

09/26 19:24

(نعمة.ج) طفلة صغيرة لم تتعد عقدها الأول بعد، ساقها القدر في عامها التاسع أن تُصاب في حادث مفاجئ تدخل على أثره غرفة العمليات داخل طوارئ مستشفى أسيوط الجامعي بسبب إصابتها بكسر بساعدها الأيمن، هناك بدأ أطباء التخدير المقيمون بالمستشفى في اتخاذ الإجراءات اللازمة للحالة كما اعتادوا على مدار سنوات طويلة في التعامل مع مئات الحالات المرضية المترددة عليهم لتثبيت الكسر، فتعاملوا معها كحالة طوارئ لإنقاذ حالتها، ولكن حدثت لها مضاعفات طبية بالغة نتيجة حساسيتها المُفرِطة لأدوية التخدير.

هنا بدأت الطفلة نعمة تشعر بارتفاع مفاجئ في درجة حرارة جسدها الضئيل وتيبس شديد في العضلات، ليتم نقلها للعناية المركزة لاحقًا، وبعد لحظات فوجئ الجميع بوفاتها متأثرة بما يسمى الحمي الخبيثة "malignant hyperthermia"، التي تصنف طبيا كمرض وراثي ينتقل من الأب أو الأم لذويهما، ونظرًا لعدم وجود علاج لهذه الحساسية المفرطة بالمستشفى وعند استنشاق المريض لأدوية التخدير قبل إجراء تدخلات جراحية ترتفع درجة حرارة الجسم فجأة إلى ما يزيد على 40 درجة مئوية مع تسارع في ضربات القلب وزيادة في حمضية الدم ثم الوفاة.

تقدم أهل الطفلة المتوفاة إثر خطأ طبي ببلاغ إلى قسم شرطة أول أسيوط للتحقيق في الواقعة التي اتهم فيها والدها أطباء التخدير بالمستشفى الجامعي بالتسبب في وفاة ابنته عقب تخديرها قبل إجراء عملية في الساعد الأيمن، وتوفيت داخل غرفة العمليات نتيجة حساسية نادرة ضد جرعة المخدر الزائدة.

جرى استدعاء الأطباء الثلاثة المتهمون وهم: "ه.أ"، مدرس مساعد بقسم التخدير، و"ه.م" طبيبة تخدير، و"ن.م" طبيبة تخدير، لمقر القسم، وبالعرض على النيابة، قرر المستشار أحمد رأفت رئيس نيابة قسم أول أسيوط، حبس المتهمين 15 يومًا على ذمة القضية، ما أثار غضب جموع الأطباء نتيجة عرض أطباء التخدير على النيابة دون إبلاغ نقابتهم.

تدخلت نقابة أسيوط الفرعية وأخطرت النقابة العامة للأطباء من أجل عرضهم على قاضي المعارضات أملاً في إخلاء سبيلهم دفعا بالقواعد الطبية المتعارف عليها بأن هذه مضاعفات واردة ولا تدخل تحت بند الإهمال الطبي، وطالبوا النائب العام المستشار نبيل صادق بسرعة الإفراج عن الأطباء المحبوسين احتياطيا على ذمة قضايا فى المسئولية الطبية.

وشددت نقابة أطباء أسيوط فى بيان لها على ضرورة وقف الحبس فى قضايا المسئولية الطبية والاكتفاء بكفالة بضمان محل العمل إلى أن تنتهي إجراءات القضية، وذلك بعد تكرار حالات الحبس الاحتياطى للأطباء في قضايا المسؤولية الطبية.

في الوقت ذاته طلب الدكتور حسين خيري، نقيب أطباء مصر مقابلة عاجلة مع النائب العام كمحاولة لإخلاء سبيل الأطباء، في ظل تصاعد حالة الاحتقان الطبي الجارية في أسيوط.

ودعا النقيب العام إلى عقد مؤتمر صحفي غدًا الأربعاء لطرح أبعاد المشكلة ومثيلاتها واستعجال مناقشة مشروع قانون المسئولية الطبية داخل مجلس النواب خلال دورة الانعقاد الثالثة، وسيتم دعوة جميع المهتمين بالأمر وأعضاء لجنة الصحة بمجلس النواب، للمطالبة بسرعة طرح مشروع القانون للمناقشة والإقرار.

من جانبه أكد الدكتور أحمد حسين، عضو مجلس نقابة الأطباء أن هذه لم تكن الواقعة الأولى، بل إن هناك حوادث أخرى شبيهة سبقتها، قائلًا: "إن استمر الوضع على ذلك ستكون هناك حوادث أخرى مماثلة، نظرًا لأن النيابة والقضاء ليس لدى أعضائهما خبرة فنية تتيح لهم تقييم القضية حول ما إذا كانت مضاعفات متعارفا عليها علميا أم خطأ طبي وارد أو إهمالًا طبيا يستدعي العقوبة، ولكنهم ينظرون القضية بالقانون الجنائي المُجرد، ووارد أن يدخل فيها الانطباعات الخاصة.

وأضاف حسين أن النتيجة الطبيعية لتكرار تلك المشاهد هي رعب الأطباء وأعضاء الفريق الطبي في أي مستشفى حكومي من التعامل مع حالة مرضية طارئة أو خطرة، حتى لا يتعرضوا للحبس، فإما أن يحولوها إلى مستشفى آخر أو يتحولوا لأدوات بيروقراطية في التعامل مع الحالة، وفي كلتا الحالتين سوف يدفع المريض وحده الثمن.

في 16 مايو 2015 قامت نقابة الأطباء بإرسال مشروع قانون "المسئولية الطبية" الذي تم إعداده بعد جهد ودراسة لكل الأنظمة الصحية حول العالم أرسلته إلى اللجنة التشريعية بمجلس النواب لمناقشته، لإقرار قواعد عادلة لمحاسبة الأطباء وتحديد المسئولية الطبية، ولكنه لا يزال حبيس الأدراج حتى الآن ما يسهم في تحميل الفريق الطبي كل الأخطاء الجارية داخل المنظومة الصحية في مصر.

وأوضح عضو مجلس نقابة الأطباء أننا لسنا في دولة تحترم المريض والقطاع الطبي القائم على تقديم الخدمة، ومجلس النواب لا يحدد أولوياته تبعا لاحتياجات وضروريات المجتمع، حتى يظل مشروع القانون الخاص بالمسئولية الطبية حبيس الأدراج منذ أكثر من عامين.

أعلن الدكتور هاني مهنا، عضو مجلس نقابة الأطباء أن قانون المسؤولية الطبية هو الحل الوحيد الذي يضمن للطبيب محاكمة عادلة فيما يتعلق بالمسؤولية الطبية المتعلقه بممارسته المهنة، قائلًا: "لا يُعقل أن يدفع الطبيب من حريته ثمنًا لخلل جيني وراثي ليس له فيه أي ذنب، لمجرد أنه قرر أن يجري لمريض جراحة عاجلة لتخفيف آلامه".

وأضاف أن تكرار حبس الأطباء في قضايا المسؤولية الطبية شجع أغلب شباب الأطباء على الاتجاه للتخصصات الطبية التي لا تنطوي على أي خطر أو مسئولية جراحية، ما يهدد بزيادة العجز في تلك التخصصات التي يوجد بها عجز كبير في الوقت الجاري.

كما أن محاسبة الأطباء على أخطاء المهنة -حسب تعبيره- يجب أن تكون ذات طابع خاص، فليس من المنطقي أن يُحاسب الطبيب كجانٍ بتهمة القتل، خاصة أن عددا كبيرا من المراجع الطبية الدولية تمتلئ صفحاتها بالحالات النادرة، فضلًا عن نسبة المضاعفات الطبية المعترف بها عالميا في كل التخصصات.

الرأي ذاته يتفق معه الدكتور وليد رياض، أستاذ جراحة العظام بطب أسيوط، الذي أوضح أنه نتيجة ما يجري الآن مع الأطباء من حبس احتياطي في مضاعفات طبية موصوفة تحدث في جميع دول العالم، سوف يُخرِج أجيالًا من شباب الأطباء وشيوخهم همهم الأول حماية وتأمين أنفسهم قبل أي شيء، بدلا من الحفاظ على حياة المريض.

من جانبه أشار الدكتور حسين الخياط، أستاذ التخدير بطب أسيوط إلى أن أطباء التخدير بالمستشفى الجامعي قاموا بتخدير الطفلة نتيجة تعرضها لإصابة طارئة (كسر)، وهي حالة تستدعي تدخلًا جراحيًا عاجلًا وحدثت لها مضاعفات واردة الحدوث (فرط الحرارة الخبيث)، وهي حالة نادرة لا يتم اكتشافها إلا عن طريق تحليل جينات لا يتم عمله إلا في حالة وجود تاريخ مرضي في أسرة المريض لمثل هذا المرض.

وأضاف أنه في حالة اكتشاف هذا الخلل الجيني، فالدواء المفترض إعطاؤه للمريض يُسمى عقار "الدانترولين"، وهو غير متوفر في مصر، في المقابل يوجد رقم موحد وخط ساخن يتصل به الأطباء في أمريكا وأوروبا عند وجود مثل هذه الحالات، حيث يحضر فريق طبي مختص للتعامل مع المريض وإعطائه الدواء المناسب.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل