المحتوى الرئيسى

هل تقود ميركل أوروبا الموحدة؟

09/25 23:27

مع انتهاء الانتخابات الألمانية وفوز أنجيلا ميركل بفترة ولاية رابعة، تثور عدة أسئلة حول السياسة الألمانية فى الفترة القادمة وما هو منتظر من قيادة ميركل لدول الاتحاد الأوروبى فى مواجهة العديد من الأخطار والتحديات التى عجزت عن مواجهتها. هذا ويتوقع العديد من الكتاب والمحللين أن دور ميركل ونفوذ ألمانيا سيتنامى بشكل ملحوظ نتيجة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى بعد تصويت أغلبية الناخبين البريطانيين على ذلك فى الاستفتاء الذى تم فى شهر يونيو الماضى. يضاف لما سبق انسحاب الولايات المتحدة تحت قيادة دولاند ترامب من العديد من الاتفاقيات الدولية ورفعه شعار «أمريكا أولا»، وبما يعنى ذلك من انسحاب واشنطن من قيادة العالم الحر الذى كانت تقوده منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. فلماذا تتجه الأنظار إلى ميركل وألمانيا تحديدًا وليس فرنسا وماكرون مثلا؟ وما هى أبرز التحديات التى على ميركل أن تتغلب عليها؟ وأخيرا، ماذا يعنى ذلك بالنسبة إلى مستقبل ألمانيا فى الأجل القصير على الأقل؟

بداية، من مفارقات التاريخ أن أحد أهم شواغل صانعى القرار فى الدول المنتصرة بعد الحرب العالمية الثانية كانت كيف يتم احتواء ألمانيا والحيلولة دون تعاظم قوتها العسكرية مجددًا. كان ذلك أحد الأسباب الرئيسية لتأسيس المجموعة الأوروبية الاقتصادية فى مارس ١٩٥٧ من ست دول أوروبية (بلجيكا / فرنسا / إيطاليا / لوكسمبرج / هولندا / ألمانيا الغربية) والذى تحول بعد ذلك إلى السوق الأوروبية المشتركة، ليتطور مع مرور الوقت إلى ما بات يعرف الآن بالاتحاد الأوروبى. كان الهدف إذا هو تحجيم قوة ألمانيا واحتوائها حتى لا تتحول إلى قوة عسكرية تهدد أمن واستقرار القارة الأوروبية مثلما حدث مرتين من قبل فى حربين عالميتين، الأولى ١٩١٤ــ ١٩١٨ والثانية ١٩٣٩ــ ١٩٤٥. حقيقة أن ألمانيا لم تعد القوة العسكرية الأولى فى أوروبا، ولكنها أصبحت اليوم صاحبة أقوى اقتصاد فى أوروبا والرابع عالميا (٣،٤ ترليون دولار) مع توقع استمرار معدلات نموه بشكل قوى، مقارنة بالاقتصاد البريطانى (٢،٩ ترليون دولار والخامس عالميًا)، والذى يتوقع أن يضعف وتتباطئ معدلات نموه مع خروجه المنتظر من الاتحاد الأوروبى، أو الاقتصاد الفرنسى (٢،٤ ترليون دولار والسادس عالميًا) والذى يعانى من مشكلات عدة أبرزها ارتفاع البطالة وتدنى معدلات النمو وعجز فى الميزان التجارى، ولذلك أصبحت ألمانيا اليوم وبلا منافس القوة المهيمنة داخل الاتحاد الأوروبى. وفى ظل ما تتمتع به المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من خبرة فى الحكم وما تحظى به من مكانة دولية رفيعة وعلاقات متميزة مع زعماء العالم المختلفين، مقارنة بنظيرها الفرنسى مثلا والذى لم يدخل قصر الإليزيه سوى من بضعة أشهر فقط ولم يختبر بعد على الساحة الدولية أو الأوروبية، ومع توارى دور رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماى نتيجة عزم بلادها على الخروج من الاتحاد الأوروبى كما سبقت الإشارة، فيكون من الطبيعى والمنطقى أن تئول قيادة الاتحاد الأوروبى ودولها إلى أنجيلا ميركل وألمانيا من ورائها.

ومما لا شك فيه أن الاتحاد الأوروبى يواجه تحديات جمة، بعضها من صنع ألمانيا وميركل شخصيا، وبعضها نتيجة ظروف وأسباب خارجية. ولعل أول ما يتبادر إلى الذهن أزمة اللاجئين والمهاجرين التى عصفت بدول الاتحاد الأوروبى العام الماضى سواء بسبب القادمين من إفريقيا عبر المتوسط إلى دول جنوب أوروبا كإيطاليا وإسبانيا، أو القادمين من الشرق الأوسط وخاصة سوريا فى طريقهم إلى ألمانيا عبر اليونان ودول شرق البلقان. وقد أنحت العديد من الدول وخاصة فى شرق أوروبا باللائمة على ميركل لترحيبها باللاجئين مما شجعهم على التدفق بأعداد غير مسبوقة على بلادهم. الأمر الذى أوجد شرخا فى العلاقة بين دول شرق أوروبا وغربها، ضاعف من تداعياتها انتهاج بعض حكومات شرق أوروبا وخاصة فى المجر وبولندا سياسات مناهضة للقيم الديمقراطية الغربية الليبرالية التى قامت على أسسها نظم الحكم فى دول غرب وشمال أوروبا. الأمر الآخر الذى تواجهه ميركل وبلادها، هو الاتهام بأن سياسة التقشف الذى فرضته ألمانيا على بروكسل من أجل معالجة الأزمة الاقتصادية التى ضربت دول الاتحاد الأوروبى بعد الأزمة المالية العالمية فى عام ٢٠٠٨ والتى عرفت باسم أزمة اليورو، وأدت إلى استفحال الأزمة كما رأينا فى اليونان. حقيقة أن الاقتصاد الأوروبى بدأ أخيرا فى التعافى والنمو من جديد، ولكن ذلك لم يتم إلا بعد التخفف من القيود والسياسات المالية التى وضعتها برلين.

أسفرت السياسات الألمانية السابقة إزاء اللاجئين والمهاجرين، فضلا عن إجراءات التقشف الاقتصادى نتيجة الضغوط الألمانية عن نمو الحركات الشعبوية والوطنية / العنصرية المتطرفة المناهضة للاتحاد الأوروبى والعولمة باعتبارهما وجهى عملة واحدة، مما شكل أكبر تحد للاتحاد الأوروبى وبدأ البعض يشكك أصلا فى مستقبل الاتحاد وبقائه. ولكن نجاح ترامب فى الولايات المتحدة وما صاحب إدارته من سوء الإدارة والصراعات الداخلية، فضلا عن تخبط الحكومة البريطانية حول كيفية خروجها من الاتحاد الأوروبى، أدى إلى إنحسار المد اليمينى الشعبوى المتطرف فى الانتخابات التى عقدت فى كل من النمسا وهولندا وفرنسا وحتى ألمانيا، وتفضيل الناخب الأوروبى للاعتدال والاستقرار على الدخول فى مغامرة غير محسوبة بعد ما شاهده من أداء كل من ترامب فى الولايات المتحدة وتريزا ماى فى بريطانيا. يضاف لما سبق نجاح ميركل فى احتواء الانتقادات الموجهة إليها، وتعديل بعض سياساتها دون التخلى عن مبادئها، وهو أمر يحسب لها، مما أدى إلى أن تميل الكفة مرة أخرى لصالحها محليا (النجاح فى الإنتخابات بألمانيا)، وأوروبيا (نجاح ماكرون الداعم للاتحاد الأوروبى)، ودوليا (إضعاف بريطانيا بخروجها من الاتحاد الأوروبى وتخبط وسوء إدارة ترامب لسياسته الخارجية ـ مقالى بالشروق بعنوان «انسحاب أمريكا أم صعود الصين» فى ٦ يونيو الماضى).

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل